د. محمود لملوم يكتب: المهارات القيادية للقائد الرباني في سورة الإسراء (3)

profile
د. محمود لملوم خبير الإدارة والتطوير القيادي
  • clock 7 مايو 2024, 12:17:08 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

نستكمل المهارات القيادية في سورة الإسراء:

17. احترام الأسباب: يقول ابن عاشور عن عطاء الدنيا "وقَدْ يَفْضُلُ المُسْلِمُ فِيهِ الكافِرَ، ويَفْضُلُ الكافِرُ المُسْلِمَ، ويَفْضُلُ بَعْضُ المُسْلِمِينَ بَعْضًا، وبَعْضُ الكَفَرَةِ بَعْضًا، وكَفاكَ بِذَلِكَ هادِيًا إلى أنَّ مَناطَ عَطاءِ الدُّنْيا أسْبابٌ لَيْسَتْ مِن وادِي العَمَلِ الصّالِحِ، ولا مِمّا يُساقُ إلى النُّفُوسِ الخَيِّرَةِ". ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهم عَلى بَعْضٍ ولَلْآخِرَةُ أكْبَرُ دَرَجاتٍ وأكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)﴾.

وهذا يحتّم على القائد الرباني الأخذ بالأسباب كاملة، بل؛ ويحاسب نفسه على الفشل وعدم تحقق النتائج أو تأخرها، ومعرفة أين الخلل؟ هل في الخطة؛ أم في إدارة الموارد؛ أم القيادة؟

ولا يُرجع الأمر لقدر الله كذبا وهروبا من استحقاقات المكاشفة والمحاسبة والمراجعة، فقدر الله يُغَالب بقدر الله وليس بالعشوائية "والدروشة".

18. التوحيد النقي: يأتي مباشرة بعد آية احترام الأسباب -السابقة- آية الاستمساك بالتوحيد والإخلاص التام لله -سبحانه وتعالى-، يقول ابن القيم " فصلاح القلب وسعادته وفلاحه في عبادة الله تعالى والاستعانة به، وهلاكه وشقاؤه وضرره العاجل والآجل في عبادة المخلوق والاستعانة به". ﴿لَّا تَجۡعَلۡ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَتَقۡعُدَ مَذۡمُومࣰا مَّخۡذُولࣰا(22)﴾.

من هنا وجب على القائد الرباني ألا ينسى حظ قلبه وروحه بالذكر والخلوة بربه، وأن يحرص على أن يكون له حال مع الله، فإن العمل الإداري مهلكة تأخذ من روحه ووقته وتفكيره بسبب العمل بالماديات. وكم من قائد كان ربانيا فزل بسبب نسيان حق ربه في نفسه.

19. حق الأسرة: عجيب هذا القرآن!! بعد ذكر حق الأسباب ثم حق العبودية يذكر مباشرة حق الأسرة وأهمهم الوالدين ﴿۞ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوۤا۟ إِلَّاۤ إِیَّاهُ وَبِٱلۡوَ ٰ⁠لِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنًاۚ إِمَّا یَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَاۤ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَاۤ أُفࣲّ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلࣰا كَرِیمࣰا﴾.

فإن من آفات العمل الإداري القيادي اهمال حقوق الأسرة من الوالدين ابتداء إلى الزوجة والأولاد، لذلك جاء التذكير القرآني بعدم نسيان الحقوق الأسرية مهما كانت الانشغالات الجهادية أو الدعوية أو الإدارية.

وهذا ما يميز المنهج الإسلامي في شموله ورحمته ورعايته وتذكيره بالحقوق جميعها بتوازن واعتدال (...إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ ...) صحيح - الترمذي.

20. تواب أواب: ثم تعطي سورة الإسراء بشارة الرجاء في عفو الله إذا حدث تقصير من القائد الرباني ﴿رَّبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَا فِی نُفُوسِكُمۡۚ إِن تَكُونُوا۟ صَـٰلِحِینَ فَإِنَّهُۥ كَانَ لِلۡأَوَّ ٰ⁠بِینَ غَفُورࣰا(25)﴾

قال الماوردي في تفسيره:

1- أنَّهُ الرّاجِعُ عَنْ ذَنْبِهِ الَّذِي يَتُوبُ، وهَذا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ومُجاهِدٍ.

2- أنَّهُ الَّذِي يَتُوبُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، وكُلَّما أذْنَبَ بادَرَ بِالتَّوْبَةِ، وهَذا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ.

21. الحقوق المجتمعية: في نماذج إدارة الجودة الشاملة " Total Quality Management" ومن أشهرها النموذج الأوروبي الذي وضع حق المجتمع في معايير التقييم للمنظمات "10%"، بالإضافة لمعايير القيادة الإستراتيجية "10%" هذا الفكر الإداري في الجودة انتبه له الغرب في أواخر الأربعينات في القرن الماضي وقد سبقه القرآن الكريم قبل أكثر من 14 قرنا من الزمان. ﴿وَءَاتِ ذَا ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِینَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِیلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِیرًا ۝٢٦ إِنَّ ٱلۡمُبَذِّرِینَ كَانُوۤا۟ إِخۡوَ ٰ⁠نَ ٱلشَّیَـٰطِینِۖ وَكَانَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ لِرَبِّهِۦ كَفُورࣰا ۝٢٧﴾.

وكما أرشد القرآن للإنفاق؛ أرشد في الوقت نفسه إلى عدم التبذير قال الشافعي: (التبذير إنفاق المال في غير حقِّه)، وهذا توجيه خاص للقائد ليطبقه على حياته، وعلى منظمته التي سيسأله الله عنها.

22. جبر الخواطر: عجيب القرآن؛ عجيب الأدب القرآني يطلب من القائد الرباني أن يحترم السائلين ويعتذر منهم إذا كان طلبهم فوق الاستطاعة، ولا يعطيهم جانبه حياء صامتا من مما يطلبون ﴿وإمّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِن رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهم قَوْلًا مَيْسُورًا﴾.

فلا يجوز للقائد الرباني غلق الأبواب؛ أو التهرب من السائلين، بل؛ يقابلهم وجها لوجه ويستسمحهم ويعتذر منهم أن الميزانية لا تسمح، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

ولا يجوز للقائد الرباني ألا يستمع لشكاوى الأتباع والموظفين بل وجب عليه تفريغ وقت من أوقاته للاستماع لهم، والرد على تساؤلاتهم.

فما الإنسان إلا كتلة مشاعرية قلبية متحركة، ويا فوز من حاز القلوب.

التعليقات (0)