- ℃ 11 تركيا
- 2 نوفمبر 2024
دبلوماسية واتساب.. هكذا تغير تطبيقات التراسل علاقات الدول بعصر ما بعد كورونا
دبلوماسية واتساب.. هكذا تغير تطبيقات التراسل علاقات الدول بعصر ما بعد كورونا
- 25 أبريل 2023, 10:14:58 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
سلطت الباحثة، جوزي بيلايو، الضوء على التغيير الذي أحدثه تطبيق التراسل الفوري الأشهر عالميا، واتساب، على المستوى الدبلوماسي في فترة جائحة كورونا وما بعدها، مشيرة إلى أن هذا التأثير الطاغي للتطبيق يفرض تحديات على الولايات المتحدة الأمريكية.
وذكرت جوزي، في تحليل نشرته بموقع مؤسسة "المجلس الأطلسي" البحثية، وترجمه "الخليج الجديد"، أن الوباء علق الحياة في جميع أنحاء العالم، وكان على الحكومات، مثل جميع الشركات الأخرى، التكيف مع الوضع الجديد، عبر محاكاة افتراضية للنشاط الدبلوماسي، وهو ما جرى في الشرق الأوسط تزامنا مع تحول كبير عززته الجهود الدبلوماسية التي أدت إلى توقيع اتفاقات إبراهيم بين إسرائيل و3 دول عربية.
وأضافت أن واتساب، أصبح على مدى السنوات القليلة الماضية، أداة بناء الجسور العابرة للحدود التي يستخدمها أكثر من ملياري مستخدم على مستوى العالم، ووسيلة رائدة لرجال الدول، حتى أصبحت "دبلوماسية التطبيق" أداة الأمر الواقع لتسهيل الاتصالات بين المسؤولين الحكوميين، خاصة في الشرق الأوسط.
وأشارت إلى أن القيود المادية، التي فرضتها جائحة كورونا، قادت إلى تسريع استخدام واتساب في تسهيل الاتصالات الثنائية ومتعددة الأطراف، ما يجعله، مع نظرائه من تطبيقات المراسلة مثل سيجنال وتليجرام، أحد مراكز التواصل المؤثرة في علاقات قادة العالم ببعضهم البعض.
ففي القنوات المشفرة لواتساب، يشعر الدبلوماسيون بحرية أكبر في تشكيل مجموعات وتبادل الرسائل و"الوسائط" فيها، وينسقون الاجتماعات، ويضعون الاستراتيجيات مع زملائهم، وينشئون "تحالفات غير رسمية"، ويمارسون الضغط لدعم مواقف بلدانهم، ولتنسيق القرارات السياسية فيما بينهم.
وفي عام 2023، أقرت وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية (FCDO) باستخدام الدبلوماسيين البريطانيين لواتساب، بمن فيهم وزير الخارجية السابق، دومينيك راب؛ لإجراء أعمال رسمية بدلاً من منصات الاتصالات الحكومية المشفرة.
وفي ظل حكومة بوريس جونسون (2019-2022)، حلت مراسلات واتساب محل رسائل البريد الإلكتروني والاجتماعات الرسمية، خاصة خلال أوقات الذروة من جائحة كورونا، وأصبحت الكثير من عمليات صناعة القرار تجري من خلاله.
واتساب في الشرق الأوسط
وفي الشرق الأوسط، أصبح واتساب أحد المنصات المهيمنة على الاتصالات اليومية، وهناك اعتماد قوي ومتزايد عليه في اتصالات قادة الحكومات الأجنبية.
ففي الخليج، حيث يقدر المجتمع والقادة العلاقات العميقة والشخصية القائمة على الثقة الراسخة، يلعب واتساب دورًا مهمًا في بناء العلاقات المهنية مع الحكومات الأخرى.
وكان التأثير الأبرز للتطبيق في عهد إدارة الأمريكي السابق، دونالد ترامب، حيث اعتمد مستشار البيت الأبيض آنذاك، جاريد كوشنر، على تطبيقات المراسلة الفورية في إقامة علاقة قوية مع قادة الخليج.
وبنى كوشنر علاقات شخصية واستراتيجية مع القادة الإماراتيين والسعوديين من خلال واتساب، ما ساعد على تمكين مشاركة أوثق، وأدى إلى نجاحات مهمة في السياسة الخارجية، بينها اتفاقيات إبراهيم 2020.
ومنذ مغادرته البيت الأبيض، احتفظ كوشنر بإمكانية الوصول إلى علاقاته السابقة، واستخدمها لتأمين استثمار بقيمة ملياري دولار من صندوق الثروة السيادية السعودي لشركته الجديدة للأسهم الخاصة.
وعقدت قمة النقب بإسرائيل، في مارس/آذار 2022، وكانت أول قمة عربية إسرائيلية متعددة الأطراف لوزراء الخارجية، الذين اجتمعوا في غضون أيام بمبادرة من وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، يائير لابيد، عبر سلسلة محادثات واتساب مع نظرائه العرب.
تحديات تطبيقات التراسل
غير أن جوزي تشير إلى أن استخدام واتساب، أو منصات مماثلة للأغراض الدبلوماسية، لا يخلو من مخاطر، مشيرة إلى أن الانتشار الكبير لهذه التطبيقات فرض تحديات على الحكومات حول العالم، خاصة فيما يتعلق بمدى كفاية قدراتها الأمنية للحفاظ على سرية المناقشات الحساسة بين المسؤولين الحكوميين.
فرغم اعتماد تشفير رسائله، يجمع واتساب المعلومات الخاصة بالهواتف النقالة وعناوين IP وأسماء الملفات الشخصية والصور ومعلومات الاستخدام، التي يشاركها مع الشركات الأخرى المملوكة لشركة "ميتا"، بما في ذلك فيسبوك، وهو موقع التواصل الاجتماعي المشهور بفضائح خصوصية البيانات.
تمثل تحديات أخرى للدبلوماسية الرقمية، مثل أمن البيانات وقضايا الشرعية، تحديًا آخر في عام 2023، إذ سمحت المحكمة العليا الأمريكية لشركة ميتا برفع دعوى قضائية ضد أنشطة برنامج التجسس الإسرائيلي "بيجاسوس"، بعدما طالبت شركة NSO، المطورة له، بـ "الحصانة السيادية" نيابة عن حكومات أجنبية مجهولة الهوية.
وأفادت التقارير بأن NSO، المدرجة الآن على القائمة السوداء لإدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، استغلت خطأ في واتساب لتثبيت برنامج التجسس بهواتف معارضين سياسيين.
وتؤكد عبارة "Government by Whatsapp" أيضًا على التحديات الواضحة التي تواجه حفظ السجلات العامة والشفافية في واتساب، إذ يستخدم المسؤولون تطبيقات المراسلة للتبادلات الحساسة على الأجهزة والحسابات الشخصية أو الصادرة عن الحكومة.
وإزاء ذلك، فإن الاعتماد الآمن على "الدبلوماسية الرقمية" يتطلب خطوات لمعالجة المعايير القانونية لاستخدام منصات الاتصالات غير الحكومية، مثل واتساب، ووضع مبادئ توجيهية واضحة لاستخدامها، حسبما ترى جوزي، مشيرة إلى أن دولا، مثل المملكة المتحدة، اتخذت بالفعل خطوات لتحديد الإرشادات الرسمية بشأن استخدام واتساب للأعمال الحكومية.
وإضافة ذلك، تشير جوزي إلى ضرورة دمج تطبيقات المراسلة بشكل أكثر وضوحًا وفعالية في العمليات البيروقراطية الحالية لضمان التنفيذ والمتابعة القوية عبر جميع المستويات الحكومية.
ومن شأن التنظيم الرسمي لاستخدام واتساب وتطبيقات التراسل الأخرى في العمل الحكومي والدبلوماسي أن يردع استخدامها للتنسيق "الشخصي" بين صانعي السياسات، وأن يضمن الشفافية اللازمة، بحسب جوزي، التي دعت إلى أن تكون مراسلات هذه التطبيقات مشمولة بقانون حرية المعلومات الأمريكي، وقانون السجلات الرئاسية، وقانون السجلات الفيدرالية، تمامًا مثل البريد الإلكتروني وغيرها من أنواع الاتصالات الحكومية الرسمية.
فتطبيقات التراسل التي تدعم التشفير تخدم الجمهور والأمن القومي، و"لكن يجب أن تكون الخصوصية متوازنة وقادرة على التعايش مع قوانين الكشف العلني للمعلومات حسب الحاجة" حسب رأي الباحثة بالمجلس الأطلسي.
تطبيقات بديلة
وأشارت إلى أن بعض فروع الإدارة الأمريكية بدأت بالفعل في إجراء الانتقال إلى تطبيقات التراسل، إذ اشترت وزارة الدفاع الأمريكية والجمارك وحماية الحدود الأمريكية مؤخرًا تراخيص لتطبيق المراسلة المشفر من AWS و"ويكر"، ما يوفر اكتشاف التكنولوجيا الإلكترونية والاحتفاظ غير المحدود بالبيانات، وبالتالي يسمح بجمع المعلومات المخزنة إلكترونيًا في حالة وجود دعوى قضائية أو تحقيق.
وإزاء ذلك، ترى جوزي ضرورة بدء الإدارة الأمريكية بالتفكير فيما يتجاوز الأساليب التي يمكن من خلالها تقديم الخدمات، والتركيز بدلاً من ذلك على أنواع الخدمات التي يمكن تقديمها من خلال نظام أساسي رقمي يدعم توحيد حساب واتساب تم التحقق منه أو تطبيق حكومي أمريكي رسمي يحاكي ميزات واتساب.
وأشارت إلى أن خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية (USCIS) تحتاج بشكل عاجل إلى نماذج جديدة لتقديم الخدمات وقنوات اتصال محسّنة مع الجمهور، ويمكن لتطبيق الحكومة الأمريكية المستقبلي، المصمم على غرار واتساب، أن يربط العملاء الذين يدفعون رسومًا عالية والذين يواجهون حالات الطوارئ مع مسؤول الهجرة في USCIS بدلاً من الاعتماد على الدردشة الروبوتية أو وكيل غير قادر على اتخاذ أي قرارات.
وتخلص جوزي إلى أن "دبلوماسية واتساب" تقدم نموذجًا جديدًا لملء فجوات القطاع العام وتجاوز الروتين، بشرط القدرة على تحقيق التوازن بين الخصوصية والشفافية.