- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
عصام نعمان يكتب: مغزى الاتفاق برعاية مصر: وقف إطلاق النار لا يُوقف المقاومة
عصام نعمان يكتب: مغزى الاتفاق برعاية مصر: وقف إطلاق النار لا يُوقف المقاومة
- 15 مايو 2023, 3:28:12 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
ما خطط له بنيامين نتنياهو في الغرف المغلقة لم يتحوّل واقعاً على الأرض، حدث عكسه تماماً، ظنّ أن اغتيال القادة الميدانيين لحركة «الجهاد الإسلامي» يشلّ قدرتها على الردّ، ظنّ أيضاً أن استفراد «الجهاد الإسلامي» يحيّد حركة حماس بدافع رغبة الأخيرة في تفادي تدمير غزة، التقديران كانا خاطئين تماماً. ما جرى في حرب الأيام الستة ـ المرشحة إلى ازدياد ـ تكشّف عن حقائق ست طازجة:
ـ ثبت أن قدرات حركة الجهاد الإسلامي أعظم بكثير مما كان يظن العدو. هي لا تمتلك عدداً كبيراً من الصواريخ البعيدة المدى فحسب، بل القدرة أيضاً على تصنيعها محلياً وجعلها أكثر دقة وبأبعاد متفاوتة المسافة يصل أقصاها إلى نحو 200 كيلومتر.
ـ تبيّن أن حركات المقاومة الفلسطينية، خصوصاً «حماس» و»الجهاد الإسلامي»، تمتلك أيضاً مسيّرات (طائرات بلا طيارين) وقد قامت باستعمال بعضها أخيراً بشكلٍ محدود.
ـ التماسك والتعاون بين حركتي «الجهاد الإسلامي» وحماس أقوى بكثير مما كان يظنّ العدو و..العرب، ليس أدل على ذلك من أن غرفة العمليات المشتركة باشرت العمل والتنسيق والتوجيه منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب.
برهنت حركات المقاومة الفلسطينية على أنها ما زالت قادرة على إلحاق مزيدٍ من الهزائم والخسائر البشرية والمادية بالكيان الصهيوني المتصدّع والمنقسم سكانه
ـ تحسّبت قيادة العدو العسكرية لاحتمال إلحاق خسائر بشريةٍ ومادية كبيرة بمستوطنات غلاف غزة، فنظّمت نزوحاً مبرمجاً لسكانها إلى داخل «إسرائيل» بحيث لم يبقَ فيها إلا العسكريون.
ـ تجاوبت المقاومة في الضفة الغربية، بفصائلها وأسودها المنفردين مع المقاومة في غزة، فتصدت لقوات العدو واشتبكت معها في مدن وقرى ومواقع عدّة.
ـ تمسكت قيادات المقاومة بمواصلة عملية «ثأر الأحرار» وعدم القبول بوقف إطلاق النار، إلاّ بعد موافقة «إسرائيل» على شروط المقاومة بلا مراوغة.
في ضوء هذه التطورات والتحوّلات، ماذا تراها تكون خطوة نتنياهو المقبلة؟ من الواضح أن الرجل مصدوم ومأزوم. مع ذلك، فهو ما زال قادراً على الإمساك بزمام حكومته المضطربة، واتخاذ القرار اللازم لإبقائها في السلطة، لذا سارع بعد اكتشافه أن الاستمرار في حثّ الولايات المتحدة ومصر على هندسة إجراءات لوقف إطلاق النار ما عاد ممكناً، ما لم تقترن باتفاق رسمي ملزم ومضمون بين الأطراف المتحاربة. لماذا؟ لأن حركة الجهاد الإسلامي، بدعم راسخ من «حماس» وسائر فصائل المقاومة، ترفض وقف إطلاق النار إلاّ في إطار اتفاقٍ مقرونٍ بضمانات جدّية تتعهد بموجبه «إسرائيل» بالالتزام بثلاثة شروط :
ـ وقف عمليات اغتيال قادة المقاومة، خصوصاً قادة «الجهاد الإسلامي» وعائلاتهم، في أماكن سكنهم.
ـ إلغاء قرار احتجاز جثمان الأسير الشهيد الشيخ خضر عدنان، وبالتالي تسليمه لذويه، وإلغاء قرار إغلاق جميع المعابر المؤدية الى قطاع غزة .
ـ إلغاء «مسيرة الأعلام» التي تنوي أحزاب «إسرائيل» الدينية والعنصرية والمتطرفة تنظيمها يوم الخميس المقبل لاقتحام القدس الشرقية والمسجد الأقصى، أو تعديل مسارها على الأقل لتفادي اشتباكات محتمة في الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية.
نتنياهو كان قد وافق، تحت ضغط الأحزاب الصهيونية المتطرفة من جهة، ومن جهة أخرى بدافع المحافظة على وحدة حكومته المضطربة، على مسارٍ لـِ»مسيرة الأعلام» تؤدي بالتأكيد إلى اقتحام الحرم القدسي الشريف والتعرّض للمصلّين والمعتكفين فيه. الآن اصبح مطلوباً منه التراجع علانيةً أمام الرأي العام الإسرائيلي عن قراره الاستفزازي ذاك في وقتٍ تعلو أصوات معارضيه الاحتجاجية ضده بعد فشله المشين في عدوانه على غزة ومناطق فلسطينية أخرى، الأمر الذي يؤدي، في حال تسليمه بشروط المقاومة، إلى انهيار حكومته. هكذا يجد نتنياهو نفسه أمام خيارين كلاهما مرّ: أن يرضخ لشروط المقاومة الثلاثة فيضيف إلى فشله العسكري المشين هزيمة سياسية أشد فظاظةً، أو أن يصعّد أمنياً وعسكرياً في وجه المقاومة الفلسطينية وحلفائها. من الواضح أنه لا سبيل إلى كسر المقاومة بغية تحقيق ما يسمّيه الجنرالات الصهاينة «ترميم الردع المتآكل» لأن حركات المقاومة الفلسطينية برهنت خلال المواجهة الميدانية التي ما زالت ناشطة أنها قادرة على إلحاق مزيدٍ من الهزائم والخسائر البشرية والمادية بالكيان الصهيوني المتصدّع والمنقسم سكانه على أنفسهم على نحوٍ غير مسبوق في تاريخ الاحتلال منذ عام 1948. فهل يلجأ نتنياهو المصدوم والمأزوم إلى تصعيدٍ شديد ضد حركات المقاومة في فلسطين قد يجد نفسه في سياقه منزلِقاً، قصداً أو بغير قصد، إلى صدام عسكري مع أطراف محور المقاومة في الإقليم؟ ليس في ظاهر الحال ما يشير إلى أن أطراف محور المقاومة تستبطن خطةً للاشتباك مع الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر لكون أولويتها الأكثر إلحاحاً هي إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد الوطني المنهك. غير أن احتمال قيام «إسرائيل» بتوسيع دائرة الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية، وربما أيضاً مع قوى المقاومة الأخرى في لبنان (حزب الله) وفي سوريا (الفصائل المتعاونة مع وحدات عسكرية أو فنية إيرانية) قد يحمل أطراف محور المقاومة على مدّ يد العون لحركات المقاومة المستهدَفَة في لبنان وسوريا. هذا الاحتمال ليس نظرياً أو مستبعَداً، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكّد في خطبة له يوم الجمعة الماضي في معرض دعمه للمقاومة الفلسطينية المشتبكة مع العدو الصهيوني، أنه «في أيّ وقتٍ تفرض المسؤولية علينا أن نقوم بخطوةٍ أو أكثر لنصرة المقاومة الفلسطينية فلن نتردد».
تحت وطأة هذه التطورات والتحديات المتفاقمة كثّفت مصر، بطلبٍ من «إسرائيل» ودعمٍ من الولايات المتحدة، اتصالاتها وضغوطها على حركة الجهاد الإسلامي وسائر حلفائها المؤتلفين في غرفة عمليات مشتركة من أجل التوصل، بالسرعة الممكنة، إلى وقفٍ لإطلاق النار. مساء السبت الماضي أفلحت مصر في التوصل إلى اتفاق يُحقق لكلٍّ من الطرفين المتحاربين بعضاً من شروطه. تحالف فصائل المقاومة حقق الآتي:
ـ تعهّد «إسرائيل» بوقف قصف المدنيين وهدم منازلهم ما يعني ضمناً استجابة شرط المقاومة بوقف اغتيال قادتها في مساكنهم مع عائلاتهم.
ـ فتح جميع المعابر ما يؤدي إلى تمكين إدارة قطاع غزة وفصائل المقاومة من الحصول على مواد الغذاء والدواء والوقود (الفيول) لتشغيل معامل توليد الكهرباء.
ـ استبدال الاتفاق المكتوب الذي اشترطته المقاومة بتولّي دولة مصر إعلان الاتفاق ومتابعة تنفيذه.
أما بالنسبة لـِ»إسرائيل» فقد تفادى نتنياهو شرط حمله على إعلان موافقته على شروط «الجهاد الإسلامي» لوقف إطلاق النار، لكونه يحرج حكومته امام جمهورها وخصومها، وقد يؤدي إلى إنهيارها. غير أن ذلك لا يعني بالضرورة عدم وجود بنود ضمنية في الاتفاق، التزمت «إسرائيل» بتنفيذها ومنها، إلغاء أو تعديل مسار «مسيرة الأعلام» في القدس يوم الخميس المقبل، تفادياً لقيام المقاومة الفلسطينية بقصفها ما يؤدي تالياً إلى إسقاط اتفاق وقف إطلاق النار. الأهم من كل ما تقدّم بيانه أن المقاومة الفلسطينية حققت، بقتالها وصمودها وإدارتها الحكيمة والجريئة للصراع، انتصاراً ساطعاً يثبّت ويوثّق ويعزّز إعلانها والتزامها بأن اتفاق وقف إطلاق النار لا يعني وقف المقاومة. فالمقاومة باقية وصامدة وناشطة ومتعاظمة حتى تحقيق النصر النهائي.