د. أميرة حبارير تكتب: المشهد فى ميزان علم النفس الدولى

profile
د. أميرة حبارير كاتبة إعلامية وأستاذ الصحة النفسية وعلاج الإدمان
  • clock 10 أبريل 2025, 9:55:53 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01
د. أميرة حبارير تكتب المشهد فى ميزان علم النفس الدولى

"عاد خالي الوفاض".. حاملاً نهايته الحتمية بعد لقاء البيت البيضاوي، بجملة من التحولات اللافتة أثارت تساؤلات متناقضة في الأوساط السياسية الإسرائيلية عن دلالات فقدان تل أبيب قدرتها على التأثير في القرار الأميركي"، لاسيما وأن العالم العربي يري تلك الزيارات نوعًا من التواطؤ ضد القضية الفلسطينية، وهو ما يعرف علم النفس الجمعي، هذه الذاكرة تُعرف بـ "الذاكرة الجريحة"، مقارنة بلقائهما السابق مطلع فبراير الماضي.

 

وحظي نتنياهو بدعم مطلق من ترامب في مختلف الملفات، لكن هذه المرة أراد نتنياهو تعزيز الشرعية والدعم الداخلي لديه بعد الانتقادات الإسرائيلية له واتهاماه بالفساد، فكانت تلك الزيارة داعمة له كي تمنحه دفعة نفسية وشعبية داخليًا تُعرف بالدافع لتعزيز "الذات المهددة"، بينما نجد إثبات النفوذ والقوة في شخصيته النرجسية ذات السلوك العدواني في صورة آلية دفاع نفسي تُعرف بـ التعويض حيث يُعوّض القائد الرفض الداخل له بالقبول الخارجي القوى خصوصًا مع إدارة تعاطفت معه بشكل علني ونقلت السفارة للقدس، وهي خطوة تحمل رمزية عميقة. جعلت نتنياهو يستخدم الزيارة كـ أداء نفسي رمزي، يوظف فيه ترامب كـ"مُثبت للشرعية"، و"مرآة للعظمة"، و"حليف أبوي" يرضي حاجات نفسية لدى الجمهور.

 يمتلئ المشهد بالدلالات اللاواعية، في لحظة درامية داخل المكتب البيضاوي، "بدا نتنياهو قد فوجئ بشدة. فقد ابتلع ريقه، وألقى نظرة سريعة يمنة ويسرة، وتحركت عيناه بقلق، ثم عبس وطأطأ رأسه. في تلك اللحظة، أعلن ترامب، علنًا، أن الولايات المتحدة تجري محادثات مباشرة مع إيران"، إذاً ليس مجرد لقاء سياسي، بل عرض نفسي للسلطة والشرعية والهوية لكسب دعم اللوبي اليهودي في أمريكا، وإرضاء المسيحيين الإنجيليين المؤيدين لإسرائيل.. بينما يهتم ترامب بالصورة الإعلامية والرمزية، واللقاءات مع قادة عالميين تقوي صورته كرئيس قوي، لكنه في تلك المرة يتعامل مع الساسة كـ مباراة أو صفقة، ويبحث دائمًا عن "الصورة التي تصرخ بالنصر وهى تغذية نرجسية تتناغم مع مفهوم في علم النفس يُعرف بـ "النرجسية الاستعراضية" مُستخدمًا العلاقات لا كروابط إنسانية بل كـ"عناصر ديكور" تزين صورته.. حتى مع حليفه الإسرائيلي الذي تلقى تلميحات بالكف عن محاولات التصعيد في غزة والملف الإيراني، والتركيز بدلا من ذلك على تنسيق أمني أوسع مع واشنطن.

لكن في الهوية الجمعية، وهو ما يسميه علم النفس بـ "التمزق الهوياتي"، نجد إعادة تفعيل لمشاعر الظلم التاريخي، مما يسبب توترًا نفسيًا جماعيًا في المجتمعات العربية، خاصة مع تقارب بعض الدول العربية لاحقًا مع إسرائيل (اتفاقيات إبراهيم للسلام مثلاً)، وهو ما يشعر بعض الشعوب بخيانة للقضية، مما خلق انقسامًا نفسيًا وسياسيًا في الرأي العام العربي، مما قد يؤدي إلى تطرف بعض الاتجاهات أو انسحاب البعض الآخر من الفعل العام، فالبعض يرى في العلاقة "تحالف سلام"، والبعض الآخر يعتبرها "تطبيعًا على حساب العدالة"،وبالتالي فإن الشعوب تترجم هذه الرموز إلى مشاعر قوية من الغضب، الفخر، الإحباط، أو التأييد، حسب موقعها السياسي والثقافي، كما نظرت لجانب أخر أو لزيارة أكبر في نفس التوقيت غطت بمدلولاتها على الأولى في رسالة اتزان وعقلانية سياسية مصرية لزيارة ماكرون التي خلقت انطباعًا نفسيًا بـ "القيادة الحكيمة الواقعية"، التي تحاول الحفاظ على التوازن وسط اضطراب عالمي، وكأنها علاقة قائمة على البرود الدبلوماسي والندية المقنن، فماكرون لا يظهر اندفاعًا عاطفيًا، والسيسي غالبًا يتحدث من منطلق السيادة المصرية. وهذا ينعكس نفسيًا على المواطن العربي بشعور نسبي بالكرامة والانضباط، لكنه لا يولد إثارة كبيرة أو فخرًا جماهيريًا.

إن اللقاءات غالبًا تكنوقراطية، تخاطب النخبة أكثر من الجماهير، وبالتالي، لا تحفز مشاعر الانتصار أو الحماسة، لكنها تعزز مشاعر الاستقرار والنظام لدى بعض الفئات.

التعليقات (0)