تقرير: الأردن والوطن البديل ... اللاجئون والقضية الفلسطينية في بؤرة الاستهداف

profile
عماد عفانة كاتب وصحفي فلسطيني
  • clock 5 ديسمبر 2022, 11:57:55 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

الانطباع العام يوحي بانه لا توجد في المملكة الأردية أي مشكلة حول النظرة للفلسطينيين، فهم لاجئون ينتظرون العودة لوطنهم، لكن العدو الصهيوني يحاول بين الفينة والأخرى اثارة الجدل موظفا الاختلاف حول نسبة الفلسطينيين في الأردن، ليبدأ بالاختلاف حول الأرقام، وينتهي بمحاولة إسقاط هذه النسب على مطالبات سياسية، لناحية احياء فكرة الوطن البديل في إطار تصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية.

وبغض النظر عن الأرقام إذا كانت تعطي الفلسطينيين نسبة 70% من السكان، أو 10%، وحتى لو كانت تبلغ 42% أو 65%.، فان هدف جميع اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان في العالم هي العودة الى ارض الإباء والاجداد والى ديارهم وبيوتهم التي هجروا منها، مهما تبوأ اللاجئون الفلسطينيون في مناطق اللجوء من مناصب رفيعة كرؤساء وزراء أو مستشارين او نواب في البرلمان.

من هنا فلا فائدة من محاولات تقسيم الفلسطينيين إلى أقسام، فسواء كانوا لاجئين هجروا من فلسطين عام 1948 وحصلوا على الجنسية الأردنية بموجب قرار وحدة الضفتين، أو كانوا نازحين حضروا بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، أو كانوا فلسطينيين تركوا الضفة الغربية لأسباب اقتصادية، فان ما يجمعهم هو الاجماع على أحد ثوابت القضية الفلسطينية وهو حق العودة الى فلسطين ولسان حالهم يقول لا بيت كالوطن.

إلا أن العدو الصهيوني لا يمل من محاولة اثارة قضية عدم حصول الكتلة الفلسطينية في الأردن على حقوقها السياسية وفقا لنسبتها، كبوابة لإثارة الفتنة والشقاق والنزاع مع اخوتنا الأردنيين، واثارة جدل وكأن المملكة تواجه خطرا ديموغرافيا فلسطينيا، الأمر الذي لا يخدم إلا الطرح الصهيوني، ما يفرض على قادة القضية الفلسطينية وفصائلها مواصلة بث رسائل الطمأنة للأردن نظاما وشعباً، من خلال:

- مواصلة التأكيد على أردنية الأردن ورفض حل الوطن البديل رفضا باتا، وأن الأردنيين والفلسطينيين شعب واحد من أجل الحق الفلسطيني.
- اتهام من يتحدث عن التفرقة واثارة التناقض بين الشعبين بخدمة نظرة الاحتلال بخصوص الوطن البديل ومشاريع التوطين.


التوظيف السياسي للنسب المتداولة حول أعداد اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، يجب ان يكون باتجاه إضافة هذه النسب قوة للقضية الفلسطينية، وقوة في إطار الصراع الديموغرافي مع العدو الصهيوني، وليس مصدر خطر على الأردن.

الأمر الذي يفرض على المملكة الأردنية أيضا توظيف نِسب اللاجئين والنازحين في إطار المطالبات بالحقوق التي نصت عليها وأيدتها القرارات الأممية، القاضية بتطبيق حق العودة، ومبادرة المملكة الأردنية بفتح هذا الطريق الواسع حتما سيمنع حدوث أزمة في المستقبل. يخطط لها العدو ويتمناها، بحيث ينقل العدو الصراع مع اللاجئين من معركة لتطبيق حق العودة، الى معركة للحصول على مزيد من التمثيل في الحياة السياسية في الأردن.

العدو الذي بدأ يدندن على هذا الوتر تخدمه عدة عوامل منها اصطدام العملية السلمية بالحائط، وضعف احتمالات تحقق العودة للفلسطينيين، لجهة إثارة مشاعر الخطر لدى الأردنيين الأصليين.


من هنا يمكننا فهم التوقيت الذي اختاره العدو للحديث عن نسبة الفلسطينيين في الأردن من أجل تكريس نظرية أن هناك أغلبية فلسطينية تعيش بالأردن وتحكمها أقلية شرق أردنية.
ما يضع المملكة الأردنية امام مسؤولياتها للحيلولة دون اندلاع ازمة قد تجد نفسها امام حالة يفرض فيها عليها التوطين، الأمر الذي قد يخلق صراعا بين اللاجئين الفلسطينيين وبين سكان الأردن الأصليين.

غني عن القول أن حكومة المملكة الأردنية ومعها منظمة التحرير وحتى الأونروا يمتنعون عن الإعلان عن الرقم الحقيقي للاجئين الفلسطينيين في الأردن، كما يمتنعون عن اجراء أي عملية احصائية لمعرفة تعدادهم الحقيقي، كل هذا من اجل منع اثارة العصبية القومية وخلق صراعات جديدة في الشارع، خاصة وان الذاكرة الجمعية ما زالت تحمل ندوب اثر أحداث أيلول الأسود عام 1970.

وهذا ما قصدناه بدعوة القادة والفصائل الفلسطينية لطمأنة الأردنيين، وتبديد مخاوفهم وهواجسهم، فالأردنيون كانوا أقلية أو أغلبية فالأردن للأردنيين، وأن اللاجئون الفلسطينيون لم ولن يفكرون يوما في مزاحمتهم في حكم المملكة، وأن الأردنيون والفلسطينيون يجب أن يشكلوا جبهة واحدة في مواجهة المخططات الصهيونية التي باتت تستهدف الساحة الأردنية على طريق انهاء القضية الفلسطينية.

ومن هذا المنطلق نوجه الدعوة للملكة الأردنية بفتح المجال واسعا للفلسطينيين للتعبير عن هويتهم من خلال لنضال السلمي في سبيل العودة لوطنهم وبيوتهم التي هجروا منها تطبيقا للمقررات الأممية.
موافقة الأردن على هذه المطالب الفلسطينية، حتما ستبدد المخاوف من نية الأردن التعاطي مع مشاريع توطين الفلسطينيين في الأردن من خلال جملة من الخطوات مثل:


- توسيع صلاحيات «دائرة الشؤون الفلسطينية» وأذرعها «لجان تحسين المخيمات».
- ومن خلال برنامج مشروع حزمة الأمان الاجتماعي.
ومن خلال التعاطي مع قضية اللاجئين في اتجاهات التوطين التي نصت عليها معاهدة وادي عربة والنظر إلى الفلسطينيين الموجودين في الأردن كشأن أردني داخلي.
- والبدء بتسليم مهام خدمات الأونروا الآخذة بالتقلص تدريجياً منذ توقيع اتفاق أوسلو، حيث انزاحت بمسؤولياتها تجاه اللاجئين من قضايا القوت والتشغيل إلى مشاريع السلام.

يتضح مما سبق أن بعض المسؤولين الأردنيين قد يميلون إلى وضع قضية اللاجئين في إطار مشروع إعادة التوطين كخيار لإعادة التوطين، وعلى الرغم من المعارضة الشديدة لما يسمى بـ "الحركة الوطنية الأردنية"، فقد أعربوا عن مخاوفهم بشأن التوازن الديموغرافي بين المواطنين الأردنيين من أصول مختلفة، فلسطينيين أو أردنيين، وبدلاً من ذلك، وجد النظام الأردني نفسه مهتماً بالحل النهائي على المسار الفلسطيني، بدءاً بالقدس والحدود، مروراً بالمياه والعلاقات الإقليمية، وانتهاءً بقضية اللاجئين، خاصة وأنه يريد الحصول على معظم التعويضات المتوقعة للاجئين في مشروع التوطين، والذي كان الملك الراحل حسين قد حدده سابقًا بأنه منسوب بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الأردن على ثلاثة مستويات، وهي:

1- تعويضات الأفراد مقابل الممتلكات والمزايا المتروكة في فلسطين خلال فترة التهجير.
2- تعويض الأردن عن أكثر من نصف قرن من الإنفاق على لاجئي فلسطين، في كل من البنية التحتية والخدمات.
3- يتم تقديم تعويضات للأردن لإعادة توطين اللاجئين في الأردن من أجل حياة منتجة والإعفاء من خدمات الأونروا من خلال إعادة البنية التحتية والتدريب وإعادة تأهيل حياتهم كما يحدث حاليا.

ولاحظ المراقبون أن الأونروا قد تنازلت عن العديد من وظائفها لصالح الدولة المضيفة، خاصة عدم إشراكهم في عملية تحسين وتطوير مخيمات اللاجئين، وقد أوكلت إلى "وزارة الشؤون الفلسطينية"، كما أشاروا إلى أن الدول المانحة خفضت مساعداتها ومساهماتها للأونروا واستبدلت بها منح ومساهمات للوكالة الحكومية الأردنية "وزارة الشؤون الفلسطينية" في إطار مخطط الضمان الاجتماعي.

سياسات الحكومات الصهيونية المتعاقبة، تجعل الأردن معرض لأزمات داخلية، في ظل تعرضه للضغط السياسي الأمريكي، والذي بات غير قادر على تحمل الضغوط المفروضة عليه لفترة طويلة.


علما أن تقدم الولايات المتحدة حوالي 1.6 مليار دولار كمساعدات للأردن كل عام، بينما هناك 15 قاعدة عسكرية على الأراضي الأردنية يتواجد بها (25000 جندي أمريكي).
شهدت المنطقة وما زالت تشهد تغيرات جوهرية على كل المستويات لم تكن ضمن التوقعات السابقة، فمنذ سنوات والعدو يردد وبأشكال مختلفة عبارات "الوطن البديل" و "الخيار الأردني"، بينما كان الأردن ولا يزال يرفض أي مشروع من شأنه تصفية القضية الفلسطينية بشكل حاسم لا يقبل التأويل.

غني عن القول أن أي حل يقضي على القضية الفلسطينية بشكل أساسي سيكون تهديدًا استراتيجيًا لكل من الأردن وفلسطين، ويبدو أن ما هو مقترح في ظل الحكومة الصهيونية الجديدة التي يقودها عتاة المتطرفين:


-  هو إعطاء الأردن السيادة على سكان الضفة الغربية وأمنها، وليس سيادة سياسية.
- وإعطاء الفلسطينيين للأردن رعايا بلا دولة، ولا استقلال، ولا أرض، وبلا قضية فلسطينية.

 

وبالتالي، تحل الأردن محل السلطة الفلسطينية في رام الله التي وظيفتها ضمان أمن الصهاينة الذين يتسيدون الضفة الغربية، والتي سيتم تقليص مساحتها لصالح المغتصبات بنسبة 30٪. تطبيقاً لصفقة القرن التي اقترحها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

تطبيق هذه الرؤية هو الأخطر على القضية الفلسطينية كما على الملكة الأردنية لن يتطلب أكثر من قرار من الحكومة الصهيونية والذي من المتوقع أن يحظى بأغلبية ساحقة في كل من الحكومة والكنيست.


وعليه قد نرى أن تهديد كيان العدو الحالي للأردن يجعله بين خيارين أحلاهما مر، فالكيان الذي يخوض صراع ديموغرافي يرغب بحله على حساب الأردن، ولكن بدعم وتمويل من الدول العربية المطبعة مع العدو الصهيوني.

فطبقا لمركز جافي الصهيوني للدراسات الاستراتيجية JCSS) ، فان طرح خيار الأردن مرة أخرى كبديل للسلطة الفلسطينية لجهة انهاء دورها الوظيفي، يبرز خيار الأردن لناحية توحيد الكيان الفلسطيني مع الأردن بعد انسحاب الكيان من جانب واحد مما تبقى من الضفة الغربية، وتسليم سيادتها الأمنية للأردن، ما يعني تحويل مشكلة سكان الضفة إلى الأردن، وتحويل المشكلة الديموغرافية إلى الأردن، ما يفرض على الاردن كمملكة ذات سيادة تتمسك بأردنيتها وترفض فكرة الوطن البديل، أن تحدد موقفها بكل جلاء ووضوح ، والعمل ومنذ الان على بناء جبهة موحدة لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي.

التوجهات الامريكية والصهيونية لإعادة رسم الخرائط السياسية للمنطقة وإعادة توزيع الأدوار من جديد بين دول المنطقة من أجل تصفية القضية، يفرض على الأردنيين والفلسطينيين على حد سواء الإسراع في بناء هذه الجبهة الموحدة، فان حجم المخاطر أعمق وأكبر من ان يواجهها كل طرف على حدة.

التعليقات (0)