- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
تقادم الخطيب ينعي ألبرت آريه " المثقف المصري اليهودي أحد مناهضي الصهيونية
تقادم الخطيب ينعي ألبرت آريه " المثقف المصري اليهودي أحد مناهضي الصهيونية
- 15 أبريل 2021, 1:11:01 م
- 835
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
اليوم فقدت مصر قامة وطنية كبيرة، إنه ألبرت آريه، رجل شاهد علي التاريخ المصري ، ومصر حينما كانت مركزا للأقليات في الشرق الأوسط، شاهد علي مصر حينما كانت تقوم علي التعددية والمواطنة. ألبرت كان أحد مصادري لكتابي الصادر بالألمانية عن يهود مصر (وهو في الأصل رسالتي للدكتوراه). ألبرت كان أحد المناهضين للحركة الصهيونية، وهو أحد مؤسسي الحركة الشيوعية إلي جانب هنري كوريل ويوسف درويش وغيرهم لمناهضة الحركة الصهيونية وانتشارها بين اليهود المصريين. رفض أن يترك مصر، بل استمر فيها منذ مولده حتي مماته، لأنه كما كان يقول لم يعرف له وطنا سواها. دافع عنها وعن حريتها وقضي في السجن أحد عشر عاما في سبيل ذلك. ألبير كان يلهمك وهو يتحدث، حديثه يجعلك تذهب بعيدا ويجعلك تفكر في مصر التي لم نرها ولم نعاصرها، وكيف كان من الممكن أن تصبح مصر لو لم يحدث انقلاب الضباط،. أتذكر حينما تحدث عن هجرة اليهود من مصر، قال إن عددا كبيرا من اليهود المصريين كانت الدولة لا تعترف بهم، ولا تعطيهم أوراقا تقول بأنهم مصريون، وبالتالي لم يكن لهم خيار سوي الهجرة للدولة التي ستعترف بهم وتجعلهم مواطنين وتمنحهم جوازات سفر ومواطنة كاملة. هذا الحديث قادني للتفتيش عن عدد هؤلاء الذين لم تكن الدولة تعترف بهم أو تعطيهم أوراقا، فوجدت عددهم كبيرا، منهم طائفة كاملة تسمي القرائين، لم تكن الدولة تعترف بهم، علي الرغم من أن محامي القصر الملكي في تلك الفترة كان المثقف المصري اليهودي الكبير مراد بك فرج، (واحد من أهم وأبرز المثقفين المصريين في القرن الماضي)، كان يجيد سبع لغات ويؤلف بالعربية والعبرية والانجليزية والفرنسية. وقد ساءت الأوضاع في الخمسينيات أكثر، وحينها كان يتم ترحيل اليهود، ويوضع علي جوازاتهم غير مسموح له بالعودة مجددا. أتذكر حينما روي قصة صديقه فيكتور سيجريه، وكان واحدا من أعضاء الرابطة اليهودية لمكافحة الصهيونية، وكان ينتمى إلى عائلة يهودية مصرية من حى السكاكينى، طُرد من مصر سنة 1949 وعاش في المجر، أثناء حفل توقيع كتابه في باريس والذي أقيم في معهد العالم العربي، وهو الكتاب الذي دون فيه ماحدث له في مصر إلى أن خرج منها، كانت المستشاره الثقافية المصرية في باريس من بين حضور الحفل، وبعد انتهاء الحفل، سألته، انت مش بتزور مصر ليه؟، وقامت بمنحه تأشيرة لزيارة مصر، وحينما جاء لمصر أوقفوه في المطار، وعلي الطريقة المصرية استنى عشر دقايق، والتي تحولت إلي ليلة كاملة قضاها في المطار انتظارا للسماح له بدخول بلده، وفي اليوم التالي، قالوا له انت ممنوع من دخول مصر، وتم ترحيله علي نفس الطائرة للمجر، هذه الواقعة حدثت في 2010 أي بعد مرور 59 سنة، وما زال على قائمة الممنوعين من الدخول، توفي فكتور سيجريه في المجر. القصة دي كان بالنسبة لي مؤشر علي ازاي دولة يوليو بتتعامل، وازاي إن السرديات الموروثة داخل تلك الدولة العطنة لازلت مستمرة، في مصادرة حقوق وطموحات أجيال في نيل حريتها والعيش بكرامة. عقلية عقيمة ضيعت البلد وجعلتها وكرا للفساد والظلم، ولسه بتضيعها من خلال شعارات رنانة وجوفاء مثل القومية وغيرها من أجل تمجيد الحاكم الفرد، اللي هو سبب ضياع البلد.
أتذكر قصة جواز سفره وكيف كان يتعامل معه ضباط انقلاب 52 ولولا وساطة خالد محيي الدين لم يكن ليحصل علي جواز سفره. ألبير عارض السادات وكان ضد اتفاقية كامب ديفيد لأنه كان يري أنها تقسم العالم العربي.
كنت دائما أري في ألبير رمزا للمقاومة والتمسك بالوطن والمبادئ، والتضيحة من أجل قضية يؤمن الفرد بها، وخاصة لو كانت قضية مثل قضية الوطن، و هنا بالفعل الفرق بين الجبن والاستكانة، وبين الإنسان صاحب القضية.
بفقدان ألبير فقدت مصر جزءا من تاريخها وأحد رموزه الذين ساهموا في صناعته وكانوا شهودا عليه.
رحم الله ألبير آريه رحمة واسعة، وأبدله خيرا عما قدم لأهله ووطنه.