د. إبراهيم عورتاني يكتب: قرار اتهام نتنياهو وغالانت من المحكمة الجنائية الدولية فخ ومحاولة لتبرئة الكيان

profile
  • clock 23 نوفمبر 2024, 11:52:39 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

بخصوص مذكرة المحكمة الجنائية الدولية الجديدة لجلب نتنياهو وغالانت للتحقيق، فإن هذه المذكرة مسيسة تمامًا وليست مذكرة بريئة، هدفها تلبيس نتنياهو وغالانت الجرائم بدلاً من تلبيس الكيان الصهيوني إياها.

أولاً: لا يوجد لهذه المذكرة أي قيمة قانونية للفلسطينيين، خصوصًا أن ما يواجهه الفلسطينيون، وبالأخص أهلنا في غزة، قد تجاوز بمراحل كثيرة ما تصنفه المحكمة الجنائية الدولية في مذكرة الاعتقال.

المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن لم تتجاوز تعريفها لتهم الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي سوى أنها "يمكن أن تشكل" جرائم حرب. أي أنها لا تعترف حتى الآن بأنها تمثل جرائم حرب، وهنا يكشف التعويم في الصياغة عن اللعبة منذ البداية.

ثانيًا: لم يتم اعتقال أي شخص ممن تم توجيه مذكرة اعتقال بحقهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية. إلا إذا كانت إدارة ترامب السابقة قد أوصلت إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية أن الإدارة الأمريكية لا تعارض إصدار المذكرة، وبالتالي ترغب الإدارة الأمريكية الحالية في تقديم نتنياهو وغالانت ككبش فداء لجريمة الإبادة الجماعية وإغلاق الملف.

ثالثًا: من الواضح أن هناك شيئًا يدبر، خصوصًا أن المذكرة أُصدرت في وقت متزامن مع مطالبات بأن يمثل نتنياهو أمام المدعي العام الإسرائيلي للتحقيق في تهم الفساد. وبالتالي، سيتم التحقيق معه بدون حصانة. وإذا تمكن نتنياهو من الإفلات من تهم الفساد، يمكن، وفقًا للقانون، أن يصدر المدعي العام الإسرائيلي قرارًا بتسليمه إلى لاهاي لأنه مطلوب بتهم جرائم حرب، أو ربما يقرر المدعي العام الإسرائيلي أن ينفذ التحقيق بنفسه مع نتنياهو وغالانت، لأن القانون الإسرائيلي يعتبر القضاء الوطني مكملًا للقضاء الدولي.

حيث أن المحكمة الجنائية الدولية لا تحل محل المحاكم الوطنية، فهي محكمة الملاذ الأخير. والمسؤولية الأساسية في التحقيق في أخطر الجرائم ومقاضاة المسؤولين عنها ومعاقبتهم تعود إلى الدول. فلا تتدخل المحكمة إلا إذا كانت الدولة التي ارتُكبت فيها الجرائم الخطيرة غير راغبة أو غير قادرة على القيام بذلك.

وفي هذه الحالة، يستطيع المدعي العام الإسرائيلي أن يعلن أنه سيقوم بمهمة التحقيق في جرائم الحرب نيابة عن المحكمة الجنائية الدولية.

وهكذا، يتم تنظيف صورة إسرائيل، خصوصًا أن القضية قد تم تحريكها من قبل المحكمة الجنائية وبدأت المحاكمة داخل إسرائيل.

رابعًا: المحكمة الجنائية الدولية لا تجرم الدول وإنما الأفراد والمسؤولين فيها، وتحصر المسؤولية القانونية في الحرب على الشخصيات المتورطة، معتبرة إياهم قد خرجوا عن القانون. وبالتالي، يمكن أن يتم إخراج السيناريو والتعاون مع المدعي العام الإسرائيلي للتخلص من نتنياهو وغالانت، وفي نفس الوقت تبرئة دولة إسرائيل وكل الدول التي شاركتها من تهم الإبادة. وبهذه الطريقة، يتم غلق ملف جريمة الإبادة الجماعية بتقديم مسؤولين عنها، وإبعاد تهمة الإبادة الجماعية عن دولة إسرائيل.

بينما الواقع هو أن هذا ليس الموقف الحقيقي وما يجب أن يحصل.

ما يحاولون فعله الآن هو لعبة هدفها إغلاق الملف قبل صدور قرار قضائي من محكمة العدل الدولية بشأن جريمة الإبادة الجماعية، التي تختلف اختصاصاتها عن المحكمة الجنائية الدولية، خصوصًا فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية التي أقرت المحكمة حدوثها في قرارها التمهيدي المستعجل بوقف جميع الإجراءات، وهو القرار الذي رفضت إسرائيل والدول الداعمة لها الانصياع له.

وقرار محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية ملزم وغير قابل للطعن، ويفرض على جميع القضاء في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بلا استثناء.

على العموم: المحكمة الجنائية الدولية تحاكم الأفراد فقط، ولا تملك القدرة على اتهام دول، بل الأفراد المسؤولين فيها الذين يحملون الصفة الرسمية وارتكبوا تلك الجرائم. المسؤولية القانونية تقع عليهم، ولا يترتب على الدولة نتيجة لهذه الأحكام أي تعويضات مدنية. بينما محكمة العدل الدولية هي المحكمة المختصة بالنظر في جريمة الإبادة الجماعية في غزة، وسوف تحاكم إسرائيل كدولة، بالإضافة إلى الكيان، الجيش، المجتمع، وكل الدول والأنظمة والحكومات التي ساهمت وشاركت وتواطأت في استمرار جريمة الإبادة الجماعية طوال الأشهر الماضية. 

بالتأكيد، أمريكا وألمانيا وفرنسا ومعظم الدول التي ساعدت الكيان بالسلاح، وكذلك بعض الدول العربية التي ساهمت بالحصار والسلاح، مثل مصر، والتي شاركت في جريمة الإبادة الجماعية بتسهيل نقل باخرة أسلحة ومتفجرات، ستكون متهمة كدولة شريكة، وكذلك حصارها لغزة منذ 17 عامًا، حيث أن الحصار يُدرج ضمن ملف جريمة الإبادة الجماعية لتورطه في تصنيف وتعريف الإبادة الجماعية.

أيضًا، السعودية التي سلمت وقودًا يُستخدم للدبابات والطائرات التي تستخدم في جريمة الإبادة، وكذلك الأردن والإمارات ومصر التي كانت أراضيهم ممرات بريّة وبحرية، وقاموا بتزويد الكيان بكل ما يحتاجه المجتمع من غذاء وأدوية ومستلزمات من خلال شركات وأفراد وبمباركة الحكومات، كل هؤلاء يساهمون في استمرار جريمة الإبادة الجماعية.

وبالتالي، حكم محكمة العدل الدولية بشأن الإبادة الجماعية سيؤسس لقواعد قانونية ملزمة، وستكون أرضية قوية لمحاكمات فرعية ضد الدول والحكومات المشاركة. هذا سيفتح باب الحق العام لكل فرد متضرر أو من يمثله أن يحاكم الدول والحكومات داخل قضائها الوطني ويقاضي الحكومات والشركات والأفراد الذين ساهموا وشاركوا وتواطأوا في جريمة الإبادة الجماعية. أولهم أمريكا ودول أوروبا ومصر والإمارات والسعودية وشركاتهم، وكل من مجد وساند جريمة الإبادة الجماعية عبر وسائل الإعلام سيكون عرضة للملاحقات القضائية الفعلية.

وبالتالي، تعظيم وتضخيم مذكرة الجلب الدولية ضد نتنياهو وغالانت هو ترويج وتسويق لخط أقل ضررًا بكثير من خط محكمة العدل الدولية، وهو محاكمة الجنائية الدولية لنتنياهو وغالانت كأفراد مسؤولين عن ما قد يحتمل أنه جرائم حرب (أي أن حتى توصيفهم القانوني غير معترف به كجرائم حرب، وذلك لتخفيف وطأة الاتهام). وبالتالي، يصبحون كبش فداء لتخفيف حدة اتهام إسرائيل وإبعادها، وكذلك إبعاد الدول الغربية والعربية التي ساهمت وشاركت وتواطأت في هذه الجريمة، كما يتم إبعاد شبح تأسيس حكم قضائي من محكمة العدل الدولية قد يؤدي إلى تأسيس أرضية قانونية لطلب تعويضات مالية قد تضر بالكثير من الدول.

* محامي دولي - جنيف، سويسرا


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)