- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
الأزهر مهادنة تنتظر المواجهة مع السيسي
الأزهر مهادنة تنتظر المواجهة مع السيسي
- 23 مارس 2021, 2:22:17 ص
- 1124
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مقدمة
منذ أنشأه جوهر الصقلي، قبل أكثر من عشرة قرون ونصف قرن، كان الجامع الأزهر منارة للنضال وتقدّم الصفوف في وقت الجد، وإن كان الرؤساء المصريون ما بعد إعلان الجمهورية في خمسينيات القرن الماضي، قد نجحوا في تقليم أظافره، وإن لم يفلحوا في نزعها تماماً.
فالجامع، الذي بناه الفاطميون سنة 972 ميلادية، تحوّل لاحقاً إلى جامعة، وخاض غمار المعارك في وجه الاحتلال حيناً، وفي وجه الحكام من أبناء البلد أحياناً، وحمل جذوة النضال الفكري والسياسي، وتقدّم الصفوف في كثير من أوقات الحرب والمقاومة والنزاعات الفكرية، ونافح عن الأمة كلها في كثير من المواقف.
ومن مواجهة الاحتلال الفرنسي إلى تنصيب الوالي محمد علي حاكماً للبلاد، مروراً بدعم الضباط الأحرار والاختلاف معهم، وانتهاء بدعم الثورة على حسني مبارك، ثم تأييد انقلاب العسكر على محمد مرسي، أول رئيس مصري مدني منتخب، قطع الأزهر مسيرة طويلة اتسمت بالمواجهة حيناً وبالمهادنة أحياناً، لكنها أكدت فرضية امتلاكه قدرة ربما فعلت الكثير لو رافقتها إرادة صلبة، لسان حال بعض خريجي الأزهر.
دور الأزهر الجذور التاريخية لتحجيم
ومنذ أسقط الضباط الأحرار نظام الملكية عام 1952، وحتى الآن، اتخذ الأزهر، عموماً، جانب الدولة، بعدما فقد كثيراً من سلطاته عقب قانون 1961 الذي نظّم شؤونه، وفصل بين الجامع والجامعة، ونزع عنه الكثير من تأثيره واستقلاليته، حتى بات أشبه بوزارة حكومية تعمل داخل دولاب الدولة
وقد استخدمت الدولة الأزهر، بعد تحجيمه، ذراعاً لحروبها مع الجماعات الدينية الإصلاحية مثل الإخوان المسلمين، وأيضا الحركة الوهابية بالمملكة العربية السعودية. وقد اتسمت سياسة جمال عبد الناصر بالسعي الدؤوب لتقليص دور الأزهر، كما ينظر إلى ذلك بعض المؤرخين.
أما عهد محمد أنو السادات
فبعد توليه الحكم في 1970، حاول أنور السادات منح الأزهر مساحة من الاستقلالية، ولكن سرعان ما انهزمت هذه الرغبة أمام الضغوط الدولية، فبدأ الحد من الدور الرسمي للأزهر، مع الحفاظ على الاحترام والتقدير له.
وعندما زاد التوتر بين الأطراف الرسمية والشعبية على خلفية معاهدة السلام مع الاحتلال الإسرائيلي سنة 1978، اتخذت الدولة من الأزهر ذراعاً في الدفاع عن اتجاهها السياسي، وخرجت الفتاوى من كبار علمائه بجواز الصلح مع "إسرائيل"، رغم وجود فتاوى سابقة تحرم التعامل معهم واعتبارهم عدواً يجب جهاده.
أما بدايات حكم حسني مبارك فشهدت منح بعض الصلاحيات للأزهر الشريف، لكنها كانت صغيرة، وبعد وفاة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، الذي سعى لاستعادة الاستقلال المسلوب، سعت الدولة لاحتواء الأزهر على نحو أكبر، عبر اختيار شخصية تتماشى مع سياستها العامة.
وقد حصل هذا التناغم مع شيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوي، الذي حصلت تغييرات جذرية في عهده، حتى أضحى الأزهر تحت إدارة رئيس مجلس الوزراء بعدما كان شيخ الأزهر لا يعلوه في البلد إلا رئيس الجمهورية، وأصبحت ميزانية الأزهر تابعة لمجلس الوزراء، وكثيراً ما كان يصرّح (طنطاوي) أنه موظف في الدولة.
طنطاوي
وفي 19 مارس 2010، اختير الدكتور أحمد الطيب، الذي كان عضواً في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، شيخاً للأزهر، خلفاً لطنطاوي. وقد حثّ (الطيب) الخُطا نحو لمّ شمل المؤسسات الدينية تحت قيادة مشيخة الأزهر.
لكن ذلك لم يمنع الأزهر من الانصياع لمقتضيات الدولة العسكرية أو العلمانية كما يسميها البعض، فدعمها، وهي التي طالما قلّصت دوره وقلمت أظافره، وأضحى تعيين الأئمة والخطباء وكل موظفي الأزهر بموافقة من أمن الدولة.
الطيب
ويمكن القول أيضاً إن الأزهر العريق صاحب التاريخ والجدران الشامخة في قلب منطقة مصر الفاطمية، تمرّد على تبعية الدولة مراراً، لكنه كثيراً ما عاود الاحتماء بالصمت، وسلك طريق الموظفين في التعاطي مع الأحداث التي تحتاج مناضلين لطالما خرجوا من بين أروقته.
ثورة يناير.. الأزهر يبحث عن الاستقلالية
في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011التي تأخر الأزهر في تأييدها وظل داعماً لمبارك ويصف المظاهرات با،ها حرام ، ولم يعلن دعمه الطيب دعمه للثورة لها إلا بعد نجاحها، وحينها رأى الأزهر أن هذه الفرصة ربما تكون الأفضل لفك قيود تحرره من قبضة النظام الذي ظل مهيمنًا عليه منذ 1952، وفي يونيو 2011 شارك شيخ الأزهر أحمد الطيب مع عدد من المثقفين والسياسيين في اصدار وثيقة الأزهر والتي كانت تضع رؤية تلك المجموعة في خارطة الطريق والمبادئ التي يروا أنها سوف تعيد بناء مصر قوية. . وفي وسط الأحداث، استطاع الطيب أن يحصل على ما عُرف بقانون استقلال الأزهر، والذي يضمن "عدم المساس بمنصب شيخ الأزهر وتحصينه ليصبح منصبه مستقلا لا يقبل العزل، بل ويُختار شيخ الأزهر من بين هيئة كبار العلماء ويعامل شيخ الأزهر معاملة رئيس الوزراء من حيث الدرجة والراتب والمعاش" ، اعتُبر هذا الاعتراف من أهم المزايا التي حصل عليها الطيب، وهو ما ثبت في دستوري 2012 و2014 والذي يقضي بأن "استقلال الأزهر الشريف وفقا للدستور الجديد، وتعيين رئيس شيخ الأزهر خارج سلطات رئيس الجمهورية، وأصبح تعيينه من مسؤولية هيئة كبار العلماء"...ورغم ذلك لكن المؤسسة الأزهرية لم تتمتع بالاستقلال السياسي والمالي تمامًا.
ويشير مراقبون إلى أن الصراع بين الرئيس والشيخ يبدأ من هذه الحيثية، إذ يرى البعض أن الاستقلال والحصانة التي حظي بها الطيب جعلته يخوض صراعاته مع السيسي بقوة وجرأة. لكنّ منعطفا أشد من الخامس والعشرين من يناير كان في انتظار الطيب، إذ تسارعت وتيرة الأحداث ليجد شيخ الأزهر نفسه في معركة هي الأعنف إبان الثلاثين من يونيو التي انحاز فيها للقوات المسلحة وعبّر بأنها محل رضاه وثقته
الأزهر والدور الإقليمي للأمة الإسلامية أبان يناير ٢٠١١
وفي 31 يناير 2011، أصدر الطيب، وعدد من المثقفين والمفكرين، وثيقة "الربيع العربي" الداعمة لإرادة الشعوب العربية في تحقيق الديمقراطية، والتي وجهوا فيها الدعوة إلى الحكام والرؤساء بضرورة الاستجابة لمطالب شعوبهم.
وأكدت الوثيقة مناصرة علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة لإرادة الشعوب العربية في التجديد والإصلاح، التي انتصرت في مصر وتونس وليبيا، ولا تزال محتدمة في سوريا واليمن
دور الأزهر في انقلاب 30 يونيو
كان الأزهر مثله مثل بقية عناصر ومقومات الدولة العميقة يشعر بالقلق حيال حكم الإخوان المسلمين، حيث كان يرى فيهم مصدرًا لتهديد عرشه، لذا جاءت مواقفه المتباينة إبان عهد مبارك وفي فترة الرئيس الأسبق محمد مرسي، ففي الأولى أفتى الأزهر بعدم جواز الخروج على الحاكم في التظاهرات وغيرها، ثم تبدلت الفتوى في عهد الإخوان بجواز الخروج بسلمية، وهو ما مهد الطريق لانقلاب الثالث من يونيو والذي كان فيه الأزهر أحد أبرز أضلاعه.
وبالرغم مما قيل أو أُعلن عن تحفظ شيخ الأزهر على قرار الانقلاب على مرسي إلا أن حضوره ومشاركته في بيان العزل الذي ألقاه الفريق أول عبدالفتاح السيسي حينها، بجانب بعض ممثلي القوى المدنية والسلفية وبابا الكنيسة، يعكس توافق ودعم المؤسسة للتوجه السياسي الجديد. ..وخلف عبد الفتاح السيسي، وعلى مقربة من تواضرس، بابا الإسكندرية، وممثل عن حزب النور، ومحمد البرادعي، وقف الطيب لإلقاء كلمته أمام الأمة المصرية فيما يتصل بالثلاثين من يونيو . دعا الطيب لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة وإلغاء فترة الحكم لمحمد مرسي، وهو ما مثّل انحيازا إلى السيسي ودوره في الانقلاب، وقد اعتُبر هذا المشهد مخيبا لآمال الكثيرين
ورغم وجود شيخ الأزهر حاضراً في قلب المشهد، عند الإنقلاب علي الرئيس محمد مرسي وكان وقتها منصتاً إلى بيان العزل الذي ألقاه السيسي في 3 يوليو 2013، عندما كان وزيراً للدفاع،.
لكن (الطيب) سارع، بعد مذبحة الحرس الجمهوري في 8 يوليو، للمطالبة بإخلاء المعتقلين، وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية، ليعتكف بعدها ببيته، قبل أن يتبرَّأ من مذبحة فض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس، مؤكداً عدم علمه المسبق بإجراءات الفضّ.
لكن المواقف المتعددة، والتي ستحل بعد قليل من الطيب، تُنبئ بأن شيئا ما غير مفهوم في موقف الرجل.
الأزهر والسيسي.. خلاف أم صدام؟
دخلت العلاقة بين مشيخة الأزهر ومؤسسة الرئاسة نفقًا مظلمًا جديدًا بسبب تباين وجهات النظر بين الطيب والسيسي، حيث وجه الأخير العديد من اللوم والانتقاد لشيخ الأزهر، ما تسبب في إحراج الأخير بصورة كبيرة، وأحدث شرخًا في العلاقة بينه وبين النظام الحالي تجسد في عدد من المواقف أهمها ما يلي :-
1- مذبحة الحرس الجمهوري:
الطيب الذي ظهر في موقف الثلاثين من يونيو مؤيدا، سيرفض -بعد قليل- عنف الجيش ضد المتظاهرين الذي بدأ بأحداث الحرس الجمهوري، إذ طالب الطيب "في تصريحات للتلفزيون الرسمي للدولة بفتح تحقيق في الأحداث وتشكيل لجنة للمصالحة الوطنية وإعطاء اللجنة صلاحيات كاملة والإعلان عن جدول للفترة الانتقالية التي لا يجب أن تزيد على ستة أشهر، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، ثم أعلن اعتكافه في بيته رفضا للأجواء التي تفوح منها رائحة الدماء -وفقا لقوله-
2-مذبحة رابعة :
جذور الأزمة تعود إلى أسباب سياسية، وتحديدًا إلى يوم فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013، والذي راح ضحيته أكثر نحو 3 آلاف مصري مسالم، فعلى العكس من كل مؤسسات الدولة؛ استنكر شيخ الأزهر فض الاعتصام بالقوة، وأعلن يومها أنه لم يعلم بقرار الفض إلا عبر وسائل الإعلام.
ورغم مشاركته في بيان انقلاب 3 يوليو 2013 الذي قاده السيسي عندما كان وزيرًا للدفاع، وتأييده لخارطة الطريق؛ أصدر الطيب بيانًا صوتيًا -أذاعه التلفزيون المصري مرة واحدة – تحدث فيه عن حرمة الدماء، داعيًا جميع الأطراف لضبط النفس، ومؤكًدا أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد لحل الأزمة، وترحم على الضحايا معزيًا أسرهم.
3-الدعوة لثورة دينية
المحطة الثالثة: بدأت في مطلع يناير 2015 عندما أطلق جنرال الانقلاب دعوته الشهيرة التي أثارت ضجة كبيرة؛ حيث دعا إلى ثورة تجديد دينية للتخلص من “أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون وباتت مصدر قلق للعالم كله”، وأضاف: “لا يمكن أن يَقتل 1.6 مليار (مسلم) الدنيا كلَّها التي يعيش فيها سبعة مليارات حتى يتمكنوا هم من العيش”.
وهي الدعوة التي استغلتها أذرعه الإعلامية لشن حملة مسعورة ضد كل ما هو إسلامي، وهو ما دفع الأزهر للرد في أكثر من مناسبة، ودفع هذا الجدل الكبير السيسي إلى التراجع؛ بدعوى أن البعض فهم كلامه بالخطأ، ثم هدأت الحملة مؤقتًا بعد سجن الكاتب “إسلام البحيري” لمدة عام بتهمة ازدراء الإسلام، وهو الذي كان قد اشتهر بمقالاته وحلقاته التلفزيونية التي هاجم فيها التراث الإسلامي
السيسي المسؤول عن التدين الصدام الأشد بين شيخ الازهر والسيسي
رفض الأزهر رسميًا مقترحات السيسي بعدم الاعتراف بالطلاق الشفوي، وهي الدعوة التي قال السيسي إنها تهدف إلى الحد من ظاهرة الطلاق المنتشرة في مصر..وهو مارفضته هيئة كبار العلماء ، التي اعتبرت ذلك مخالفًا لنصوص السنة وكل ما أجمع عليه الفقهاء وأن القبول بذلك يجعل الناس يعيشون في حرام دائم وزنا مستمر " ,غن كانت هناك آراءتقول إن الطيب كان يعد لإصدار فتوى تتفق مع رغبة السيي بعدم الاعتداد بالطلاق الشفهي لكن السيسي فضح الأمر بإعلان ذلك على الملأا وساعتها لم يجد الطيب بدا من رفض الطلاق الشفهي للحفاظ على ماء وجه الأزهر " مرفق بحث مطول عن ملابسات موضوع الطلاق الشفهي "
الحرب الإعلامية علي الأزهر
رغم تأييدشيخ الازهر للانقلاب، أملاً في البقاء على ما يبدو، فقد شنّت أذرع السيسي على الأزهر حرباً دفعت شيخه للاحتماء بهيئة كبار العلماء، مصدراً باسمها بيانات وتصريحات وفتاوى تصادم اتجاه الدولة بل وتصادم تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي مباشرة.
وقد مثّل رفض الهيئة مطالبة السيسي الصريحة بعدم وقوع الطلاق الشفهي، ثم بيانها حول انتقاد مناهج الأزهر ووصمها بأنها "أسّ التطرّف ومفرخة الدواعش"، ذروة الخلاف بين الطرفين، وشهدت الشهور الأولى من العام الجاري تصعيداً لم يكن متوقعاً من المؤسسة التي أكدت أن أظافرها وإن كانت مقلّمة فإنها باقية.
المهادنة مع السيسي خيار شيخ الأزهر
ورغم موقفه الأميل للمهادنة من عبد الفتاح السيسي، والذي يناقض مناهضته العلنية لمحمد مرسي، فقد أثبت الأزهر، مطلع 2017، أنه لم يدخل في موت سريري، وأنه قادر على مجابهة عاصفة السيسي، وأذرعه، حتى النهاية؛ عندما طالب هؤلاء جميعاً بالابتعاد عنه وتجنّب جرّه لحرب هو قادر على خوضها، ليثير بذلك تساؤلات عمّا دفعه ويدفعه للتخلّي عن الاستمرار في مثل هذه المواقف.
مرسي
والظاهر أن تلويح الأزهر بعصا المواجهة قد أعاد خصومه إلى صوابهم، وأشعرهم بقوة كامنة تحت طبقات كثيفة من الصمت، بعدما ظنّوا أن حملة إعلامية هنا، أو مقالة صحفية هناك، ستجبره على الانضمام إلى كورال السلطة التي يبدو غير عازم على الانخراط فيها، حتى اللحظة، وهو موقف يتسم بمراوحة بين المواجهة والانسحاب والتحرّك والسكون، ويثير هو الآخر تساؤلات حول ما يحتفظ به الأزهر من قدرة وما يملكه من إرادة.
وطوال السنوات التي أعقبت الانقلاب علي الرئيس مرسي، حاول شيخ الأزهر النأي به عن تجاذبات السياسة، وجعله مستقلاً، لكنه فشل، كما أن السلطة الحاكمة حالياً لم تترك لشيخ الأزهر سوى خيار التبعية لها، آملاً في الحفاظ على المؤسسة.
من الإسلاميين إلي الأزهر
يبدو أن الأحداث غيّرت من وجهة نظر الأزهر، فرأى أن السلطة الحالية لا تحارب الإسلاميين وحدهم، بل إنها تتجه لتغيير خريطة الأزهر السياسية، حتى تكون أكثر طوعاً للدولة".
عزل
وبرز الخلاف الخفي بين الأزهر والسلطة الحالية، عندما أفصح السيسي عن ضيق صدره بعدم انصياع الأزهر الرسمي لرغباته المتعلقة بـ"تجديد الخطاب الديني"، مخاطباً إياه، في 24 يناير 2017، بقوله: "تعبتني يا مولانا"، وذلك رداً على موقف الطيب الرافض للطلاق الشفهي.
حديث السيسي هذا لم يكن تملّقاً بقدر ما كان تهديداً، وعلى الفور التقطت أذرع السيسي الإشارة وشنّت الهجوم على المؤسسة التي ظنّوا، وظنّ غيرهم، أنها باتت جدراناً يسكنها الإقرار بالأمر الواقع، لينزع الأزهر عن نفسه دثار الصمت، مصدراً بياناً كان الأعلى في وجه السيسي.
وبعدما ظنّ مؤيدو السيسي، ومناهضوه أيضاً، أن نَفَس المؤسسة التاريخية قد انقطع، وأنها ركنت إلى الخوف بحثاً عن الأمن، عاد أحمد الطيب ليؤكد أن صمت الأزهر ليس خوفاً ولا هرباً، بقدر ما هو نأي بالنفس عن خلافات السياسة، ومعلناً قدرته على خوض حرب أشد ضراوة وأكثر تقحّماً من تلك التي شُنّت عليه.
الطيب والسيسي إنفجار مرتقب
وقد شنّ شيخ الأزهر هجوماً ضمنياً حاداً على السيسي؛ فتحدّث عن تردي أوضاع حقوق الإنسان وحال البلاد والعباد، مشيراً إلى آلاف القابعين في السجون بلا ذنب.وتساءل الطيب: "هل حقوق الإنسان الأوروبي هي النموذج الذي يجب أن يعمم على العالم؟ وهل يجب على المسلمين جميعاً أن يبيحوا الشذوذ الجنسي والإجهاض، أو هي حقوق الإنسان الشرقي المتدين بدينٍ له حقوق تختلف عمّا يدعيه أنصار حقوق الإنسان في الغرب، الذي أدار ظهره للدين منذ قرون؟".
السيسي
ولتأكيده ثبات مؤسسته، قال الطيب: "إن أحداً لا يمكنه النيل من الأزهر؛ لأنه من صنع التاريخ، فلم تبنِه قناة ولا برنامج ولا أموال مدفوعة"، مضيفاً: "ما بناه التاريخ لا يُهَدُّ أبداً".
ورغم قبوله، لاحقاً، بالهدنة مقابل كفّ الألسن، فقد أثبت الأزهر، بموقفه هذا، أنه قادر على التصدي، وأنه لم يصل بعد إلى مرحلة الموت السريري، كما يُقال.
وإجمالاً يمكن القول إن الأزهر لوّح بعصا المواجهة ثم أعادها وراء ظهره، بعدما كفّت الألسن وهدأت العاصفة، الأمر الذي يؤكد حقيقة أنه يملك من القدرة والإرادة ما لا يعرفه لا هو ولا السلطة الحاكمة