- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
د. ناصر محمد معروف يكتب: دماء الشهداء إلى أين؟
د. ناصر محمد معروف يكتب: دماء الشهداء إلى أين؟
- 12 مارس 2023, 5:58:08 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
موجات الشهداء: خلف كل موجة، عِزّةٍ وكرامة!!!
لقد جرت العادة أنَّ الله لا يضيعُ عمل العاملين، لذلك، فكلما قام هذا الشعب بهبَّةٍ، وقدَّم الشهداء، نظر الله إليهم بعين الرحمة، وثَلَمَ ثلْمةً كبيرةً في صخرة الاحتلال، وكلُّنا يعلم أنَّ قوة الإحتلال اليوم ليست كقوته أمس، وهكذا...، وفي كل مرحلة تُثْلَمُ ثلْمة في صخرة عدوّنا، وتزداد تَحَطُّمَاً، حتى رأينا كيف يُسَطِّرُ المجاهدون البطولات والانتصارات، ورأينا كيف أن عدوّنا يتجرَّأ على كلّ الشعوب حولنا، ويقف ألف مرة عندنا، وهو إن كان لا زال يملك الترسانة الحربية، فإنه فقد الإرادة والمبادرة، وفي كل مرّة نتقدمُ خطوة، ويتراجع هو خُطَىً.
المقال كاملا:
خلق الله الخلق، وخلق الخير والشر، ووضع للخلق منهجاً في الأرض، مضمونه: إفعل هذا ولا تفعل هذا، وكان مما أمر به أن يعمل الناس على أن يكون منهج الله هو الظاهر في الأرض، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33]، وهذا يتطلب أن يكون أناسٌ يعملون للباطل، ويُؤَلِّهُون غير الله، وهؤلاء حتماً سَيُعِيقُهُم المصلحون، ولذلك فلا بُدَّ من إزاحتهم، فتحدُث المواجهةُ بين الفريقين.
وهذا بالطبع لا يعني أن تزال المناهج المخالفة، إنما أن تكون الكلمة لله ودينه هو الظاهر، ومن هنا يَظلُّ الصراع بين الحقِّ والباطل، وهذا هو الإختبار، وبدونه لن يتميز الخبيث من الطيب.
وقد جرت سنّة الله في الكون أن يعلو الباطل كلَّما تقاعس الحقّ، وهنا يعاقب الله المقصرين في الدنيا، بأن يسلط الله عليهم عدوهم، قال النبيﷺ: (ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم) ابن ماجة، وإن هذا التسليط من الأعداء، وكذلك البأس وهو أن ينشغل بعض المسلمين ببعض، ويعادي بعضهم بعضاً، ويظل هذا الحال حتى يرجعوا إلى دينهم.
والرجوع إلى الدين لا يكون بمجرد الأقوال، إنما لا بد من إثبات صدق القائلين، فقد طالب جيلٌ صالحٌ من نبيهم القتال، {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [البقرة: 246]، وبعد أن كانوا ثمانين ألفاً لم يصمد سوى (319 رجلاً) وهم الذين فتح الله على أيديهم وأظهر هذا الدين على أيديهم.
والرجوع إلى الدين لا يثبته إلا أن تكون الروح رخيصة في سبيله، فمن عزت روحه ذلَّ، ومن ضحَّى بها عزَّ وفاز، وقد انحرف قومٌ بأن قال الله لهم: {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: 93]، فلما تغلغل حب العجل كأنَّ عروقهم رُوِيَتْ منه، أي: رُوِيَتْ بتعلقها بأي أمرٍ من أمور الدنيا، هنا حكم الله عليهم بسبب ذلك، وقال: {إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 54].
وإن من رحمة الله سبحانه، أنه لم يطالبنا بما طالبهم، إنما أمرنا أن نجاهد عدونا، وجعل ذلك كفَّارة لنا، فقال: (للشهيدِ عندَ اللهِ ستُّ خصالٍ : يُغفرُ لهُ في أولِ دفعةٍ، ويَرى مقعدَهُ منَ الجنةِ، ويُجارُ منْ عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ على رأسِهِ تاجُ الوقارِ، الياقوتةُ منها خيرٌ منَ الدنيا وما فيها، ويُزوَّجُ اثنتينِ وسبعينَ زوجةً من الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ منْ أقاربِهِ) الترمذي.
وقد مرَّ شعبنا بمراحل تَاهَ فيها وضيَّع الكثير، وغلبته الشهوات، فسلط علينا هذا العدو المجرم، وجعل خلاصنا بمقارعته، وجهاده، ولن يزول طغيانه عنّا إلا بمقارعته، وهذا حتماً سيكون فيه إزهاقٌ لأرواحنا، لكنه طريقٌ للعزة والكرامة، وحتى يُعْلِمنا ويُحَبِنا في ذلك قال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111.].
لقد جرت العادة أنَّ الله لا يضيعُ عمل العاملين، لذلك، فكلما قام هذا الشعب بهبَّةٍ، وقدَّم الشهداء، نظر الله إليهم بعين الرحمة، وثَلَمَ ثلْمةً كبيرةً في صخرة الاحتلال، وكلُّنا يعلم أنَّ قوة الإحتلال اليوم ليست كقوته أمس، وهكذا...، وفي كل مرحلة تُثْلَمُ ثلْمة في صخرة عدوّنا، وتزداد تَحَطُّمَاً، حتى رأينا كيف يُسَطِّرُ المجاهدون البطولات والانتصارات، ورأينا كيف أن عدوّنا يتجرَّأ على كلّ الشعوب حولنا، ويقف ألف مرة عندنا، وهو إن كان لا زال يملك الترسانة الحربية، فإنه فقد الإرادة والمبادرة، وفي كل مرّة نتقدمُ خطوة، ويتراجع هو خُطَىً، وهذا يراه القاصي والداني، وعليه فإن دماء شهداءنا وإن كانت تُحْزِنُنا إلا أنها تحيي نفوساً، وتقدمنا خطوات، وتحقق أهدافاً، وكل يوم نزداد جرأةً وقوةً وتطوراً، ويزدادُ عدونا تأخراً، ولذلك وجب علينا أن نضحي ليسعد أولادنا، وتسعد الأجيال من بعدنا، ويَظْهَرُ دين الله من جديد.