- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
توفيق رباحي يكتب: عن هذا «الخبارجي» الذي أصبح ضيف شرف تبون
توفيق رباحي يكتب: عن هذا «الخبارجي» الذي أصبح ضيف شرف تبون
- 9 مايو 2023, 3:52:16 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
خالد درارني: اسم لا يوحي للناس خارج الجزائر بشيء. ولا يوحي بالكثير للجزائريين أيضا، عدا المهووسين بالصحافة والمسترزقين منها والراكبين على أنقاضها.
هو صحافي فصيح اللسان باللغتين، لكنه يفضّل العمل بالفرنسية لأن واقع الحال في الجزائر أن الصحافة بالفرنسية تفتح أبواب التطور والانفتاح على الخارج أكثر من المعرَّبة التي حوَّلوها إلى مرادف للتخلف المهني والبؤس المادي والذهني.
سطع نجم درارني في السنوات العشر الأخيرة كمذيع محلي باللغة الفرنسية ثم مراسل لمؤسسات إعلامية فرنسية مرئية ومسموعة. ثم تجاوزت شهرته الحدود عندما اعتقلته الشرطة وهو يصوِّر مظاهرات حراك 2019، والحكم عليه بالسجن النافذ ثلاث سنوات تراجعت بعد الطعن إلى نحو عشرة أشهر.
بعد خروجه من السجن أصبح درارني ممثلا لمنظمة «صحافيون بلا حدود» في الجزائر وتونس والمغرب. وقد وفّر له هذا الاختيار حماية من البطش الإداري والأمني الذي عادة ما يلاحق سجناء الرأي في الجزائر بعدما يُفرج عنهم.
لكن الذي زاد شهرة درارني هو عبد المجيد تبون عندما وصفه بـ«الخبارجي» أي العميل (بالجزائري: البيوع أو البيّاع). كان ذلك في أحد اللقاءات الدورية مع صحافيين جزائريين يتم انتقاؤهم بدقة للقاء تبون ويبث التلفزيون في وقت لاحق اللقاء مسجلا بعد أن تتصرف الرئاسة في مضمونه.
في تلك الليلة أصبح درارني الشاب الذي يُقسِّم الأوساط الإعلامية في الجزائر بين مَن تبنَّوا وصف «الخبارجي» بحماس، ومَن رفضوه واحتجوا عليه بالحد الأدنى (بسبب جو الترهيب والذعر المهيمن في البلاد).
نجح درارني في أن يثبت أن تجارب السنوات الأربع الماضية أكسبته نضجا وشعورا أكبر بالمسؤولية أبان عنه في مواقفه الحذرة وتصريحاته المتّزنة.
الأربعاء الماضي، وفي اليوم العالمي للصحافة، شارك درارني في حفل استقبال نظمه تبون للصحافيين والإعلاميين. مرة أخرى انقسمت الأوساط السياسية والإعلامية وانشغلت بنقاش مَن سجل هدفا في مرمى الآخر: تبون لدرارني بما أنه جلبه إلى بيت الطاعة وأجبره على الاعتراف بنظامه؟ أم درارني بما أنه أجبر تبون على الاعتراف به كصحافي وبمنظمة «صحافيون بلا حدود» بعد أن سجنه ووصفه بـ«الخبارجي» وأنكر عليه أن يكون صحافيا؟
سطع نجم درارني في السنوات العشر الأخيرة كمذيع محلي باللغة الفرنسية ثم مراسل لمؤسسات إعلامية فرنسية مرئية ومسموعة، ثم تجاوزت شهرته الحدود عندما اعتقلته الشرطة وهو يصوِّر مظاهرات حراك 2019
دافع درارني عن تصرفه بهدوء ورزانة على الرغم من الكمّ الهائل من الانتقادات والشتائم التي طالته من أوساط مهتمة بالشأن العام الجزائري ومن مجاهدي الفيسبوك. وفي هذا دليل على نضجه وتحليه بروح المسؤولية قبالة منصات الإعلام الاجتماعي الموغلة في التسطيح والأحكام الجاهزة والعنف وحتى الاغتيال اللفظي.
يستطيع تبون أن يتباهى بأنه انتصر على «الخبارجي» وفي ذلك وجهة نظر. ويستطيع درارني أن يبتهج بأنه أجبر جلاده على الاعتراف به وتهنئته باليوم العالمي للصحافة بعد كل الألم الذي أذاقه خلال السنوات الثلاث الماضية. وفي ذلك وجهة نظر أيضا.
في كل الأحوال لا يمكن فصل دعوة الرئاسة الجزائرية لممثل «صحافيون بلا حدود» إلى حفل تبون عن ظروف داخلية وإقليمية. أبرز ما هنالك أن تبون يستعد لزيارة باريس الشهر المقبل، وآخر ما تريده السلطات الفرنسية والجزائرية أن تُفسد «صحافيون بلا حدود» أجواء الزيارة ببيانات وربما تظاهرات. يكفي أن خصوم تبون من أنصار الحراك ومعهم منظمتا «رشاد» والـ»ماك» (الحركة من أجل استقلال القبائل) غالبا لن يتركوا الزيارة تمر دون التشويش عليها قدر ما يستطيعون. ولهذا يبدو أن التفكير سار في اتجاه كسب ود «صحافيون بلا حدود» لتخفيف قائمة الغاضبين والمحتجين الذين سيتربصون لتبون في باريس.
كما أن تبون مقبل على ولاية رئاسية ثانية يعتزم الترشح لها، لكنه لحد الآن لا يملك كل أوراقها. فالوضع الاجتماعي الداخلي ليس في أفضل أحواله مع استفحال البطالة والتضخم والارتفاع المهول في أسعار المواد ذات الاستهلاك الواسع (سعر البصل تجاوز خلال الأسابيع الماضية الـ300 دينار، نحو دولارين، أي عشرة أضعاف سعره الطبيعي).
والولاية الرئاسية الثانية تتطلب حدًا أدنى من التصالح مع المحيط من خلال تقليص قائمة الخصوم وأسباب التشويش عليها. والعلاقة مع الصحافة ودرارني ومن خلاله «صحافيون بلا حدود» إذا ما كانت سيئة، تصبح مصدر تشويش.
النقاش حول دعوة تبون لدرارني واستجابة الأخير لها يشبه النقاش حول مَن سبقت الأخرى، الدجاجة أم البيضة. بالإمكان أن نتجادل فيه عاما كاملا ولن نتفق على نتيجة. لكنه في حقيقة الأمر نقاش هامشي يُخفي وراءه قضايا أهم وأخطر، ويخفي مدى العجز عن الخوض فيها لأسباب متعددة أبرزها انعدام أطر النقاش الجاد وغياب الشجاعة المعنوية لخوض ذلك.
النقاش الحقيقي يجب أن يكون حول حال الصحافة الجزائرية التي تتعرّض للإبادة منذ 2020.
ويجب أن يكون حول ما أصاب الصحافة في الجزائر من بؤس وتصحر.. وحول كون النظام الجزائري، بغض النظر عمَّن يحكم، لا يعترف بالصحافة والصحافيين، بل يريد طبَّالين وزمَّارين يهرجون في أفراحه.. وحول عجز هذا النظام عن استيعاب خطورة تغييب صحافة قوية في البلاد، وأن تدجين الصحافة نقمة عليه قبل غيره وعلى البلاد كلها، لا نعمة.
لو حضر نقاش من هذا النوع، ما كان أحد سيتوقف عند دعوة تبون لدرارني وهل رفضها الأخير أم قبلها، لأنها عندئذ تكون تفصيلا هامشيا في قصة أكبر وأكثر فائدة للبلاد.