- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «دمشق وأنقرة».. تفاهمات ترسمها الضرورات الجيو - استراتيجية.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: «دمشق وأنقرة».. تفاهمات ترسمها الضرورات الجيو - استراتيجية.
- 12 نوفمبر 2022, 5:18:30 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بدا مفاجئاً ذاك التحول من جانب تركيا تُجاه سوريا، الأمر الذي أصاب كثيرين بالدهشة، وفجر جُملة من التساؤلات حول ماهية التحول التركي، وأسباب الإستدارة "الصادمة" تُجاه دمشق، لا سيما أن موقف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تميّز بالقطيعة التامة مع الدولة السورية. إذ جاء التحول المفاجئ لجهة إبداء الاستعداد للقاء الرئيس بشار الأسد، وإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، بدءاً من مفاوضات غير مشروطة. لكن في المقابل، فإن الحديث عن عودة العلاقات السورية التركية، تؤطره خصوصية جيو استراتيجية. فلهذا الحديث دوافع كثيرة تسوقها أنقرة، منها أن تركيا في مرحلة إعادة صياغة جديدة لسياستها الخارجية، تتجاوب مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وأنها بهذه السياسة تكسر عزلتها في محيطها الإقليمي، بعد أن باتت هذه العزلة مشكلة حقيقية وورقة تُستغل من جانب المعارضة التركية، وذلك في إظهار حالة الضعف التي وصلت إليها المؤسسات التركية تحت حكم «العدالة والتنمية»، قبل التوجه إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في منتصف العام المقبل. كما يجري الحديث عن محاولة تركية للتخلص من التهديدات الأمنية، وإنهاء وجود المسلحين الأكراد بتنسيق مع الدولة السورية تلبيةً لرغبة موسكو. ودفع هذا الأمر تركيا إلى تعليق عملية عسكرية لوّحت بها في مايو / أيار الماضي ضد مواقع «قوات سوريا الديمقراطية»، في منبج وتل رفعت بريف حلب، حيث توجد أيضاً قوات سورية وروسية.
وسائل الإعلام التركية ذهبت في إطار الحديث عن عودة العلاقات بين دمشق وأنقرة، إلى حد القول إن أنقرة اكتشفت أنها أخطأت في الحسابات الاستراتيجية بسبب الانجراف وراء الرغبة الأميركية في تغيير وجه المنطقة عبر «الربيع العربي»، وتحميل الخطأ لوزير الخارجية في ذلك الوقت أحمد داود أوغلو. وأبعد من ذلك، ما كشف عنه الكاتب بصحيفة «حرييت» التركية القريب من الحكومة وجهاز المخابرات التركي، عبد القادر سيلفي، في مقال له، عن أن إردوغان أكد خلال اجتماع للجنة التنفيذية لحزب «العدالة والتنمية» الحاكم أنه كان يتمنى أن يحضر الأسد قمة مجموعة شنغهاي، والتي انعقدت في سمرقند، لكي يتحدث معه «لكنه لا يستطيع الحضور». وحسب سيلفي، فإن إردوغان كان يرغب في لقاء الأسد حتى يقول له وجهاً لوجه إنه خاض الحرب مع المعارضة من أجل الحفاظ على حكمه وحماية سلطته. وأضاف نقلاً عن إردوغان: «كنت أقول هذا في وجهه، قلنا لك: إذا فعلت هذا فإن سوريا ستقسَّم... لقد ظننت أن المعارضة هي مجرد أعداد كبيرة لكن لا تملك السلاح... لم تنتبه إلى تحذيراتنا، لم يفكر أن أميركا وروسيا ستدخلان سوريا... اخترت حماية الأرض التي تسيطر عليها لكن لم تستطع حماية الأراضي السورية الكبيرة». ومن هذا المنظور، وكما عبّر سيلفي في لقاء لاحق على المقال مع قناة «سي إن إن تورك»، فإن لقاء إردوغان مع الأسد كان فقط سيتحقق ليوجه له هذه العبارات والنصائح، أي أن اللقاء لم يكن سينظر في إعادة العلاقات وإحداث اختراق بين رئيسي البلدين. وتابع سيلفي أنه سأل إن كان إردوغان سيلتقي الأسد، فكانت الإجابة: «في الوقت الحالي، لا يوجد اتصال متوقع على المستوى السياسي». واستدرك قائلاً: «انتبهوا، قيل: في الوقت الحالي، لم يُقل: لا».
حقيقة الأمر، وربطاً بما سبق، فإن الحديث عن الحراك والاتصالات بين دمشق وأنقرة، تحكمه محددات استراتيجية عند الطرفين، وجُملة واسعة من المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية. لكن في مقابل ذلك، فإن كِلا الطرفين لن يتخلى عن شروطه وتحفظاته، وأنه ليس من المتصور أن يلتقي الأسد وإردوغان وجهاً لوجه قريباً، ولكن يُتوقع أن يستجيب الطرفان معاً للدفع الروسي باتجاه الوصول إلى درجة معينة من التنسيق والتعاون، حتى لو لم يتحقق اللقاء بين رئيسي البلدين.
وتتردد في أروقة أنقرة، أن روسيا ترغب في الانتهاء من هذا الملف، والقضاء على المواجهات المحتملة بين دمشق وأنقرة، في شمال سوريا، بسبب ضغوط الحرب في أوكرانيا، وعدم وجود فرصة للتركيز بشكل كامل على الوضع السوري، لا سيما أنها ترى أن مشكلة تركيا الأمنية في سوريا يمكن حلها من خلال اتفاقية أضنة مع تطويرها لتضمن لتركيا تحقيق أهدافها الأمنية عبر بوابة التعاون مع دمشق، وأن أنقرة بدأت بالفعل جني بعض المكاسب الاقتصادية من روسيا في هذا الإطار عبر تدفق أكثر من 6.7 مليارات دولار، ما بين تدفق نقدي واستثمارات مباشرة وغير مباشرة، تركزت في القطاع العقاري ثم الطاقة، بالإضافة إلى نقل بعض المصانع الروسية وخطوط الإنتاج، هذا بخلاف ما يمكن أن يتحقق عند عودة العلاقات مع سوريا سواء على مستوى التبادل التجاري أو تسهيل حركة التجارة التركية مع دول المنطقة وفي مرحلة لاحقة الاستفادة من مشروعات إعادة الإعمار إذا تحقق الاستقرار في سوريا.
في الخلاصة، أن التحرك التركي في الملف السوري له دوافعه الداخلية التي تتعلق بالتحولات في سياسة تركيا المدفوعة بشكل أساسي بعزلتها وبالتغيرات الإقليمية والدولية فضلاً عن ضغط الانتخابات والأزمة الاقتصادية ومشكلة اللاجئين، والرغبة في التخلص من التهديد الأمني على الحدود الجنوبية وتحقيق الاستقرار هناك، وهو ما تشير إليه التحركات المتزامنة تُجاه العراق ومحاولة تركيا المساهمة في حل المعضلة السياسية هناك مع الاستمرار في عملياتها العسكرية التي تستهدف حزب العمال الكردستاني، والتي ترغب في أن تكون بتوافق مع بغداد وأربيل، وهو النموذج الأمني الذي ترغب الآن في تطبيقه في سوريا، والذي يجد تأييداً من روسيا التي ترغب في إعادة سيطرة الدولة السورية على آخر معاقل المعارضة في شمال غربي سوريا حيث توجد تركيا بنفوذ واسع في حلب وإدلب.