- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
تقدير جيوسياسي: روسيا تخسر بلعبة النفوذ لكنها لم تخرج من المنافسة بالخليج
تقدير جيوسياسي: روسيا تخسر بلعبة النفوذ لكنها لم تخرج من المنافسة بالخليج
- 9 مارس 2023, 10:37:14 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
خلال السنة الأولى من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، ظلت منطقة الخليج ساحة معركة جيوسياسية بين روسيا والولايات المتحدة، فما هي محصلة هذه المعركة بعد عام من الغزو؟ حول إجابة هذا السؤال دار تحليل للخبير الجيوسياسي، صموئيل راماني.
وذكر راماني، في تحليله الذي نشره موقع "منتدى الخليج الدولي"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن الكرملين سعى، خلال عام 2022 وأوائل عام 2023، إلى تعزيز شراكته المزدهرة مع إيران، والحفاظ على استثماراته في قطاع الطاقة بالعراق، والتأكد من مقاومة دول الخليج للضغط الأمريكي لقطع علاقاتها التجارية مع روسيا، فيما سعت الولايات المتحدة إلى تقييد نطاق المشاركة الروسية مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ومع احتدام الصراع، قد لا تدعي روسيا ولا الولايات المتحدة انتصارًا جيوسياسيًا واضحًا في الخليج. وبينما انجرفت إيران بقوة نحو المدار الجيوسياسي لروسيا، تراجعت آمال موسكو في تأمين استثمارات واسعة النطاق وعقود أسلحة مع دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي الوقت نفسه، تشعر الولايات المتحدة بالإحباط بسبب عدم رغبة بعض دول مجلس التعاون الخليجي في إدانة روسيا بسبب الغزو.
ويرى راماني أن صمت الخليج تجاه الحرب يزيد من مخاوف الولايات المتحدة بشأن النفوذ المتصاعد لخصومها في المنطقة، ما يؤشر إلى أن التعددية القطبية في الخليج هي حقيقة جيوسياسية بالفعل، لكن عصا العقوبات الثانوية الأمريكية تظل عامل تقييد قوي لاحتضان دول المنطقة لروسيا.
افتراضان روسيان
وتعتمد استراتيجية روسيا بعد غزو أوكرانيا تجاه منطقة الخليج على افتراضين رئيسيين؛ الأول: هو استمرار دول مجلس التعاون الخليجي في اعتبار موسكو شريكًا مهمًا في نظام عالمي متعدد الأقطاب، وقد أثبتت سوابق تاريخية هذا الأمر، بما في ذلك التطبيع الدبلوماسي بين الإمارات وسلطنة عمان مع الاتحاد السوفييتي أثناء حربها في أفغانستان، وتجزئة روسيا الناجحة للخلافات مع السعودية حول الشيشان وسوريا.
أما الافتراض الثاني فيتمثل في قدرة روسيا على الاحتفاظ بنهج "الصداقة مع الجميع" في الدبلوماسية الإقليمية، دون عداء مع أحد أو تحالف مع أحد، ما سمح لها بعلاقات مع السعودية والإمارات العربية وإيران وقطر دون إثارة الجدل.
وهنا يشير راماني إلى أن افتراضي روسيا صامدان حتى الآن، لكن مع محاذير ملحوظة، ففي حين شجعت النظرة متعددة الأقطاب لدول مجلس التعاون الخليجي على الانخراط في علاقات أوسع مع روسيا، فإنها لا تزال مترددة في تعزيز شراكاتها بشكل كبير مع موسكو.
وأكد توسع الإمارات في العلاقات التجارية مع روسيا، والتي تضمنت زيادة بنسبة 57% في التجارة غير النفطية وإنشاء 4000 شركة جديدة مملوكة لروسيا، على مرونة البصمة الاقتصادية لموسكو في منطقة الخليج. ومع ذلك، فإن الاتجاهات الأخرى تقدم صورة أكثر غموضًا.
فبصرف النظر عن استثمار الملياردير السعودي، الوليد بن طلال، بقيمة 500 مليون دولار في شركات الطاقة الروسية، مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، امتنعت صناديق الثروة السيادية في جميع أنحاء الخليج عن القيام باستثمارات جديدة.
وبينما تدعي روسيا أن تعاونها العسكري التقني مع السعودية آخذ في الازدياد، لم ينتج عن مشاركة شركة "روس أوبورون إكسبورت" الروسية في معرضي الدفاع في الرياض وآيدكس أبوظبي أي عقود كبيرة. وكان التزام السعودية والإمارات بتخفيضات إنتاج النفط في تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+" هو التحدي الأكثر لفتًا للانتباه من جانب دول مجلس التعاون الخليجي ضد الهيمنة الأمريكية، لكن هذا الالتزام مدفوع بالمصالح الذاتية أكثر من التضامن مع موسكو.
ويلفت راماني، في هذا الصدد، إلى أن توسيع التعاون الاقتصادي الروسي المتعمق مع إيران وشراء موسكو للطائرات الإيرانية المسيرة لم يعرقل شراكتها مع منافسي طهران الإقليميين.
وبصرف النظر عن وصف وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، للطائرات الإيرانية المسيرة بأنها خطر متزايد يجب إيقافه، لم تضغط السعودية علنًا على روسيا بشأن استخدامها لتلك الطائرات في أوكرانيا.
ورغم مخاوف روسيا السابقة من أن بيع منظومة الدفاع الجوي "إس 400" أو مقاتلات "سوخوي 35" لإيران يمكن اعتباره خطوطًا حمراء لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن مفاوضات بيع الأسلحة المزعومة بين موسكو وطهران لم تثر ردود فعل عنيفة في الرياض أو أبوظبي.
ومع ذلك، فإن انتهاك الكرملين الصارخ لسيادة الدولة في أوكرانيا قوض مصداقية روسيا كمساهم بناء في الأمن الإقليمي، ولذا تم تجاهل عرض روسيا، في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، للوساطة بين السعودية وإيران، واختُزلت دبلوماسية الظل لموسكو في اليمن إلى محادثات بوساطة عُمان مع الحوثيين، حسبما يراه راماني.
استجابة أمريكية
وإزاء ذلك، استخدمت الولايات المتحدة، في أعقاب حرب أوكرانيا، الإقناع الأخلاقي والتهديد بفرض عقوبات في الحد من نطاق نفوذ روسيا بمنطقة الخليج، وحث المسؤولون الأمريكيون شركاءهم الخليجيين على الامتناع عن تخفيضات إمدادات النفط، التي من شأنها أن توفر لروسيا عملة صعبة ذات قيمة.
وفي مارس/آذار 2022، أعطت الولايات المتحدة السعودية بطاريات صواريخ باتريوت لمواجهة رواية للرياض مفادها أن ضربات الطائرات المسيرة، التي شنها الحوثيون، تهدد إمدادات النفط العالمية.
لكن تم تقويض هذه المبادرات بسبب تعهد السعودية وروسيا المشترك بقطع مليوني برميل من النفط يوميًا من الإنتاج في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وأعرب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر، عن غضبه من أن تصرفات السعودية ستساعد بوتين على الاستمرار في شن "حربه الحقيرة والشرسة" حسب تعبيره، لكن هذه الانتقادات لم تقنع السعودية بتعديل موقفها.
وأسفرت تهديدات واشنطن بفرض عقوبات عن نتائج أكثر نجاحًا من الضغط المباشر، إذ تقوضت استثمارات الطاقة الروسية في كردستان العراق بسبب تحديات السداد، واضطرت شركة "روسنفت" الروسية في النهاية إلى التوقف عن بيع مزيج كركوك من النفط الخام.
وكان إدراج الاتحاد الأوروبي لـ7 كيانات إيرانية، قدمت مساعدات عسكرية لروسيا، في حزمة عقوبات 15 فبراير/شباط الماضي نجاحًا ملحوظًا في محاولة الغرب للحد من نفوذ موسكو الاقتصادي.
كما دفع شبح العقوبات الإمارات تقديم تنازلات جديرة بالملاحظة، إذ علق بنك المشرق قروضه للبنوك الروسية، ولا تزال أبوظبي مترددة في تبني نظام بطاقات الائتمان مير الروسي بشكل كامل.
ويشير توسع استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في أماكن أخرى بساحة ما بعد الاتحاد السوفييتي، مثل مفاوضات التجارة الحرة بين الإمارات وأوكرانيا وخطط الاستثمار في كازاخستان، التي تبلغ قيمتها 900 مليون دولار، إلى أن العقوبات تدفع دول مجلس التعاون الخليجي بعيدًا عن السوق الروسية
ورغم هذه الإنجازات، يرى راماني أن الولايات المتحدة لاتزال محبطة بسبب عدم قدرتها على منع الإمارات من مساعدة أنشطة التهرب من العقوبات الروسية.
فصادرات الإمارات من الرقائق الدقيقة إلى روسيا نمت بنسبة 1500% على أساس سنوي في عام 2022، وكشف بيعها لـ158 طائرة مسيرة إلى روسيا عن فجوة صارخة في نظام العقوبات.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت مناشدات المسؤولين الأمريكيين، مثل وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان نيلسون، خلال زيارته الأخيرة إلى الإمارات، أو العقوبات الأمريكية البريطانية المشتركة على البنك الروسي المرخص من الإمارات MTS، سوف تعكس هذا الاتجاه.
ويرجح راماني أن يؤدي ركود المفاوضات بشأن الاتفاق النووي إلى دفع إيران إلى فلك روسيا، في حين أن تحديات انعدام الأمن الغذائي وفرص تصدير الطاقة في العراق ستجبر دول الخليج على مواصلة الخيط الرفيع بين واشنطن وموسكو.
وسيخلق هذا مخاطر وفرصًا لكل من الولايات المتحدة وروسيا، لكنه لن يترك أيًا منهما راضيًا تمامًا عن الوضع الجيوسياسي في الخليج، حسب ما يراه راماني.