- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
صادق الطائي يكتب: عواصف العراق الترابية بين العلم ونظريات المؤامرة
صادق الطائي يكتب: عواصف العراق الترابية بين العلم ونظريات المؤامرة
- 23 مايو 2022, 4:37:06 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
التغيرات البيئية التي حدثت منذ حوالي ثلاثة عقود في العراق، جعلت العراقي يعيش جوا كابوسيا لا يعرف سببه، إذ ألقى البعض المسؤولية على عاتق السياسات الحكومية الفاشلة التي نخرها الفساد، والتي تسببت في استفحال ظاهرة الجفاف والتصحر التي تزحف على العراق بشكل متزايد ومرعب. بينما لجأ البعض للتعاطي مع ظاهرة العواصف الترابية، كالمعتاد، بوصفها إشارات، أو رسائل دينية ماورائية نتيجة الغضب الإلهي، وبالتأكيد كان لنظريات المؤامرة حصة كبيرة في تفسير الأمر.
الأسباب العلمية لظاهرة العواصف الترابية يمكن أن نطلع عليها في التصريحات الحكومية الرسمية، التي حاولت أن تشرح الأمر، مثال ذلك ما جاء على لسان وكيل وزير الزراعة ميثاق عبد الحسين، الذي قال في تصريح إعلامي: “إن قلة التخصيصات المالية، وتأخر إقرار الموازنة، هما من العوامل التي أسهمت في تأخر تنفيذ بعض الخطط الخاصة بمكافحة التصحر وتثبيت الكثبان الرملية”. وأضاف أن “شح الأمطار أيضا أدى إلى الجفاف وقلة الغطاء النباتي، خصوصا في المناطق المكشوفة في صحراء غرب العراق، وهي ممتدة إلى دول مجاورة أيضا، وبدأت تشكل ظاهرة مناخية حادة، ما يقتضي جهدا مشتركا مع جيراننا لمكافحة هذه الظاهرة”. كما بين ميثاق عبد الحسين: “أن الارتفاعات العالية للعواصف الغبارية تجعل الأحزمة الخضراء محدودة التأثير في التصدي لها أو تقليل أثرها”.
أما المدير العام للدائرة الفنية في وزارة البيئة العراقية المهندس الاستشاري عيسى الفياض، فقد حذّر من تزايد العواصف الرملية، خصوصا بعد ارتفاع عدد الأيام المغبرة إلى “272 يوما في السنة لفترة عقدين”. ورجح “أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة عام 2050”. بمعنى أن العراقي سيعيش عشرة أشهر من العواصف الترابية كل عام مقابل شهري الشتاء الخالية من الاختناق بالعواصف الترابية! وبحسب الدائرة الفنية في وزارة البيئة تمثل زيادة الغطاء النباتي وزراعة غابات بأشجار كثيفة تعمل كمصدات للرياح أهم الحلول اللازمة لخفض معدل العواصف الرملية. وبما أن العواصف الترابية باتت تمثل موضوعا خطيرا يهدد حياة الناس وصحتهم وتعليمهم ونقلهم في العراق، إذ تتعطل الرحلات الجوية، ويتوقف العمل في المؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات مع اشتداد العواصف الترابية، لذلك فُتحت شهية العراقيين للاعتقاد بالأسباب الماورائية للظاهرة، كما فُتح الباب على مصراعيه لأنواع مختلفة من نظريات المؤامرة لتفسير الظاهرة. وقد كتب الباحث الإسلامي السيد مضر الحلو على صفحته في الفيسبوك معلقا على الظاهرة فقال “كثرت تفسيرات ظاهرة الغبار المتكررة عندنا، سلبية تارة وإيجابية أخرى. فهي تارة فضيلة من فضائل الإمام علي بن أبي طالب امير المؤمنين (ع) باعتباره (ابو تراب) فجاء التراب ليطوف حول أبيه، كما ورد في ابيات متداولة. وتارة هم جنود أرسلهم الله ليقضي على الفيروسات والجراثيم في بلادنا. وثالثة أرسل الله الغبار إلى بلادنا ليطهر تربتها مما علق بها من إشعاعات نووية جراء الحروب، ورابعة أن الأرض تتهيأ لاستقبال ضيف عزيز وهو الإمام المهدي الحجة المنتظر(ع)، وخامسة آية من آيات الغضب الإلهي علينا لاسرافنا في المعصية”. كما تعكزت بعض التفسيرات الغيبية على أكاذيب تم نسبها لكتب تاريخية شهيرة مثل مقدمة ابن خلدون، إذ انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي منشور مفاده: “ذكـر أن الأرض بـعـد تقلب الفصول مـن فصل إلى فصل، أي من الـشتـاء إلى الصـيف، تـبـدأ بلفظ أمراض وحشـرات لو تركت لأهلكـت العالم، فيرسل الله الغبار فتقوم هـذه الأتـربة والغبار بقتلها. ويتراوح حجـم حبة الرمل بحسب الحشرة فبعضها صغير يدخل عينيها وبعضها يدخل أنفها وبعضها في جوفها وبعضها في أذنيها وتميتها”. والحقيقة هي أن هذا النص لم يرد فــي مقدمة ابن خلدون. كما أن نظريات المؤامرة التي انتشرت بشكل ملحوظ لتفسير ظاهرة العواصف الترابية في العراق تراوحت بين البسيط الساذج، والمعقد المغلف بالمعطيات العلمية، ومثال النوع الساذج انتشار فيديو على منصات التواصل الاجتماعي بشكل كبير لماكنة تثير الغبار، مرفق بكلام يوجه الاتهام للسعودية بأنها هي من يقف وراء حدوث ظاهرة العواصف الترابية في العراق، لكن خدمة وكالة “فرانس برس”، لكشف الأخبار المزيفة، كانت سباقة للكشف إذ أشارت إلى أن الفيديو لا علاقة له بالسعوديّة، ولا العراق، فهو يصوّر أسلوباً معتمداً في موسم الحصاد الزراعي في دولة البرازيل. وقاد تحقيق “فرانس برس”، بعد تقطيع الفيديو إلى مشاهد ثابتة إلى أنّه منشور في آب/ أغسطس 2019، وبثته قناة برازيلية عبر موقع “يوتيوب” تعنى بالقطاع الزراعي في المناطق الريفيّة، والفيلم يوثق إحدى التقنيات المعتمدة في الحصاد إذ تقوم الجرارات بجمع الحبوب ومعها الحصى والتراب، ومن ثم يقوم نظام من المراوح والمصافي بفصل الحبوب عن الشوائب، فترمى الأخيرة خارج الجرارات ما يشكل موجة أتربة محدودة التأثير.
وبما أن العواصف الترابية باتت تمثل موضوعا خطيرا يهدد حياة الناس لذلك فُتحت شهية العراقيين للاعتقاد بالأسباب الماورائية للظاهرة
أما نظريات المؤامرة المعقدة والمغلفة بغطاء من “العلم الزائف” فقد تمثلت في ما يعرف بنظرية (غاز الكيمتريل) وربطه بمشروع (HAARP) الأمريكي للتحكم بالمناخ، إذ تدعي هذه النظرية أن الجيش الأمريكي استعمل “غاز الكيمتريل” كسلاح في المنطقة، وتصفه بأنه من أخطر أسلحة الدمار الشامل وأشدها فتكا، وهو السلاح المعول عليه في إحداث الدمار المناخي. وربط نظرية المؤامرة بين هذا الغاز وما يعرف بمشروع (HAARP) للتحكم بالمناخ. ويعزز مروجو هذه النظرية طروحاتهم بالقول:” لا بد من العودة إلى سنوات مضت، حين سمحت المملكة العربية السعودية لخبراء أمريكيين بتخزين (غاز الكيمتريل) في إحدى القواعد العسكرية الأمريكية المتاخمة للحدود العراقية، ما يؤكد أن الولايات المتحدة قد شرعت باستخدامه في المنطقة بشكل واسع، لذلك نحن مقبلون على كوارث طبيعية مدمرة”. كما تم ترويج معلومات مفادها أن “دائرة الأنواء والرصد الزلزالي التابعة لوزارة النقل العراقية، أعلنت أنها تمتلك أدلة تثبت أن التغيرات المناخية في البلاد هي بفعل فاعل وليست أمراً طبيعيا، وذكرت أن خبراءها استطاعوا بعد جهود مضنية، وعلى مدى أكثر من خمس سنوات من الحصول على الأدلة الدامغة التي تثبت تورط الولايات المتحدة بالتحكم بالمناخ العراقي، وتأكيدها وجود طاقة صناعية تم توجيهها عبر مركز الأبحاث في مجال الترددات العليا “للشفق القطبي الشمالي” واختصاره مشروع هارب (HAARP) باعتباره المركز الوحيد القادر على افتعال زلازل وفيضانات وأعاصير ورفع وخفض درجات الحرارة لتبدو وكأنها طبيعية”. وقد فند العديد من المؤسسات العلمية العالمية الجزء الأول من نظرية المؤامرة المعروفة باسم (غاز الكيمتريل) وهو بحسب الوصف غاز شبيه بخطوط الضباب المتشكلة خلف الطائرة المحلقة، إذ لاقت الأفكار المنتشرة لهذه النظرية رفضاً من المجتمع العلمي في العالم، الذي نص على أنها ليست سوى دخان طائرات عادي، وإن افتقاد هذه النظرية الأدلةَ العلمية يجعلها “نظرية زائفة”. وعبَّر العديد من العلماء في مختلف دول العالم عن استنكارهم لطروحات هذه النظرية. إذ اعتبرت القوات الجوية الأمريكية أن هذا الغاز لا يتعدى كونه مجرد ألعوبة. وقالت: لقد تم التحقق منه، وتم دحض الادعاءات بشأنه من العديد من الجامعات المعترف بها، والمنظمات العلمية، ووسائل الإعلام الرسمية. كما قالت إدارة شؤون البيئة والغذاء والريف البريطانية (DEFRA) أن (غاز الكيمتريل) غير معترف به كظاهرة من الناحية العلمية. كما استنكر مسؤولٌ حكومي في مجلس العموم الكندي الفكرةَ واعتبرها “نظرية شعبية” وقال “لا يوجد دليل علمي يدعم وجوده”. أما الشق الثاني من نظرية المؤامرة، فهو يربط بين (غاز الكيمتريل) ومشروع (HAARP)، وهو برنامج علمي يدير منشأة رئيسية في القطب الشمالي معروفة باسم محطة بحوث هارب (HAARP) التي بنيت على موقع للقوات الجوية الأمريكية بالقرب من منطقة جاكونا في ولاية ألاسكا الأمريكية وهي محطة متخصصة بالبحث الأيونوسفيري (IRI)، وقد مثل هذا المشروع جزءا رئيسيا من نظريات المؤامرة، إذ تم ربطه بالعديد من الأحداث الخفية والقدرات المختلفة التي غالبا ما تكون سلبية، بينما هو برنامج يبحث في تغيرات المناخ والاحتباس الحراري ومحاولة وضع علاجات لها وهنالك عدة برامج عالمية مشابهة له في النرويج وأستراليا وروسيا لأنها لم تحظ بالاهتمام نفسه من الرأي العالمي.
خلاصة القول في عواصف العراق الترابية ما قاله مضر الحلو:”هل يعلم أصحاب هذا التفسيرات ومطلقوها، ومروجوها، عبر نشرها في منصات وسائل التواصل، انهم يوفرون بذلك غطاءً للمسؤول الفاسد، المهمل، الكسول المقصر، فإنه أكثر المستفيدين من هذا النوع من الثقافة التبريرية، إذ أنها تخلي مسؤوليته عن البحث عن العلاج”.
*كاتب عراقي