- ℃ 11 تركيا
- 18 نوفمبر 2024
طابور المساجين..لفان جوخ
طابور المساجين..لفان جوخ
- 29 مارس 2021, 6:58:29 م
- 1069
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
لا أعرف لماذا يلح علي ويدفعني في هذا الوقت بالذات للتطلع لهذا العمل الموحي البديع والمتماهي مع ما نعيش تحت وطأته في عالمنا الذي أصبح ممتلإً بالإحتباسات والعزلة التي فرضها تفشي وباء الكورونا في العالم ، لتزيد الكمامات الطبية التي نرتديها من عمق كمامات السياسية ، وتعمق سجون العزلة الاحترازية من الإحساس بوطأة السجون السياسية وسجون الرأي والتعبير المدني الإنساني ..
كلها أسباب تدفع إلي الوقوف أمام هذا عمل فان جوخ الرائع و الانجذاب بما نمتلك من بصائر نحو عناصره التعبيرية البليغة ..
ضخامة وارتفاع لانهائي للجدران ، التي تصبح تفاصيلها البارزة عبر قوالب حجارتها المكونة لها ، تنوعات تتنقل بينها البصيرة مابين ألوان تعبر عن الحزن ، وألوان تعبر عن ألم العزلة ، وألوان تعبر عن تلك الظلال الخضراء التي تغطي رطوبة الجدران القاسية ..
التي تنطلق من أرض يبدو بلاطها في منتهي الخشونة والصلابة والقسوة ، علي نزلاء يوحد بينهم شحوب ألوان الملابس ، والوجوه المطرقة في الأرض أو المتطلعة إلي أربع نوافذ تبدو في ارتفاعها عن الأرض كأسئلة مشرعة علي الجدران أقرب منها إلي أن تؤدي وظيفة النوافذ الجالبة للحد الأدنى من الهواء ، كل ألوان اللوحة التي شاحبة كالوجوه ، شحيحة كهواء المكان ، لاحظوا عبقرية فان جوخ عندما جعل اللون الأخضر الشاحب (لون رطوبة الحوائط ودليل تعفن حجارتها) هو المهيمن علي حجارة الجدران علي يسار الناظر للوحة ، بينما تظهر تدرجات البني مع بعض التدرجات الصفراء والبرتقالية ثم. الأرجوانية الشاحبة التي تشهد علي مقتل حرارة وانقضاء بقايا آثارها في المكان علي الجدران المقابل الذي يحتوي علي النوافذ يمين الناظر ، وكلما اقتربنا من الأرض في هيمنت تدرجات الأزرق البارد والأرجواني الباهت ، لنحس بمدي برودة وصقيع أرض هذا السجن الموحش الهائل ..
اللوحة هي إعادة رسم من فان جوخ للوحة شهيرة وبديعة للفنان الفرنسي جوستاف دوريه ، الذي رسمها بالأبيض والأسود معتمداً علي تدرجات الظلال ..
لكن لوحة فان جوخ هي عمل إبداعي أصيل ومغاير رغم أنه موضوعياً هو رسم لعمل إبداعي أصلي قديم ..
وهذا يذكرني بعبارة وردت في أحد الأفلام الأجنبية التي تتحدث عن حياة أحد تجار المقتنيات ، قال فيها تاجر المقتنيات ملخصاً خلاصة تجاربه مع ما يقتني من أصيل ومقلد (هناك دائماً ما هو أصلي في كل عمل مقلد) ..
هو يقصد بالأصلي هنا الإبداع الذي يكمن في التقليد ..
لكن جزءاً من احتفائي شخصياً بعمل فان جوخ أنه رغم أنه رسم لوحة دوريه إلا أنه أبدع عملاً أصيلاً آخر ، يعطي روح مختلفة ، وأحاسيس وحساسية بصرية مختلفة رغم أنه لم يقم إلا بإعادة رسم لوحة جوستاف دوريه والتي تتخذ العنوان نفسه (طابور المساجين) ..
في الحقيقة لم يقم فان جوخ بإعادة رسم لوحة جوستاف دوريه ، بل هو أعاد قراءتها ، وهكذا تكون القراءة المغايرة ، هي خلق جديد لعمل مغاير يتمتع بكل عناصر التفرد والأصالة ..