- ℃ 11 تركيا
- 20 يناير 2025
حمدين صباحي يكتب: غزة.. إنتصار الحياة :اعادة تعريف حدود القدرة الانسانية
حمدين صباحي يكتب: غزة.. إنتصار الحياة :اعادة تعريف حدود القدرة الانسانية
- 20 يناير 2025, 10:24:18 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
انتصار غزة ليس مجرد انتصار سياسي ، ليس مجرد انتصار بالمعنى المعروف استراتيجياً وهو كسر ارادة العدو واكراهه على التراجع دون تحقيق اهدافه المعلنة ، ليس نصراً فقط بمعنى عجز العدو عن تحقيق الاهداف ،بل هو انتصار اوسع واعمق واعظم دلالة وابعد أثراً واكثر الهاماً ، انه انتصار للحياة في مواجهة الموت ، انه انتصار للبقاء في مواجهة الإبادة ، انتصار للتمسك بالأرض في مواجهة التهجير ، انتصار لمعنى الصمود في مواجهة الانكسار ، انتصار للقيم الأخلاقية في مواجهة التوحش وأحط النوازع التي مثّلها العدوان ، هو انتصار للمعنى في مواجهة هذا الخواء الذي يريد ان يلّفنا ، هو انتصار للأمل في مواجهة اليأس ، وهو انتصار الدم على السيف ، وانتصار الشهداء على القتلة وانتصار أولياء الكرامة على مهانة الاستسلام.
ما اروع انتصار غزة وما اعمقه وما أجلّ آثاره .
هذا يوم الفرح المستحق لغزة العظيمة المنتصرة بصمودها الأسطوري ، للأمة وغزة قلبها ، عاصمة شرفها ، ومناط أملها ، هذا يوم ينكسر فيه العدوان امام عظمة الصمود وبسالة المقاومة ، وعظم التضحيات ، هذا يوم لنستذكر أفضلنا وأعظمنا شهداءنا الذين قدموا دمهم الزكي درءاً لعدوان همجي وابادة جماعية ، وانتصاراً في وجه الاستكبار الصهيوني المدعوم امريكياً حتى انكسر.
هذا يوم تحية الشهداء وتحية المصابين والجرحى وتحية الباسلين المقاومين الصامدين ضد الحصار وافتقاد اللقمة والدواء وشربة الماء .
هذا يوم لتدرك أمتنا العربية روعة صمود ابنائها المقاومين وقدرتهم ان يردوا عن هذه الأمة كل هذا التوحش الصهيوني - الامريكي وان يظلوا رغم عنف القصف والدمار واقفين صامدين مرفوعي الرأس لا يرفعون راية بيضاء ، ولا تنكسر لهم ارادة.
هذا يوم التحية لغزة التي تستحق ان تكون اليوم عاصمة الكرامة العربية ، وعاصمة الشرف العربي وعاصمة المقاومة العربية.
هو يوم التحية لفلسطين ، كل فلسطين ، للمقاومة في لبنان العظيم ، للمقاومة في اليمن والعراق وفي ايران ، لكل الذين وقفوا مع الحق والنبل واعطوا وقدموا مالاً ودعماً وسلاحاً وكلمة ودعاء من القلب.
هذا يوم نستذكر فيه ان "طوفان الاقصى" قد زلزل يوم 7 اكتوبر 2023 بنية هذا الكيان ، وهو زلزال لن يشفى الكيان منه حتى تتفاعل آثاره العظيمة وتوابعه وصولاً الى تفكيك هذا الكيان العدواني العنصري .
هذا يوم لنقول لأنفسنا لقد قصرنا في حق فلسطين وغزة والمقاومة ، لان بعض انظمتنا حاصرت شعوبنا، ولأن بعض انظمتنا خذلت المقاومة ، ولأن بعض انظمتنا صمتت وكان صمتها ترخيصاً بالقتل أعطي للكيان الصهيوني وداعميه من امريكا والغرب .
هذا يوم لنقول لأنفسنا ان ما قصرنا فيه ينبغي ان نعوّضه ، فعندما تصمت المدافع لا ينتهي الصراع ، ليست الاّ هدنة تطول او تقصر كما علمنا قرن من الصراع العربي - الصهيوني سيتجدد ، واشكال المقاومة لهذا الكيان حتى استئصاله أوسع من الحرب بالسلاح ، انها فكرة وعقيدة ونهج وخطاب وممارسة سياسية وثقافية واقتصادية ، سينفتح الباب الآن امام مرحلة تصمت فيها المدافع الى حين ، لكن سيستعر الصراع العربي - الصهيوني بأساليبه السياسية والثقافية ، وهنا فأننا ندعو جماهير أمتنا وقواها الحيّة الى ان تتهيأ
اولاً لمقاومة التطبيع في مواجهة ما يخطط من سلام ابراهيمي ليتسع ليشمل انظمة عربية جديدة ،
وثانياً استمرار معركة المقاطعة التي أثبتت جدواها والتزمت أجيال جديدة من أمتنا ان الاستمرار في مقاومة التطبيع ومقاطعة العدو وداعميه واجب اول الآن.
ثالثاً الاستمرار في دعم المقاومة ، النهج والفكرة والخط السياسي والخطاب الثقافي والرؤية حتى تتجدد قدرة هذه المقاومة على ان تواصل دورها بالسلاح .
وهذا يوم ايضاً لنستذكر ان إعمار ما خرّبه العدوان في غزة والضفة ، في جنوب لبنان وفي كل موقع عربي هو واجب ينبغي ان نتنادى اليه ونساهم فيه ، ثم من واجبنا تأكيد ما فضحه هذا العدوان من تجرد هذا العدو من كل قيمة إنسانية وارتكابه للإبادة الجماعية وادانته في المحاكم الجنائية الدولية ومواصلة السعي لعزله في المجتمع الدولي ومحاصرته وعقابه وألا يفلت هذا العدو المجرم ولا صانعي قراره من العقاب .
إنه يوم لنجدّد العهد لأعظمنا وأسمانا شهدائنا وبالأخص قادتنا الشهداء الكبار العظام الذين زينوا تاريخنا العربي وسيبقون اقماراً مضيئة في ليله وشمساً ساطعة في نهاره ، السيد حسن نصر الله والشهيد اسماعيل هنيه والشهيد البطل يحي السنوار والشهيد صالح العاروري وكل شهدائنا من أكثرهم مكانة الى اعظمهم عطاءً ، من الصغار و الكبار ، من الجنود والقادة ، من النساء والرجال.
هذا يوم لاكبارهم ولكي نقول لهم ان واجب هذه الأمة ان يحفظ لدمهم العظيم ما انجزه ونواصل طريقهم حتى نصر مكتمل لا يكون الا بانتهاء وجود هذا الكيان على أرضنا التي اغتصبها ، وسوف يخرج منها بفضل المقاومة وبفضل الشعب .
هذا يوم لنعاود الايمان بقيمة أمتنا وقدرتها فان التجلي الأعظم في صمود المقاومة وبالأخص في غزة العظيمة ، هذا الصمود الأسطوري ينبئنا ان ما فعلته غزة العظيمة ليس اسطورة او معجزة لأنه فوق طاقة البشر ، بل لأنه يثبت ان طاقة البشر يمكن ان تتسع لكل هذه العظمة وكل هذا الصمود.
لقد اعادت غزة تعريف مدى قدرة الأنسان ، هذا الكائن العظيم، على ان ينتصر على الأهوال ويبقى عزيزاً مرفوع الرأس قوي الإرادة منتصراً بداخله فوق هذا الخراب الكبير ، ذلك ان خراب المباني عمّر هذه النفوس والهم العالم بقيمة عظيمة للانسان ، قدرة جديدة للإنسان حدود جديدة لعظمة وقدرة وكفاءة وإمكانية الإنسان ، هذا هو الدرس الملهم الذي تتعلم منه الانسانية وتتعلم أمتنا العربية ان تستعيد افضل ما فيها بفضل أفضل ما فيها :المقاومة .
غزة ... لك النصر لك الاكبار ... بك الفخر ...
يا أيها الشعب العظيم سنواصل طريقنا لتثبيت نصرنا ونحو استرداد أرضنا حرية كاملة لفلسطين التي هي جوهر نضالنا العربي ومقصده الكبير.