- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
ما تداعيات غزو أوكرانيا على مصر؟
بعد أسبوع من الغزو الروسي لأوكرانيا، تطورت التداعيات الاقتصادية والسياسية على مصر بشكل أسرع وأشمل مما تمنى صناع سياساتها.
ويتعين على مصر الآن التعامل مع تداعيات على عدد من الجبهات، بما في ذلك المخاوف بشأن واردات القمح الحاسمة (حوالي 80٪ منها تأتي من روسيا وأوكرانيا)، وزيادة الضربات الموجهة إلى قطاع السياحة المصاب بشدة بالفعل، واستنزاف الاحتياطيات الأجنبية، والمناورات المرهقة في ظل العلاقات المتوترة بين روسيا والغرب.
تركيز على تهديد القمح
حظي وضع القمح بالاهتمام الأكبر إعلاميًا، وهناك مبرر منطقي لذلك بالتأكيد؛ فمصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم؛ ومن بين الـ 20 مليون طن التي من المتوقع أن يستهلكها شعبها هذا العام (2021/2022)، يتم استيراد حوالي 13.2 مليون طن، وحوالي 80% من ذلك يفترض أن يأتي عادة من روسيا وأوكرانيا (حوالي 50% و 30% على التوالي).
في الواقع، كانت مصر تعمل بهدوء على تنويع مصادر القمح الخاصة بها في العام الماضي، سواء من المصادر الأوروبية أو الأفريقية المجاورة لها.
وقبيل الغزو، اشترت مصر حوالي 180 ألف طن من القمح الروماني لتحوط رهاناتها وكانت هناك تقارير تفيد بأن سفينة مصرية تدعى "وادي العرب" تحمل القمح الأوكراني غادرت ميناء يوجني في 26 فبراير/شباط متجه للإسكندرية.
ومع ذلك، فإن مصر تشتري القمح في المناقصات وقد تسببت المناقصتان في الأسبوع الذي تلا الحرب في خيبة أمل، حيث كان القمح الوحيد المتاح فرنسيًا أو أمريكيًا، والذي يباع بضعف الميزانية التي خصصتها الحكومة المصرية له.
وحتى الآن، هناك مخاوف من ارتفاع تكلفة دعم الخبز هذا العام (الذي بلغ بالفعل 3.2 مليار دولار أمريكي) بأكثر من 760 مليون دولار.
وتفاقم الوضع من خلال الارتفاع الأوسع نطاقًا في أسعار المواد الغذائية العالمية (وهو الارتفاع الأعلى خلال 5 سنوات) وأسعار القمح تتصدر هذه القائمة بزيادة 33.1%، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة الأمريكية "فاو".
واعتمادًا على من يحكي القصة، يصبح الوضع مزريًا وأزمة وجودية، أو يصبح غير مدعاة للقلق.
أما الحقيقة على الأرجح، فهي أن الوضع قد لا يسبب أزمة فورية في الوقت الحالي.
وقال المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري "نادر سعد" إن المخزون والإنتاج المحلي سيوفر القمح لمصر لما يقرب من 9 أشهر.
لكن قد يصبح الأمر أكثر إثارة للقلق مع مرور الوقت.
تستهلك مصر هذه الكميات الهائلة من القمح لأنها تستهلك كميات هائلة من الخبز.
ومع أن تدابير التقشف القاسية التي جاءت في إطار برنامج الإصلاح المرتبط بقرض صندوق النقد الدولي لعام 2016 نزعت الدعم عن معظم المنتجات، إلا إنها لم تفعل ذلك مع الخبز.
الخبز حساس بشكل خاص للمصريين؛ وهو مدعوم بشدة ويوفر شريان الحياة لما يقدر بنحو 29.7% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر.
آخر مرة حاولت فيها حكومة مصرية أن تتلاعب في دعم الخبز عام 1977، كانت في عهد الرئيس "أنور السادات"، وتسبب يومان من أعمال الشغب في إقناع الحكومة بأن تدعه وشأنه.
في الآونة الأخيرة، قال الرئيس "عبدالفتاح السيسي" إن الدعم يجب تقليله مرة أخرى، مما أدى إلى خفض عدد الأشخاص لكل أسرة الذين يتلقون دعمًا على بطاقات التموين وعدم السماح بأي مقدمي طلبات جدد في النظام.
في حين أنه من المتوقع اتخاذ قرار نهائي في نهاية مارس/آذار، فقد كانت هناك شائعات بأن نظام البطاقات قد يتم استبداله بالتحويلات النقدية، ولكن بالنظر إلى مخاوف الحكومة بشأن التضخم، فإن هذا يعتبر غير مؤكد أبدًا.
مخاوف على قطاع السياحة
تؤثر الأزمة أيضًا على قطاع السياحة الهش في مصر، المصاب بالفعل بضربات الوباء.
كان الروس يشكلون سابقًا جزءًا كبيرًا من زوار مصر حتى تم إسقاط رحلة روسية في هجوم إرهابي مشتبه به في سيناء في عام 2015، ولم تُستأنف الرحلات الجوية إلا في عام 2021.
وأعربت الحكومة عن أملها في أن يؤدي التدفق المتوقع لـ300 ألف إلى 400 ألف سائح روسي في الشهر لتعافي جزء كبير من عجز القطاع السياحي، ولكن بدلًا من ذلك، يتعين الآن على القطاع التعامل مع تكلفة أخرى غير متوقعة.
فقد طلبت وزارة السياحة من الفنادق أن يستضيفوا مجانًا أيًا من الـ16 ألف أوكراني الذين تقطعت بهم السبل في مصر، حتى يتمكنوا من الطيران إلى بلدهم، أو بلد مجاور.
وفي حين أنها لفتة سخية نيابة عن الحكومة، قال "علي منصور" العضو في مجلس إدارة غرفة المنشآت والمطاعم السياحية لموقع "مدى مصر" أن هذا سيكلف الفنادق 50 ألف إلى 100 ألف من الخسائر يوميًا.
وفيما يبدو من المتوقع أن يستمر الوضع فقط حتى 3 مارس/آذار، فما تزال هذه ضربة قوية لقطاع يكافح للنهوض عن الأرض.
ضربة للأصول الأجنبية
ليس قطاع السياحة وحده من يعاني الخسائر، فقد أفادت "رويترز" مؤخرًا أن صافي الأصول الأجنبية في مصر، الذي أصبح بالفعل في أدنى مستوياته منذ أبريل/نيسان 2017، يتعرض لضربة.
كانت مصر تعمل بجد على رفع الطلب على سندات الخزانة الخاصة بها، لإصلاح عجز الميزانية ودعم الحسابات الجارية، لكن ذلك تعقّد بفعل أخبار رفع سعر الفائدة الفيدرالي الوشيك في الولايات المتحدة.
جعلت الأزمة في أوكرانيا المستثمرين حذرين من الأسواق الناشئة.
وفي 28 فبراير/شباط، اكتسبت "عمليات بيع معتدلة من سندات الخزانة المصرية التي بدأت يوم الخميس زخمًا" وفق ما قاله أحد مصادر "رويترز".
تختلف تقديرات المصادر التي تحدثت إلى "رويترز" بشكل كبير من بضع مئات من ملايين الدولارات إلى 3 مليارات دولار؛ ولكن قال كلاهما إنه "بعد الزيادة المبدئية، كان السوق هادئًا نسبيًا يومي الإثنين والثلاثاء".
ضغط من الجانبين
تسحق الأزمة الأوكرانية الروسية حكومة مصر و وزارة خارجيتها بين روسيا والغرب.
وبعد قرار من جامعة الدول العربية دعا إلى "الدبلوماسية، وتجنب التصعيد" وعزز التركيز على الجوانب الإنسانية وذكر بأن الدول العربية لديها "علاقات وثيقة" مع الجانبين (دون ذكر روسيا) صوتت معظم الدول العربية من أجل قرار للأمم المتحدة يطالب روسيا بوقف غزوها وسحب قواتها.
وقالت مصادر من وزارة الخارجية المصرية إن القاهرة أصبحت تشعر بقلق متزايد بشأن الجوانب الإنسانية للغزو.
ومع ذلك، فإن القضية معقدة للغاية؛ حيث تتمتع مصر بعلاقات واسعة ومعقدة مع روسيا والغرب وسيأتي الانحياز لأحد الجانبين بنتائج عكسية.
وبالنسبة إلى بلد يحافظ باستمرار على موقف سياسة خارجية مستقلة ومحافظة، فإن الوضع الحالي معقد بشدة.
حتى الآن، كانت محاولات جعل القاهرة تنحاز لأحد الطرفين لا تتجاوز الحث الدبلوماسي الملح، وقد طلبت كل من السفارات الروسية والأوكرانية في القاهرة من مصر أن تدعم موقفهما.
وعقب بيان جامعة الدول العربية، جادلت مختلف الدول الغربية بأن البيان لم يُدِن روسيا بما فيه الكفاية.
وكانت هناك شائعات بأن الولايات المتحدة طلبت من مصر أن تغلق قناة السويس أمام السفن الروسية وتلقت رفضًا قاطعًا من رئيس هيئة قناة السويس "أسامة ربيع".
تظل التنمية الاقتصادية في مصر مصدر قلق بارز، وأكدت مصادر تجارية أنه كانت هناك مناقشات قبيل الغزو مع مختلف الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، بشأن الاستثمارات والقروض الجديدة، التي تمس الحاجة إليها لسداد الديون.
ومع ذلك، فإن مصر لديها أيضًا تعاون كبير مع روسيا في مجال الطاقة والمسائل العسكرية، وربما الأهم من ذلك؛ التعاون في الواردات والصادرات الغذائية.
المصدر | ميريت مبروك/ معهد الشرق الأوسط