- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
طارق فهمي يكتب: الحدود المستقبلية لاستراتيجية الردع الإسرائيلي مع قطاع غزة
طارق فهمي يكتب: الحدود المستقبلية لاستراتيجية الردع الإسرائيلي مع قطاع غزة
- 16 مايو 2023, 4:40:04 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
مع انتهاء المواجهات الإسرائيلية مع قطاع غزة ووقف إطلاق النار مع حركة الجهاد بمقتضى ما تم بالتنسيق مع الوسيط المصري والشركاء الإقليميين
يثار تساؤل حول ما تواجهه إسرائيل في نطاقها الإقليمي من تهديدات قادمة، ومستمرة من جبهة غزة والضفة الغربية وسوريا ولبنان، إضافة لجبهتي الأردن ومصر، وإن كانت اتفاقيتا كامب ديفيد ووادي عربة قد حيدتا المواجهة بمقتضى اتفاقيات السلام الموقعة مع مصر والأردن، إلا أن باقي الجبهات الأخرى لا تزال تهدد إسرائيل، بل تمثل خطراً كامناً ومعلناً في التعامل الراهن والمنتظر.
ولهذا فإن الدخول مع أي من هذه الجبهات يكلف إسرائيل مساحات كبيرة من التعامل، خاصة في الاشتباك العسكري والتكلفة الاقتصادية والأمنية، إضافة لضرورة توافر توافقات عامة على مستوى الداخل السياسي من ائتلاف حاكم ومعارضة وباقي مكونات المجتمع الذي يتعامل مع أي تهديد يجري من زاوية أمنية بحتة بصرف النظر عما يتوافر من إجراءات تتخذها الحكومة، وتدابير أمنية معتادة سواء على مستوى المواطن العادي أو قيادات سياسية وعسكرية تتخذ إجراءات عدة لتأمين حياتهم، الأمر الذي يتطلب مراجعة دورية لسياسات أمنية وعسكرية، إضافة للتعامل من خلال إجراءات احترازية واستباقية في كثير من الأحيان، وهو ما يجري في أزمة المواجهة التي انتهت مؤخراً مع قطاع غزة باعتبارها الخطر الواضح والكاشف على جبهة جوار مباشر، حيث يمثل حضوراً كبيراً لمخاطر التنظيمات الفلسطينية التي لا تزال تتسلح، وتطور منظومة صواريخها، وتعزز قدراتها القتالية عبر وسائل عدة اعتماداً على خبرات داخلية وخارجية شارك قيادات في حركتي "الجهاد" و"حماس" في العمل عليها خلال السنوات الأخيرة وبدعم كل من إيران وتركيا وعدد من دول جنوب شرق آسيا في مراحل سابقة.
المعنى أن الخطر الذي تمثله جبهة غزة - كما بدا في مواجهة إسرائيل – وحركة الجهاد مؤخراً، هو الأهم نظراً لأنه التهديد المركزي الفعلي، وأن أي تهديد آخر يأتي بدرجة تالية حتى الوارد من جبهة سوريا، حيث مناطق القنيطرة والجولان، ومنها قد تصدر الصواريخ والعمليات الإرهابية - كما ترى إسرائيل- أما جبهة الشمال الكامنة فتتمثل في حزب الله وقدرته على التصعيد عند الضرورة على الرغم من التزامه بقواعد الاشتباك وعدم العمل مع جبهة غزة في نفس التوقيت، وإن اكتفى في بعض الأحيان بإطلاق صواريخ رمزية ليس أكثر .
وبالتالي، فإن جبهة الشمال تأتي في ترتيب لاحق، خاصة أن جبهة الضفة الغربية وتهديداتها تأتي في سياق محدد ومنضبط، وتتركز في مجموعات عسكرية محدودة، وخلايا تعمل في نطاقات استراتيجية، ومناطق تماس معلومة وإن كانت إسرائيل تهول من قدرات بعض هذه الخلايا لاعتبارات إعلامية، وتكتفي في التعامل بالملاحقات الأمنية، ووسائل استخباراتية معتادة، حيث تنشط عناصر جهاز الأمن الداخلي "شاباك" في التعامل، والانتشار مما يقلل من تبعات ما يجري، خاصة أن إسرائيل تدرك أن عودة التنسيق الأمني الكامل مع أجهزة السلطة الفلسطينية سيكون مهماً ومطلوباً، وسيؤدي لمزيد من التأمين الداخلي المنشود، وسيوفر إجراءات مهمة ومطلوبة لأجهزة الأمن الإسرائيلية على مختلف درجاتها، التي تريد، وتضغط في إطار ضرورة عودة الإجراءات التبادلية في مجال الأمن، ومراجعة المعلومات، وتبادلها بصورة ضرورية .
وفي المواجهة الراهنة التي انتهت مؤخراً، فإن إسرائيل لم تسعَ فقط لاصطياد رؤوس قيادات ميدانية، وتجاوز الخطوط الحمراء فقط، بل كانت تريد التعرف على قدرات وإمكانات الفصائل، حيث تتم مراجعة وتفحص حجم الصواريخ ونوعيتها وكشف منظومة التسليح ومديات الصواريخ ومناطق الإطلاق، إضافة لمنصات الإطلاق، والاستهداف بهدف التعامل معها مع التركيز على مناطق التصنيع وعناصرها، وفي جهاز الأمن الداخلي قوائم معدة سلفاً لمهندسي التطوير في الداخل وشبكاتهم في الخارج، إضافة لاختبار وسائل الردع والتعامل التي تتجاوز بكثير نصب بطاريات القبة الحديدية إلى اختبار أنظمة دفاعية مختلفة، ومنها منظومة الليزر التي اقترح الجيش الإسرائيلي تجربتها في الفترة الأخيرة، والنظام الدفاعي "السماء الحمراء" و"السهم" و"مقلاع داود"، وغيرها في إشارة إلى أن إسرائيل تستثمر في كل مواجهة مع قطاع غزة، وسائل الردع والمواجهة إلى حين أن يتم التطوير الشامل لنظام القبة الحديدية، الذي يجري بدعم ومشاركة أمريكية وفق ما تم طرحه مع وزارة الدفاع الأمريكية من عدة أشهر، الأمر الذي قد يوفر لإسرائيل مظلة أمان كامل للسماوات، خاصة أن الأنظمة الدفاعية الأخرى قيد التجريب والاختبار، ورغم التكلفة العالية التي توجه إلى هذه الأنظمة فإن إسرائيل تعمل عليها، خاصة أن الأولويات المطروحة أمنياً واستراتيجياً تأمين المتطلبات الأمنية والاستراتيجية لإسرائيل، حيث تتعدد وسائل المواجهة، خاصة أن المستوى العسكري في الدولة، وفي أجهزة المعلومات يضغط في اتجاه الحصول على التمويل الكامل في الكنيست لتأمين إسرائيل، وفرض المناعة الوطنية التي يتحدث فيها قادة الدولة، ويريدون فرضها مهما كانت التكلفة المالية والعسكرية التي يمكن أن تدفعها إسرائيل، التي جاءت على حساب تمويل قطاعات مثل التعليم والصحة.
وفي المواجهة الأخيرة مع قطاع غزة، دارت تساؤلات استراتيجية كبرى؛ أهمها كيف يمكن إنهاء المخاطر وتقليل التهديدات، وما الذي يمكن اتخاذه من إجراءات حاسمة للحفاظ على حياة مواطني إسرائيل بعد سنوات طويلة من المواجهة المستمرة، التي ستطول، ومن ثم فإن الدعوة لحسم الصراع مع الجانب الفلسطيني هي الأهم، وليس إدارة الصراع الذي يمكن أن يستمر لسنوات طويلة ممتدة لدولة لم تستكمل بعد المائة عام من عمرها، وتحتاج إلى أن تكون دولة رئيسية مقيمة لا أن يتهدد وجودها أصلاً، وتتعرض لمخاطر جسيمة بالفعل من فصائل غير منضبط سلوكها.
وفي مقابل ما يجري، فإن إسرائيل ستواجه خيارات صعبة بالفعل رغم انتهاء المواجهات مع القطاع مؤخراً، والقضية ليست في فتح بنك الأهداف باستئناف سياسة الاغتيالات، كما يتصور البعض، وإنما الانتقال إلى مرحلة أخرى من المواجهة حتى مع العمل على تجاوز الخطوط الحمراء في المواجهة، وهو ما جرى بتصفية العناصر القيادية في حركة الجهاد بهدف التأكيد على طبيعة ما سيجري لاحقاً في إطار سيناريو المواجهة الصفرية، وفي الرهان على حسابات كبرى لحكومة الائتلاف، ومحاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو بالفعل تحقيق مكاسب شخصية استثماراً لوضع محدد أمنياً وسياسياً.
ومن ثم فإن فرض استراتيجية الردع سيحتاج بالفعل إلى استراتيجية مختلفة مع التركيز على بعض الأولويات، وتكريس سياسة الانقسام غير المعلن بين حركتي الجهاد وحماس، كما فعلت مع حركة حماس والسلطة الفلسطينية، والانتقال إلى حسم بعض السياسات المعلقة، التي تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية في وسائل التعامل والرصد مع مواجهة ما يجري بمقاربة استراتيجية حقيقية، ومسار قائم على تحقيق المكاسب الرئيسية برغم الخسائر، والتكلفة التي تدفعها إسرائيل بهدف توفير وسائل الردع الاستباقي في المواجهة الراهنة، التي ستستمر بصرف النظر عما سيتم الاتفاق بشأنه من تفاهمات أمنية معتادة يعمل عليها الوسطاء الإقليميون، تلبي متطلبات كل طرف في الوقت الراهن، ولا تتغير في معناها، وفي مسار حركتها وإن كانت تحتاج بالفعل إلى أسس للعمل بها.
فالحكومة الإسرائيلية الراهنة بوجوهها الراهنة تظهر لأول مرة، حيث وزير دفاع جديد وكذلك رئيس أركان جديد، وأغلب من يديرون المشهد الأمني والاستراتيجي في جبهة الجنوب والشمال جدد، ولم يختبروا في مواجهات من قبل، وتريد هذه القيادات إثبات كفاءتها في المشهد العسكري، واكتساب ثقة المواطن والجمهور الإسرائيلي، وأن يتحولوا لنجوم جدد في وسائل الإعلام التي تتابع ما يجري.
سيكون التركيز من الآن وبعد وقف إطلاق النار وصاعداً على حركة الجهاد مع التأكيد على أن حركة حماس مسؤولة عن توفير الأمن المسؤول في قطاع غزة مع ضرورة قيامها بالتعامل مع المنظمات غير المنضبطة، وهو ما يتطلب تحجيم دورها كما سيستمر التعامل مع السلطة الفلسطينية باعتبارها الطرف الرئيسي، مع التركيز على الالتزامات الأمنية في أوسلو، والضغط على الجانب الأمريكي لدفع السلطة لعودة التنسيق الأمني، وسيستمر التأكيد على أن أمن إسرائيل سيبقى مسؤولية أولى ورئيسية، ولن يتم التهاون في ذلك مع العمل على التوصل لتفاهمات أمنية وقتية ومرحلية كسباً لمواجهة قد تتجدد في الفترة المقبلة، خاصة مع عدم وجود ضوابط أو آليات حقيقية تضبط العلاقات مع قطاع غزة، وتوفر الحد الأدنى من متطلباتها سياسياً واقتصادياً.