- ℃ 11 تركيا
- 27 ديسمبر 2024
د.رعد هادي جبارة يكتب: خصوصية المفردةالقرآنية 18.. فهم القرآن يتطلب التدبر فيه
د.رعد هادي جبارة يكتب: خصوصية المفردةالقرآنية 18.. فهم القرآن يتطلب التدبر فيه
- 25 نوفمبر 2024, 4:04:21 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قد يظن البعض أن من يكتب عن الألفاظ و دقتها ويبحث في خصوصية المفردة القرآنية ربما يقوم بعمل عديم الأهمية أو يمارس ترفاً فكرياً.هذا الظن بعيد عن الحق والصواب بُعد المشرقين.
فالله عز وجل هو أول من فتح باب [قل و لا تقل] وليس العلامة الراحل الدكتور مصطفى جواد رحمه الله تعالى.
قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ۗ وَ لِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (البقرة/104) فنهى المسلمين عن استخدام كلمة [راعنا] وطلب منهم استبدالها بـ[انظرنا].
وعلى سبيل المثال، عندما ننظر إلى قوله عز وجل: [وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ] (الشعراء 224) يظن البعض أنه قد فهمها وأنها ليست بحاجة إلى تفسير.
بينما نجد الرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام في [تفسير البرهان: ج5] تقول: (عن حماد بن عثمان عن الإمام الباقر عليه السلام في قول الله عزّ وجل {والشعراء يتّبعُهم الغاوون} قال: هل رأيت شاعراً يتّبعهُ أحد ؟ إنّما هم قوم تفقّهوا لغير الدين فضلّوا وأضلّوا) إنّما عنى هؤلاء الفقهاء الذين يُشعرون قلوب الناس بالباطل، فهم (الشعراء) الذين يُتّبَعون، والشعراء اتضح مصداقهم في تفسير علي بن إبراهيم قال: (نزلت في الذين غيّروا دين الله بآرائهم، وخالفوا أمر الله، هل رأيت شاعراً قط يتّبعه أحد؟ إنّما عنى بذلك الذين وضعوا دينهم بآرائهم فتبعهم على ذلك الناس ويُؤكّد ذلك، قوله {ألم ترَ أنّهم في كلّ وادٍ يهيمون}. يعني يُناظِرون بالأباطيل، ويُجادلون بالحُجج المُضلّة وفي كلّ مذهب يذهبون. {وأنّهم يقولون ما لا يفعلون} قال: يعظون الناس ولا يتّعظون، وينهون عن المنكر ولا ينتهون، و يأمرون بالمعروف ولا يعملون…).
ولو نظرنا إلى الآية الكريمة[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ] (النساء43) وتساءلنا:
ما هو معنى: "سكارى" في الآية الكريمة ؟؟هنا نجد رواية معتبرة عند فقهائنا ومفسرينا تقول : (... قلت لأبي عبد الله [عليه السلام): مامعنى قول الله عز وجل: { لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ }. فقال: " سُكر النوم "]. وفي هذا المعنى روايات عديدة وقيل أيضاً أنها جاءت قبل التحريم.
ومن الأمور المهمة و تعكس دقة التعبير و المفردة القرآنية هو ما ينبغي أن نلتفت إليه في حياتنا اليومية. فعندما نسمع أو نقرأ رسالة من شخص بأنه مريض نسارع إلى القول: الله (يشافيك)وسمعت كثيراً من الخطباء في المجالس و المحاضرات يختمون كلامهم بجملة دعاء [اللهم "شافي" كل مريض]. بينما الأمر فيه خطأ فاحش !!فبدلا من التضرع لله بشفاء شخص مريض او جميع المرضى قد يرتكب قائل الفعل [شافي] إثماً!.
فقولنا [شافي]هو من باب المفاعلة [شافى-مشافاة] وهي صيغة تبيّن وتجسد [المشاركة] بين شخصين أو أكثر في إنجاز عمل معين.من قبيل (المشاورة والمسائلة و المعاونة والمشاركة و المساهمة والمراوغة والمساقاة والمتاجرة) يكون فعل الأمر منها على [فاعِل] فتقول للشخص (سائِل، وعاوِن، وشارِك، وساهِم، وراوِغ،وساقِ ،وتاجر).
فعندما تقول:
اللهم "شافي" كل مريض (وبالمناسبة فان الياء هنا زائدة لأن الفعل المعتل الآخر عندما يجزم تحذف منه الياء والواو والألف؛حروف العلة فتقول: شافِ، وليس شافي×) وكأنك تطلب من الله جلت عظمته ان يشارك شخصاً أو أكثر في عملية الشفاء بينما الله العظيم لا يصح أن يقال ذلك له ويدعى ب[شافِ] بل الصحيح هو [اشفِ]،كما ورد في دعاء الإفتتاح (إشفِ به صدورنا،وأذهِب به غيض قلوبنا).
ولهذا نقرأ الفعل المضارع من (الشفاء) في قوله تعالى: [وإذا مرضتُ فهو "يشفين"].الشعراء/80
و نفس الفعل جاء في آية أخرى مضارعاً مجزوما: [قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ] ﴿١٤ التوبة﴾
وهكذا كلمة (يصدون) في الآية المباركة ( إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ )كان ابن عباس رض يفسرها ويقول: يضجّون.وقال غيره (أي يضحكون). وهكذا كلمة "الضحك" في الآية الكريمة(وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ)[هود71] ليس المقصود منه الضحك المتعارف! وإنما تعني (حاضت)كما ذكره الطبري عن مجاهد والكوفيين والبصريين عن أهل الحجاز.
النتيجة النهائية:
ينبغي الدقة في التعبير وكذلك التمعن في الكلمات وعدم الإكتفاء باللفظ، فالمفردة القرآنية لا يفهمها بسهولة العوام-وحتى بعض المثقفين-حسب ظاهرها بل ينبغي التعمق فيها ومراجعة المصادر المعتبرة والتدقيق في التفاسير؛ قديمها و حديثها،كي يتمكن القارئ من تشخيص المعنى المراد بها وهذا مقتضى التدبر.
قال سبحانه: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].
مصادر للمراجعة:
كتاب (فهم القرآن ومعانيه) للحارث بن أسد المحاسبي المحقق: حسين القوتلي.
معجم (مفردات ألفاظ القرآن)للراغب الأصفهاني، تحقيق إبراهيم شمس الدين.
كتاب [المعجم الألكتروني لمفردات القرآن الكريم] د.محمد دودح.