أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «تحديات وإشكاليات».. تلاشي الضوابط إقليمياً ودولياً.

profile
أمجد إسماعيل الأغا كاتب وباحث سوري
  • clock 19 سبتمبر 2022, 9:45:47 ص
  • eye 514
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

مع استمرار فصول الحرب الروسية الأوكرانية، ثمة إشارات بترددات عالية وغير مضبوطة، تؤكد بأن حالة التأهب إقليمياً ودولياً، قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، لا سيما أن التحذيرات الأممية لجهة تلاشي ضوابط الصراع، أو تأطير المناخ الإقليمي والدولي المتوتر، باتت ضمن أطر فقدان التوازن والسيطرة، فالأزمات المتدافعة والمتراكمة منذ عقود، واشتدادها منذ أن بدأت التغييرات في السياسة الأميركية في عام 2009، وبعد ذلك جاءت تأثيرات الربيع العربي، وصولاً إلى الحرب الروسية الأوكرانية، حتى باتت جُل الأوضاع إقليمياً ودولياً، أقرب إلى التفلت من الضوابط الدولية، لا سيما أن مجلس الأمن يعيش حالياً مرحلة الموت السريري، جراء الفيتوهات الروسية والأمريكية، الأمر الذي وضع الجميع في حالة تأهب وترقب مؤطرة بالقلق السياسي والعسكري.

في العمق، ثمة مؤشرات تتنامى لجهة إتساع دوائر التوتر. الحرب الروسية الأوكرانية وتهديداتها التي تلتهم الأمن والإستقرار في أوروبا، والصين تتوعد بحروب أسيوية واسعة النطاق، وكوريا الشمالية والتهديدات بضربات نووية، وكذا مُجمل الإنقسامات بين الشرق والغرب، يضاف إليه الإنقسام السياسي العميق في الولايات المتحدة. كل ذلك مؤطراً بعوامل سلبية لاتساع المواجهات، وانتقالها نحو مرحلة الخروج عن السيطرة. فما قبل حرب أوكرانيا، وما قبل الانسحاب الأميركي من أفغانستان، كانت هناك مرجعية حد أدنى بين موسكو وواشنطن، وبين الأعضاء الخمس الدائمين والنوويين، لفرض وقف إطلاق نار، أو بداية محادثات وإيجاد آلية دولية لإنهاء النزاعات.

منطقة الشرق الأوسط لا تبدو أفضل حالاً، خاصة أن الولايات المتحدة واستراتيجيتها الجديدة، وضعت غالبية القوى في المنطقة، أمام معادلة جديدة ترتكز على البحث عن موجبات القوة بمستوياتها كافة، الأمر الذي يعني في العمق، بأن حلفاء الولايات المتحدة اتخذوا استراتيجيات جديدة، من شأنها التصادم مع القوى المناهضة للسياسات الأمريكية في المنطقة، خاصة أن حالة الانقسام السياسي في الولايات المتحدة، وتغير جوهر السياسات الأمريكية ومحدداتها تُجاه الشرق الأوسط، تدفع الأطراف الإقليمية التي يهمها أن تستمر واشنطن في انقسام كهذا، لتحقق ما تريده بعيداً عن ضبط الإيقاع الذي تقوم به السياسة الأميركية تقليدياً، وارتد هذا الواقع على المنطقة بتشجيع بعض اللاعبين على ممارسة التحرك الجيوسياسي الخارج عن خطوط الاستقرار المقبولة سابقاً قبل الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

الأهم والأكبر في المخاض الجيوسياسي، هو المواجهة بين إيران وإسرائيل، خاصة أن لهذه المواجهة سلسلة تفرعات، وقد تتحول إلى حروب غير خاضعة للسيطرة، إذا اقتنع أصحاب القرار بخوضها، ولو على خطأ. في المقابل، فإن إيران تُظهر نوعاً من التحدي تُجاه اسرائيل، لاعتقادها أن تصميم الإدارة الأمريكية وكذا إسرائيل، على مواجهة مشاريعها في المنطقة قد تراجعت لكي توقع الاتفاق النووي. لذا نرى طهران تبدو وكأنها مرتاحة على وضع مشاريعها، وقد يكون البعض داخل أجهزتها الحاكمة قد وصل إلى قناعة بأن بعض حروبها، إذا اضطُرت عليها، هي ممكنة، وقد تكون خارجة عن قدرة واشنطن على السيطرة عليها، ومن أبرز المجابهات التي تعتبرها إيران ممكنة النجاح هي الحسم العسكري بالعراق، وسوريا واليمن. أما المجابهة مع إسرائيل مباشرةً أو عبر حزب الله في لبنان، فهي حتى الآن تعتبر مليئة بالمخاطر. أما المجابهة مع التحالف العربي، لا سيما في الخليج، فهي أيضاً دقيقة بسبب العامل الأميركي.

إستراتيجيات القيادة الإيرانية، تُترجم على أساس أن معظم الجبهات، باستثناء هجوم مباشر على إسرائيل من الأراضي الإيرانية، هي محاور ممكنة التحريك، وهنا تكمن أخطار الحروب غير المسيطر عليها. وعليه ثمة سيناريوهات محتملة بين طهران وتل أبيب، قد تدفع بعض القوى في المنطقة، لإتخاذ ردات فعل صدامية، من ذلك، حرب إيرانية مباشرة أو غير مباشرة ضد كردستان العراق، على اعتبار أن إسرائيل تتخذ من كردستان العراق منطلقاً لمراقبة التحركات الإيرانية، وقد تكون أراضي كردستان بوابة الدخول الى ايران. هذا السيناريو سيدفع تركيا للتقدم في شمال العراق، وسيدفع أيضاً الولايات المتحدة لإتخاذ قرار يجعل المواجهات خارج السيطرة.

في ذات السياق، فإن طهران وشراكتها الاستراتيجية مع دمشق، قد تدفع الأخيرة إلى حرب ضد الكرد في شرق سوريا، وهنا أيضاً سيكون لتركيا جولة عسكرية لتأمين حدودها، وربما تُسارع الولايات المتحدة لإظهار أنيابها، وتحريك قواتها، يُضاف إلى ذلك، انفلات الإيقاع بين طهران وتل أبيب في الأجواء والجغرافية السورية، الأمر الذي قد يتحول إلى صراع مباشر مفتوح، قد يشعل جبهة لبنان بين إسرائيل وحزب الله. هنا أيضاً عدم السيطرة على سيناريو كهذا من قبل واشنطن قد يُدخل خمس دول في أتون حرب مدمرة. إيران، العراق، سوريا، وإسرائيل، ويجرّ دولة سادسة، هي تركيا للدخول.

ومن ضمن التحديات والإشكاليات التي تعصف بالمنطقة،  وهو التصعيد بين تركيا واليونان، ومن المعلوم أن النزاع بين الطرفين تاريخي، إلا أن انتماء الدولتين إلى الحلف الأطلسي يضبط النزاع بينهما. وكان التصعيد بين أنقرة وأثينا بدأ مع خلافات حول حدود المساحات الاقتصادية في المتوسط ورفض اليونان لخطط تركيا للتنقيب في منطقة تعتبرها أثينا من ضمن مساحتها الاستثمارية. وتوسع الخلاف مع تدخل تركيا لمصلحة الإخوان في ليبيا، ووقوف اليونان مع الجيش الليبي، وبعد ذلك، توسع التوتر مع إقامة اليونان تحالفات مع التحالف العربي بما فيه مصر والسعودية والإمارات من جهة، إضافة إلى التحالف مع إسرائيل من جهة ثانية. ووصل الصراع أخيراً في 2022 إلى جزر يونانية قريبة من السواحل التركية، تريدها أنقرة منزوعة السلاح، وترفض أثينا ذلك. ووصل الاشتباك الكلامي بين الحكومتين إلى مرحلة التهديدات المتبادلة باللجوء إلى الوسائل العسكرية. سيناريو كهذا ظن المحللون لعقود أنه شبه مستحيل بسبب الناتو والضغط الأميركي. إلا أن العالم والمنطقة يمران بفترة دقيقة حيث الضوابط تتلاشى منذ اجتياح روسيا لأوكرانيا، وتهديد الصين بغزو تايوان. فقد طلب اليونانيون من بروكسل أن تتدخل "لمنع اجتياح تركي للجزر اليونانية على نمط التقدم الروسي داخل أوكرانيا". وعللت اليونان طلبها بأن ذلك له سوابق في قبرص في عام 1974، وفي شمال سوريا في 2019. أما تركيا فتقول إن "اليونان يسلح الجزر ويهدد أمنها القومي". من الصعب التكهن بحدوث حرب كهذه، ولكن احتمالها بات أعلى في مرحلة إعادة التموقع الأميركي، لا سيما في ظل الانقسامات الدراماتيكية داخل الوطن الأميركي.

في الخلاصة. صحيح أن طبول الحرب بات تُقرع بأصوات مرتفعة، وصحيح أيضاً، أن الولايات المتحدة تختلف عما كانت عليه في الماضي القريب. لكن يبقى الرادع لكل هذه الحروب، هو الثمن الذي ستدفعه جميع الأطراف إقليمياً ودولياً، وسيبقى العامل الإقتصادي فاعلاً ومؤثراً في إتخاذ أي قرار يجعل الحرب واقعاً.

كاتب وباحث سوري

التعليقات (0)