هشام النجار يكتب: «الذهبى» والتميز المصرى فى مواجهة التكفير

profile
  • clock 27 ديسمبر 2022, 6:44:02 ص
  • eye 390
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

من الدراسات المهمة التى طالعتها هذا العام 2022م رسالة الدكتوراه للباحث عمرو عبد المنعم التى نوقشت مؤخرًا بكلية الآداب جامعة طنطا تحت عنوان: موقف الجماعات الإسلامية المتطرفة من قضية التجديد الدينى.. اغتيال الشيخ الذهبى نموذجًا، حيث تمس الواقع مُسهِمة فى اقتراح حلول لمعضلاته. عاد الفكر التكفيرى أكثر توحشًا وتوسعًا، محاولًا زرع الشك فى مسلماتنا الدينية والأخلاقية وطمس هويتنا وخصوصيتنا، مُستأنفًا من العراق وسوريا - وواصلًا إلى غالبية دول العالم- الحكاية ذاتها التى بدأت فى مصر نهايات السبعينيات، وهو ما عكس الحاجة للتأسيس على مجهودات المُصلحين السابقين الذين تصدوا بكفاءة وبسالة لأكبر غواية مارسها الشيطان ليوقع الأمة الإسلامية فى الشَرَك ويدخلها فى تيه الاقتتال والصراعات. 

من مرض أصلى وهو جماعة الإخوان استفحل مرض فرعى وهو جماعة التكفير والهجرة التى بدأ زعيمها عضوًا بالجماعة الأم، وهو نفس سيناريو داعش حيث تربى أبو بكر البغدادى على مناهجها، ولا يخفى الشبه فى التصورات بين التكفيريين فى السبعينيات وداعش؛ فهم من دعوا المسلمين لهجرة مجتمعاتهم التى وصفوها بالوثنية، محاولين تأسيس مستوطنة صحراوية لتصبح دويلة دينية حتى تقوى شوكتهم فيعودون فاتحين، وعلاوة على اعتبار كل من هو خارج جماعتهم كافرًا وكل من غادرها مرتدًا، اعتنقوا تفسيرات تحرم كل مظاهر الحياة الحديثة إمعانًا فى الاستغراق فى غيابة الجهل والظلام. الوقوف على مُنجَز الشيخ محمد الذهبى وزير الأوقاف وشؤون الأزهر الأسبق الذى تصدى به لفكر التكفير ما دفع جماعة شكرى مصطفى لاغتياله بعد اختطافه عام 1977م، يجعلنا فخورين بعلمائنا الثقات الذين أوجدوا طريقة مُثلى للتعاطى مع داء التكفير العُضال منذ السبعينيات إلى اليوم؛ فالذهبى هزم التكفيريين فكريًا وفند كُتيب الخلافة وأثبت أن صاحبه لا يعرف من الفقه الإسلامى إلا القشور، وألف كتاب قبسات من الهدى النبوى، مثبتًا بُعْدَ التكفيريين عن جوهر الإسلام ومبادئه، ما تسبب فى انشقاق العديد عن الجماعة الضالة، بعد مطالعتهم للقراءة العقلانية والتفسير المتماسك لمفاهيم الإسلام وتاريخه، وهو ما استكمله الشيخ موسى شاهين لاشين صديق الشيخ الذهبى بمناظرة من تبقى معتنقًا لهذا الفكر المُشوه، حتى تراجعوا جميعًا وهو ما وثقه فى كتابه: الحصون المنيعة للدفاع عن الشريعة. إذن كيف نجح علماء مصر قديمًا واليوم فى استئصال التكفير واستعادة من جرى تضليلهم لجادة الصواب، فى حين يفشل العالم كله اليوم فى ذلك، حيث تثبت التقارير والإحصائيات تضاعف أعداد معتنقى فكر داعش فى أفغانستان وإفريقيا وغيرهما؟

 نجد الإجابة فى جهود العلماء الموثوقين، حيث قام الشيخ الذهبى بتفكيك بنية الفكر التكفيرى مثبتًا انحرافه عن صحيح الإسلام، ولأن جماعة الإخوان وما نبت منها من سلفية تكفيرية استخدمت روايات منسوبة لكتب التفسير واستخرجوا من كتب التراث ما يبررون به إرهابهم، وهو ما انتهجه داعش مبررًا ممارساته الوحشية وجزه للرؤوس وحرقه للناس أحياءً وسبيه للنساء بتأويلات مزيفة وروايات مكذوبة، فقد كشف الشهيد الذهبى خلال محاضراته وبعض مؤلفاته المهمة الدسائس والروايات المكذوبة فى كتب التفسير والحديث والسيرة. أثبت الذهبى الذى يُعد نموذجًا ضمن كوكبة علمائنا الثقات، أن ما يقضى على التكفير ليس الابتعاد عن الإسلام أو معاداته إنما المزيد من الاقتراب منه وفهمه فهمًا صحيحًا. ولن ينجز العالم الذى يعانى داء التكفير ما أنجزه علماؤنا إلا بمشروع مشابه؛ ليس رفضًا للثوابت الدينية وطعنًا فيها إنما بإعادة قراءة التراث برؤى عقلانية، مع الحرص على الاستفادة من أجزاء الماضى التى تخدم المشروع وتهميش الباقى، بحيث يصبح الحاضر مؤسسًا على الماضى لا نافيًا له، لكنه فى الوقت ذاته يُغنى عنه بما أضفاه من تطوير وبما منحه من مقدرة على مواكبة العصر.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)