- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
هزيمة روسيا في أوكرانيا لا تقل خطورة على الغرب من انتصارها
هزيمة روسيا في أوكرانيا لا تقل خطورة على الغرب من انتصارها
- 4 يوليو 2023, 9:26:43 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"المسألة قد لا تكون صفرية، بل إنها ربما تطرح دلالات عديدة توحي بأن هزيمة روسيا في حربها ضد أوكرانيا، قد لا تقل في خطورتها عن انتصارها".
هكذا يخلص تحليل لمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذي يشير إلى أن انتصار روسيا سوف يفرض أثماناً ربما تكون باهظة بالنسبة للدول الغربية، ولكن الصحيح أيضاً أن الهزيمة قد تفرض أثماناً ربما تكون أكثر فداحة، نظراً للتداعيات التي يمكن أن تفرضها هذه الهزيمة خاصة على مستوى إضعاف روسيا.
وفي حالة تحقق هذا السيناريو، وهو "هزيمة روسيا"، فإن السؤال التالي سوف يكون: ماذا بعد؟، وبمعنى أدق، ما هي التداعيات التي سوف تفرضها هذه الهزيمة؟.
وأمام ذلك، وفق التحليل، بدأت أصوات عديدة في الغرب تدعو إلى ضرورة التريث والتفكير في سيناريو اليوم التالي لهذا الاحتمال.
ففي 29 يونيو/حزيران الفائت، حذر مسئول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل من مخاطر "إضعاف" الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين، مضيفاً: "علينا الآن النظر إلى روسيا على أنها مصدر خطر بسبب عدم استقرار الأوضاع الداخلية".
ورغم أن دعوات عديدة برزت في الفترة الماضية إلى ضرورة توخي الحذر في تبني سياسة "إضعاف روسيا"، على غرار الدعوة التي وجهها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، في 18 ديسمبر/كانون الأول 2022، إلا أنها لم تكتسب هذا المستوى من الأهمية والزخم التي تحظى بها التحذيرات الحالية.
ويضع التحليل لذلك اعتبارين: أولهما، أن التحذيرات الأخيرة جاءت بعد مرور ما يقرب من عام ونصف على اندلاع الحرب دون أن تظهر مؤشرات توحي باحتمال اقترابها من النهاية، على نحو يفرض ضغوطاً أقوى على روسيا تحديداً التي كانت الطرف المُبادِر بشنها والتي لم تحقق حتى الآن الأهداف التي بدأت من أجلها العمليات العسكرية.
أما ثاني هذه الاعتبارات، فهي أنها توازت مع اندلاع التمرد الذي قادته حركة "فاجنر" على نحو فرض متغيراً جديداً في معادلة التوازن بين روسيا والغرب، لم يكن يحظى باهتمام كبير في الفترة السابقة، بعد أن كشف هذا التمرد، رغم أنه لم يستمر سوى 24 ساعة، وجود ثغرات لا يمكن تجاهلها في الأداء العسكري الروسي.
ويشير التحليل إلى أنه عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وجّهت كتابات غربية عديدة انتقادات حادة للسياسة التي تبنتها الدول الغربية في مرحلة ما بعد هذا التحول التاريخي، حيث وصفت هذه السياسة بأنها كانت "حذِرة" أكثر من اللازم، وأنها لم تستفد من الفرصة التي واتتها من أجل "إنهاء" الخطر الذي شكله الاتحاد السوفيتي وفرضته روسيا فيما بعد.
لكن هذه الكتابات تعرّضت بدورها لانتقادات عديدة، باعتبار أن ممارسة ضغوط بشكل قد يتجاوز الغرض منها يمكن أن ينتج مفاعيل عكسية في النهاية، وهو ما حدث في حالتي ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وروسيا بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
وبمعنى أدق، وفق التحليل، فإن الفرصة قد تتحول إلى "تحدٍ"، في حالة ما إذا أدت الضغوط إلى تغير التوازنات السياسية والديموجرافية الداخلية، بشكل قد يدفع إلى الواجهة قوى تتبنى سياسة أكثر تشدداً في إدارة العلاقات مع الدول الغربية.
ويلفت التحليل إلى نظرية "تحول القوة"، والتي قسّمت الدول حسب درجة القوة ودرجة الرضا عن موقعها من التوازنات الدولية، إلى 4 فئات رئيسية هى: الدول القوية والراضية، والدول القوية وغير الراضية، والدول الضعيفة والراضية، والدول الضعيفة وغير الراضية.
ورغم أن هذه النظرية قد تبدو قديمة، تاريخياً، فإن بعض مفرداتها ما زالت محل اختبار حتى الآن، على غرار معظم طروحات حقل العلاقات الدولية. فبإسقاط ذلك على ما يحدث حالياً على الساحة الدولية، تبدو روسيا إحدى دول هذه الفئة.
إذ أن هناك تصورات عديدة في دوائر الحكم في موسكو ترى أن "الدول الغربية تسعى للقضاء على روسيا"، كما قال الرئيس الروسي السابق النائب الحالي لرئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف، في 4 سبتمبر/أيلول 2022، والذي قارن بين الحرب الحالية وانهيار الاتحاد السوفيتي.
وأضاف حينها: "إنهم يفعلون كل شيء حتى تتوقف مؤسسات الدولة في روسيا عن العمل. فهم يحاولون حرمان البلاد من الحكم الفعّال كما حدث عام 1991. هذه هي الأحلام (القذرة) للمفسدين الأنغلوساكسونيين، والذين ينامون يومياً وهم يفكرون في كيفية دفع دولتنا للانهيار".
ويعلق التحليل على ذلك بالقول: "هذه التصريحات تطرح دلالات لا تبدو هينة، لا تنحصر فقط في أن دوائر الحكم في روسيا ما زالت تتبنى نظرية المؤامرة التي تقوم على أن الغرب ما زال حريصاً على تفكيكها عبر إضعافها، وأنها لن تستطيع التسامح مع ذلك، وإنما تمتد إلى أن هذه التوجهات المتشددة لا تتراجع داخل أروقة الحكم في روسيا بل تتطور تدريجياً، وتتحول إلى سياسات أكثر تشدداً، عبر صعود شخصيات مثل بوتين إلى سدة الحكم".
وهذا الاحتمال، وفق التحليل، قد يتكرر بصورة أكثر قوة في حالة ما إذا انتهت حرب أوكرانيا بإضعاف بوتين، بما يعني، وفقاً لذلك، أن الغرب يجازف عبر محاولة إضعاف بوتين بمواجهة نسخة أخرى من الرئيس الحالي قد تكون أكثر شراسة.
ويتابع التحليل: "ربما يؤدي إضعاف روسيا أيضا إلى تفككها، وبالتالي ظهور دول عديدة على الحدود قد تتصاعد الصراعات فيما بينها على الموارد والحدود، وبالتالي تتحول إلى حروب أهلية مزمنة".
ويزيد: "سوف تفرض هذه الصراعات ارتدادات مباشرة وسريعة على الدول الأوروبية خاصة مع الوضع في الاعتبار أن هذا الصراع قد يمتد إلى "التركة النووية الكبيرة".
وثمة عوامل عديدة يمكن أن تساعد في تحقق هذا السيناريو، منها أن روسيا دولة مترامية الأطراف تمتد على 11 منطقة زمنية، وتضم عرقيات عديدة، حيث أن نحو 19% من سكانها لا ينتمون للعرق الروسي.
وقد كان العامل العرقي عنواناً رئيسياً ظهر في تصريحات وردود فعل بوتين خلال زيارته لمسجد "جمعة" في مدينة ديربند في جمهورية داغستان، في 28 يونيو/حزيران الفائت، والتي رد فيها على حادث إحراق المصحف الشريف في السويد، حيث احتضن المصحف الذي أهداه إليه إمام المسجد، وقال: "القرآن مقدس لدى المسلمين وعندنا"، مضيفاً: "بطريرك روسيا يؤكد أن المسلمين هم أخواتنا، وهو ما يقوي الشعب متعدد العرقيات".
وربما من هنا، يمكن تفسير التحذيرات التي أطلقها رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو، في 29 يونيو/حزيران الفائت، بعد التمرد الذي قامت به "فاجنر" بنحو أسبوع، والذي مارس دوراً بارزاً في احتواءه على الأقل مؤقتاً، حين قال: "إذا انهارت روسيا فسنبقى تحت الأنقاض وسنهلك جميعاً".
وأضاف لوكاشينكو: "التهديد بنشوب صراع عالمي جديد لم يكن قريباً من أي وقت مضى كما هو عليه اليوم. إنهم يحاولون مرة أخرى نسف بلدنا ومنطقتنا بأكملها لإرباك الناس".
ويشير التحليل إلى أن "الرسالة تبدو واضحة، وهى ليست موجهة إلى الداخل، بقدر ما هى إلى الخارج، وتحديداً إلى الغرب ومفادها بأنه إذا كان لدى الغرب توجه لإضعاف روسيا تمهيداً لتفكيكها، فإن التهديدات التي يدعي الغرب أنه يواجهها حالياً بسبب السياسات الروسية سوف تكون هينة مقارنة بما ستكون عليه الأمور في حالة تحقق ذلك".
الضرر من سقوط روسيا أو إضعافها، لن يؤثر على الغرب فحسب، حسب التحليل الذي يقول إن "الصين سوف تكون إحدى القوى المتضررة".
ويضيف: "هناك ثمة ما يدعو إلى الحذر في المسارعة بترجيح تضرر الصين، بشكل كبير، من هزيمة روسيا، وذلك لاعتبارات عديدة، فقد استفادت الصين، على سبيل المثال، من انشغال روسيا في الحرب واستنزاف قدراتها العسكرية في إدارتها، عبر تعزيز دورها كمنافس للأخيرة في سوق السلاح على مستوى العالم، رغم أنها كانت تعتمد في البداية على التكنولوجيا العسكرية الروسية".
فضلاً عن ذلك، والحديث للتحليل، فإن إضعاف روسيا قد يفرض فراغاً في منطقة وسط آسيا بدأت الصين، على الأرجح، في الاستعداد مسبقاً لملئه، عبر توسيع نطاق علاقاتها مع دول تلك المنطقة، على نحو بدا جلياً في استضافتها للقمة التي عقدت في مقاطعة شنشي يومي 18 و19 مايو/أيار الماضي، والتي شاركت فيها دول كازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان وقيرغيزستان وطاجيكستان.
ويختتم التحليل بالقول: "الهزيمة المفترضة قد لا تمثل نهاية المطاف لما يعتبره الغرب تهديداً روسياً مزمناً، بل بداية لمرحلة جديدة من التهديدات قد لا تقارن بما تبدو عليه الساحة الدولية في المرحلة الحالية، فأن يكون عدوك ضعيفاً ربما يفرض، في بعض الأحيان، عواقب أكثر خطورة من أن يكون قوياً".