- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
تحسين يقين يكتب: فتى العلَم الفلسطيني يمضي ليزداد الوطن حضوراً
تحسين يقين يكتب: فتى العلَم الفلسطيني يمضي ليزداد الوطن حضوراً
- 1 يناير 2022, 10:11:41 ص
- 460
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لم نكن نراه إلا مرتدياً العلَم والكوفية، كم كنت تحب العلَم يا فتى العلم في ذكرى الانطلاقة المجيدة!
ازداد حضور الفتى، وازداد حضور العلَم؛ فكيف سنحتفل في «بيت دقو» بالانطلاقة عاماً بعد عام، دون أن ترفرف علينا روحه السماوية، سنلوذ بالخيال أيها الفتى الجميل عرفات لنراك من عليين تبتسم لنا، ولنا اليوم أن نتذكر تلك الابتسامة الصافية الملائكية، بما كانت تحمل من طاقة حب وخير وجمال.
لك ما لك مما هيأت السماء لك، ولك ما أحبتك أرض القرية والوطن، بما مشيت منذ خطواتك الأولى حاملاً علَم البلاد، ففي كل مناسبة كنت بابتسامتك وعلمك، كم كنت تعشق علم فلسطين أيها الفتى!
لنا الحزن النبيل كما ينبغي لحالة الفقد الأليمة، ولنا الأمل، الذي عشنا به ومعه، لا بدّ أن يطل الفجر، وقريباً سيطل، وستكون دوما أيقونة أخرى تزينت بالعلم، بكل قدسية رمزيته في البقاء الإنساني والحضاري لشعب عريق، في محاولات الطمس، بما استقوت بكافة أسلحة الدمار الشامل، لأنك ببساطة اردت أن تكون فلسطينياً.
في رحيل الفتى عرفات محمود حمدان داود، يحضر الخاص، فهو ابننا، ويحضر الوطني العام، فهو ابن فلسطين، ترى ما كانت آخر كلماتك وأنت تثبت العلم في الأعلى؟ كنت لا شك تريد فعلاً أن ترفعه الى السماء، وهذا ما كان، حين ارتقيت الى هناك، ولعلك الآن سعيد بذلك المقام.
عرفات الفتى، لم يكن الاسم إلا ضمن سياق وطني، تيمناً بقائد الانطلاقة، وتلك رموزنا الوطنية التي تربى عليها الفتى، منذ مناداته باسمه، مستذكرين رحلة أبيه المقاوم محمود، الذي كان من أوائل المطاردين، كأنبل ظاهرة عرفناها في الانتفاضة الأولى، تلك التي بشرتنا بقرب الخلاص.
كله وروايته: صورة الفتى في القدس، تذكر بجده أحد سدنة المسجد الأقصى، أبو الوليد، الحارس الأمين، الإنسان المسالم، المبتسم، الذي أورث ابتسامته لأسرته، لعله يكون في استقبال حفيده الآن.
العام والخاص، أسرة فلسطينية عادية، لكن حين يكون حب الوطنية متجذراً فيها، تصبح أسرة غير عادية، بما تتميّز من حب وانتماء نشهد له.
في يوم انطلاقة الثورة اليوم، سنحزن لغياب الفتى عرفات، كما نحزن لغياب القادة والمناضلين، الذي مهدوا لنا الطريق؛ لم يكن هناك اختيارات كثيرة، حين راح الشباب والفتيان، يؤسسون خلايا وطنية، صارت نواة لأكبر حركة تحرر عالمي، ترى ماذا كان الدافع غير إرادة الأمل بالتحرر!
نحن بحاجة أفراداً وشعباً أن نعرف تاريخنا بالتفصيل، لأن تحرير المستقبل مسؤوليتنا؛ من هنا تكون التوعية على الخصوصية الوطنية الفلسطينية، بل ونتأكد جميعا بأن من عوامل الخلاص الوطني، الحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة لنا، على هذه الأرض، حيث يكون قالب لحني تراثي في مواجهة الاحتلال سلاحاً قوياً، ويكون علم الوطن رمزاً يؤكد على الحضور الحيّ لنا، ويكون الأدب والفن مكونين للمشاعر، ويكون الوطن إنساناً فينا لا مواد للحفظ والاستذكار.
في ذكرى انطلاقة حركة فتح، الثورة المعاصرة، نحن بحاجة للارتقاء بأنفسنا، وأدواتنا، في جوانب حياتنا، بالتربية على الوطنية ورموزها الغالية، التي تعني وجودنا، مقرونة بالفعل الإبداعي في مؤسساتنا، لترقى هي أيضاً لأبناء شعبنا، الذين يمارسون أجمل بقاء وأكثره نبلاً، لتصير المؤسسات رافعة بقاء وإرادة، ولعل الطريق واضح كي نرى ذلك متجلياً، إن أردنا، ويجب أن نريد، تلك مسؤولية عظمى، تقتضي تجاوز ما هو شخصي فردي، تجاه ما هو وطني وعام.
نحن بحاجة أن نستلهم من كل حادثة، كرحيل الفتى عرفات وهو يغرس العلَم فوق بوابة قريته، لنكون أكثر يقظة ووحدة وتضامناً ووعياً على الحاضر والمستقبل.
تجيء الحوادث المؤلمة لتعلمنا وتعيدنا نحو البوصلة: هدفنا الخلاص الوطني، ونحن قادرون عليه، لا خلاص نخب. ولعلنا نقرأ خطواتنا شعباً وقادة، باتجاه تقوية البقاء المقاوم، لأن بقاءنا الإبداعي هو أهم مقاومة وجودية اليوم، فلعلنا لا ننشغل بأمور تبعدنا عن وحدتنا، فلا مجال للمزيد من التشظي؛ فالتعددية الحضارية التي تعني سراً من أسرار وطننا الجميل، لا تعني الفرقة ولا تشتيت الجهد.
تعيدنا الانطلاقة دوماً الى الهدف، فكل ما يقربنا منه نحتفل به ونعظمه، وكل ما يبعدنا عنه فنحن في غنى عنه.
ليس من الملائم العبث بالمشاعر عن طريق إثارة الفتن، لأن الوطنية الحقيقية لها طريقها في الاتفاق والاختلاف، ولعل الجيل الجديد سيأخذ الراية بنقاء أكثر جمالاً، فلعلنا نورثه كل ما هو إيجابي، ونبعده عن الاختلافات التي لم تفدنا بشيء، بل أضرتنا.
هنا في فلسطين جيل رائع، لا كما يتصوره آخرون، ولا مجال لهم كي يبرمجوه، أو يهندسوه على مقاساتهم، من أجل تصفية الحساب مع الحركة الوطنية الفلسطينية، لأن تلك الحركة اكتسبت مشروعيتها وما زالت من فعلها النبيل تحت الشمس لا تحت الطاولات.
جيل عرفات محمود الذي رحل وهو عاشق للعلم، جيل نقيّ، يعرف طريقه، فقد شرب من وطنية قادة الانتفاضة الأولى، والذين نهلوا من مدرسة الثورة الفلسطينية، التي تأبى أن تشيخ؛ بما تضخ فيها من دماء جديدة.
في هذا اليوم، يجب أن نرتقي لكل الجهود التي عملت لفلسطين، معمدة بالدم والأسر، فإن لم يكن أداؤنا بما ينسجم مع شهداء فلسطين، فلنترك المجال لآخرين، وللشعب الوطني أن يقول دوماً كلمته الحق النابعة من وعيه وضميره.
آن الأوان أن ندرك أن فلسطين ليست قضية أجيال، بل قضية شعب من كل الأجيال تمضي في طريق أخلاقي نبيل من أجل حقوق شعبنا العادلة والشرعية.
لا نعرف إن كنا سنحتفل في هذه القرية الصغيرة، قرية العنب والزيتون بانطلاقة فتح، لربما سيصعب علينا غياب فتى العلم عرفات، لكن ابتسامته النقية دوماً ستظل بوصلتنا، هو وكل الشهداء، فلنا هنا دور نقوم به، ويجب أن نقوم به خير قيام.