- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
بكر أبو بكر يكتب: الولايات المتحدة: امبراطورية في حالة تراجع
بكر أبو بكر يكتب: الولايات المتحدة: امبراطورية في حالة تراجع
- 7 مارس 2022, 8:09:38 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
قبل سنتين او أكثر (عام 2018 بالتحديد بعد التدقيق) أصدر الباحث والأستاذ د.علي الجرباوي قراءة في خطط الأمن القومي لدول الصين وروسيا وأمريكا تحت عنوان: “الرؤى الاستراتيجية لثلاثي القطبية الدولية: تحليل مضمون مقارن”، ولما كان قد حلّل الوثائق الثلاث فلقد كان الاستناج الأرجح لديه أن العالم القادم سيكون برؤوس ثلاثة (روسيا والصين وأمريكا) ضمن خيارات طرحت أمام المحللين كاحتمالات، أي بقاء النظام العالمي الواحد، أو نظام الرأسين، أوالرؤوس المتعددة وليس فقط الثلاثية أو الثنائية.
وفي تحليله الهام ذاك كان قد قال: “أن الولايات المتحدة في النظام الدولي الحالي تتمتع بجميع المزايا التفضيلية لمصادر القوة العسكرية والتقانية (التكنولوجية) والاقتصادية والثقافية، لذلك هي الأولى عالميًا، ولكن قوتها النسبية آخذه بالانحسار التدريجي أمام تصاعد القوة الصينية التي تحقق تقدمًا متسارعًا في المجالين الاقتصادي والتقاني…”
وفي تأكيده على أن العالم في طوّر نظام جديد قيد الانبثاق يقول عن روسيا في تحليله: “أن روسيا خلافًا لصين فليس بمقدورها دعم تمدد ناعم لتوسيع مجال نفوذها فامكانياتها الاقتصادية متواضعة وقدراتها محدودة، لذلك تستخدم روسيا قوتها الصلبة ممثلة بالقوة العسكرية المتوفرة لديها لتحقيق المطلوب واحكام سيطرتها على ما تعتقد أنه يمثل مجالات حيوية لها”، ما نراه اليوم في الحرب الروسية الأمريكية على أرض أوكرانيا منذ آخر فبراير 2022م.
وفي تأكيده على تحليله السابق يقول الجرباوي بمقال له حول دور الثلاثية من منطقتنا تحت عنوان “الشرق الأوسط: انحسار المكانة” عام 2021م : “تحاول كل قوة من قوى ثلاثية القطبية الدولية ضبط إيقاع تحركاتها وتدخلاتها بما يعود عليها بالنفع من منطقة الشرق الأوسط في خضّم صراعها على العالم. ما يُثير الأسى أنه باستثناء الدول غير العربية في المنطقة، وهي إيران وتركيا و”إسرائيل”، فإن البواقي؛ الدول العربية، لا يزيد دورها على تلقي استخدامات هذه القوى العالمية لها.”!
ويمكننا الإشارة للباحث والاقتصادي الكبير طلال أبوغزالة الذي كان ينظّر لوقوع حرب عالمية عام 2020 على أسس اقتصادية لطالما حللها باتقان، ولكنها لم تحصل بالتاريخ المحدد فنال الاستهزاء والسخرية من البعض والاتهامات بالشعوذة، ويبدو أن الذين افترضوا أن تحليل المفكر الاقتصادي الكبير طلال أبوغزالة قد خاب، هم قد خابوا، وإن اختلف العام، واختلف المتصارعون من امريكا والصين الى أمريكا وروسيا.
وصولا للعام 2022م، حيث العالم يقف على شفير الهاوية في ظل الحرب الروسية-الامريكية أو الروسية-الاطلسية “الناتو” على أرض أكرانيا.
وكان أبوغزالة منذ العام 2018 أيضًا (وفي قول آخر منذ العام 2016م) قد حذر ضمن تحليله الاقتصادي الى ما يقوله نصًا: “نشوب حرب عالمية ثالثة مدمرة بين الصين والولايات المتحدة، ستنتهي بإعلان نظام عالمي جديد ثنائي القطب وتقوده الدولتان، مع اعتماد عملة عالمية جديدة مكان الدولار، وتوقيع اتفاقيات تجارية أكثر وضوحا، خاصة في ما يتعلق بقوانين الملكية الفكرية.”
وكان مما قاله أيضًا: “أتوقع أن يجلب عام 2020 معه أزمة اقتصادية وسياسية عالمية لا نظير لها. ذلك لأنه ليست السياسات الاقتصادية غير المنسقة للاقتصادات المتقدمة هي ما تساهم في هذه الأزمة فقط، بل أن القرارات السياسية الخاطئة والسياسات غير الرشيدة ستمهد الطريق لحدوث محنة اقتصادية كبرى.ومع ذلك، ستكون الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند أكثر قدرة على التكيف مع الأزمة، ومن المتوقع أن تزدهر مقارنة مع اقتصادات الولايات المتحدة وأوروبا.” فهل ما توقعه د.طلال أبوغزالة للعام 2020 يحدث عام 2022!؟
لنرى، فقبل أيام في مقال له في 1/3/2022 مازال أبوغزاله عند تحذيراته إذ يقول في الأزمة الروسية الأوكرانية وضمن حقيقة أن الصراع على قيادة العالم وهنا تحديدًا بين أمريكا وروسيا على جسد أوكرانيا (وأوربا) يقول ضمن فكرة أن القادم نظام عالمي تعددي الأطراف: “يجب أن نتذكر أن كلا الطرفين يتصارعان حول النظام العالمي، فمن جهة تريد أمريكا الاستمرار في قيادة العالم. ومن جهة أخرى تتطلع روسيا إلى دورها في قيادة النظام العالمي – كما كان – بقيادة ثنائية: أمريكية، سوفيتية.” ويضيف قائلًا: “سينشأ حتما نظام عالمي جديد، وبقيادة متعددة الأطراف، وستنشأ اتفاقيات دولية جديدة، كما حصل بعد الحرب العالمية الثانية، وستتناول الصراع حول أمور أساسية، منها عولمة الشابكة “الإنترنت”، وعولمة العملة الدولية، وسياسة العقوبات، ونظام عمل الأمم المتحدة، ومؤسساتها، وكارثة التلوث المناخي التي تهدد البشرية، وغيرها!”
ولا نزال نذكر التنظير السياسي العميق، والسياسي الاقتصادي القوي للمفكر والقيادي الفلسطيني د.نبيل شعث الذي أشار لضرورة أن نعمل بضراوة كفلسطينيين في محيطنا للتغيير، وننظر بعمق للمتغيرات القادمة عالميًا لا محالة ولا نركن للسلبية، ولا نتعجل الحكم على مجريات الأمور وكأنها في غير صالحنا دومًا، فالعالم في حالة تغير بالقوى، لكن لن تكون فيه أمريكا لوحدها على قمة النظام العالمي مطلقًا، وهو ما أشار له بعديد المحاضرات التي عقدها في فلسطين وخارجها إثر صفعة “ترامب” وبهجته بقتل القضية الفلسطينية وتطويق أمة العرب بالفكر الانعزالي (التطبيعي)، وفي ظل التعنت الصهيوني والتغول الامريكي-الصهيوني.
وكان قبلهم قد كتب د.عبدالحي زلوم في كتابه الشهير المعنون (نُذُر العولمة) الصادر سنة 1998 في آخر فقرتين في الكتاب (صفحة 252+253 ) ما يلي :”حقق النظام الرأسمالي الأمريكي انجازات علمية وتقانية (تكنولوجية) هائلة صاحبه خواء روحي وانحطاط اخلاقي كبيرين: كما حقق إنجازات مادية لشعوبه على جانبي الاطلسي والبالغة حوالي 10% من سكان الكرة الارضية، وذلك بسلب مقدرات ال 90% من بقية سكانها الآخرين … قال جورج سوروس: “قبل أقل من ستة شهور كان النظام المالي العالمي على شفير الهاوية… وكان ذلك النظام لا يبعد سوى أيام قليلة عن الانهيار التام… وأني أخشى أن تؤدي النتائج السياسية الناجمة عن الأزمات المالية الأخيرة الى انهيار النظام الرأسمالي العالمي برمته!”.ولقد علمنا التاريخ قديمه منذ أيام الروم والفرس وحديثه قبل بضع سنين في الاتحاد السوفييتي أن كثيراً من الدول العظمى تكون في حقيقتها أوهَى من بيوت العنكبوت. ..”
هؤلاء الأربعة ولربما تجد أمثالهم كثيرون كانوا يتوقعون أو يرقبون انهيار الامبراطورية الأمريكية التي قامت بالدم والشر وبتفردها بالعالم، بمنطق تنحيها عن الاستفراد بقيادة العالم، وليس انسحابها عن مسرح الأحداث كليًا.
بين يدينا كتاب هام من المهم قراءته حول أمريكا في حالة تراجع أو حسب عنوانه “امبراطورية في حالة تراجع: الولايات المتحدة الامريكية بين الماضي والحاضر والمستقبل” ل”فيكتور بولمر توماس” وترجمة توفيق سخان، وإصدار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، حيث يؤكد المترجم في مقاله عن الكتاب نقلًا عن المؤلف:أن الولايات المتحدة كانت إمبراطورية منذ إرهاصاتها الأولى، فقد عمدت إلى تأمين مجالها الحيوي من خلال الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين وارتكاب جرائم الإبادة في حقهم قبل توجهها شرقًا وغربًا وجنوبًا لتبسط نفوذها وتدعم حضورها. ويرى أن ما يميز هذه الإمبراطورية هو إنشاؤها منظمات دولية ومؤسسات متعددة الجنسيات اخترقت نسيج المجتمعات وجعلت من النموذج الأميركي النموذج السائد على مستوى العالم.
ويستشرف الكتاب نهاية هذه الإمبراطورية انطلاقًا من مؤشرات موضوعية تشمل السياسة والاقتصاد والثقافة، حيث يعزو عوامل هذا التراجع إلى أسباب داخلية، تكمن أساسًا في انكماش الاقتصاد الأميركي، وحالة الإحباط العام التي تسود المجتمع الأميركي من جرّاء سياسة اجتماعية مجحفة، وتداعي الأساطير أو العقائد التي قامت عليها الإمبراطورية الأميركية.
ويذكر المؤلف في كتابه أيضًا وبصيغة المترجم: “أن أميركا أحكمت الخناق على منافسيها الأوروبيين حتى طردتهم من مجالها الخاص في النصف الغربي للكرة الأرضية، وذلك من دون نزاع أساسي، رغم أنها كانت جاهزة لخوض أي نزاع لو اقتضت الضرورة ذلك. والصين تقوم اليوم بالشيء ذاته في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لا أحد من الجانبين يريد نزاعًا، ولكن إذا حدث واشتعل فتيل نزاع ما، فإن الصين ستختار بلا شك اللحظة التي يمكنها أن تفوز فيها. لهذا السبب ولأسباب أخرى، من الأرجح أن يكون تراجع الولايات المتحدة عن الهيمنة – في منطقة آسيا والمحيط الهادئ كما في مناطق أخرى – تراجعًا سلميًّا، ولهذا يمكننا أن نكون كلنا ممتنّين”.
الأيام حبلى بكثير من المفاجآت والمتغيرات ولن تشرق الشمس غدًا الا على فجر جديد.
الحواشي:
د.علي الجرباوي، أستاذ جامعي فلسطيني مواليد عام 1954م، وهو مدير- معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية.
2 طلال أبو غزالة (مواليد فلسطين عام 1938م) هو المؤسس والرئيس لمجموعة طلال أبو غزالة الدولية، وهي مجموعة شركات عالمية تقدم الخدمات المهنية في مجالات المحاسبة والاستشارات الإدارية ونقل التكنولوجيا والتدريب والتعليم والملكية الفكرية والخدمات القانونية وتقنية المعلومات والتوظيف والترجمة والنشر والتوزيع
3 نبيل علي شعث (1938 –)، سياسي ومصرفي وخبير إدارة وتنمية فلسطيني، وقائد فلسطيني بارز ومفكر عربي وهو عضو قيادة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.
4 عبد الحي يحيى عبد الكريم زلوم، مواليد فلسطين العام 1936م باحث اقتصادي ومستشار نفطي فلسطيني أردني، لعب دورا في تأسيس عدة شركات نفطية وطنية عربية وأفريقية، وقدم خدمات استشارية لصناعات النفط في مختلف أنحاء العالم، وله عدة مؤلفات بالعربية والإنكليزية، توفي بعد إصابته بفيروس كورونا عام 2021 في الأردن.
5 الى ما سبق وعام 2021م نشر مؤرخ ومؤلف كتب اسكتلندي، يدعى نايل فيرغسون، مقالا في مجلة “إيكونوميست” البريطانية، تناول فيها الأسباب التي يعتقد من خلالها أن “نهاية الإمبراطورية الأمريكية” لن تكون سلمية، بحسب تقديره. متعرضا للدين الامريكي والاهوال الاقتصادية ونسبية القوة، وفي ظل التحدي الصيني الكبير.