- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
عمرو حمزاوي يكتب: كيف تواجهنا حرب روسيا بتداعيات التغير البيئي في بلاد العرب؟
عمرو حمزاوي يكتب: كيف تواجهنا حرب روسيا بتداعيات التغير البيئي في بلاد العرب؟
- 15 مارس 2022, 6:20:57 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
إذا كانت الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها الكارثية على الاقتصاد العالمي والتبادلات التجارية وأسعار الوقود والمواد الخام والسلع الأساسية تعرض الأمن الغذائي في بلاد العرب لأخطار كبرى (كما أشرت في مقال الثلاثاء الماضي) فإن جوهر أزمة الغذاء في بلادنا هو التغير البيئي والتحولات التي يحدثها ارتفاعا في درجات الحرارة، وفقرا مائيا، وجفافا، وتصحرا. وربما تمثل اللحظة الراهنة، لحظة الحرب وتداعياتها الكارثية، فرصة لإطلاق النقاش العام بين المواطنات والمواطنين العرب بشأن هذه القضية الوجودية.
وفقا للتقديرات العلمية، يرجح أن يتواصل ارتفاع درجات الحرارة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ليهدد القابلية للحياة في مجتمعات تتسم بمعدلات زيادة سكانية عالية. ويتواكب مع ارتفاع درجات الحرارة (4 درجات مئوية إضافية بحلول 2050) تنامي ظواهر مدمرة مثل الجفاف والفقر المائي والأعاصير الترابية والتصحر وتآكل الأقاليم الساحلية واحتمالية الفيضانات البحرية (التسونامي) والنهرية. على المدى الزمني القصير والمتوسط، ترتب هذه الظواهر مجتمعة تراجع الإنتاجية الزراعية في بلاد العرب على نحو يزيد من اعتمادها على استيراد السلع الغذائية وتبعية إمداداتها من القمح والأرز والسكر وغيرها لتقلبات السوق العالمية.
غير أن لارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفقر المائي والتصحر نتائج لا تقل خطرا على المدى الزمني الطويل. فالنشاط الزراعي والصناعي والاقتصادي في بلادنا يتركز في المناطق الساحلية التي يتوقع، حسب تقديرات المنظمات الأممية، أن يبلغ عدد سكانها 100 مليون في 2030. غير أن تلك المناطق هي الأكثر عرضة للفيضانات والأعاصير والدمار الذي يسببه ارتفاع مناسيب المياه في البحار إلى الحد الذي قد تفقد معه على سبيل المثال مصر 13.2 بالمائة من أراضيها الزراعية (دلتا النيل) حال ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط بمتر واحد فقط وقد تخسر معه تونس نسبة مقاربة من أراضيها الزراعية وسيضاف بالتبعية إلى القطاعات السكانية الفقيرة والمهمشة في البلدين مجموعات جديدة. وفي المناطق الساحلية في الكويت والإمارات وإيران والعراق واليمن، يرجح تواكب ارتفاع مناسيب مياه البحار مع حدوث الأعاصير والفيضانات التي تتصاعد حدتها وتعرض حياة الملايين للخطر.
هشاشة العرب إزاء ظواهر ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفقر المائي والتصحر التي تحيط بهذا الجزء من المعمورة الذي نسكنه تزيد منها على نحو بالغ الخطورة نسب الفقر والأمية والبطالة التي نعاني منها
وحين ننظر إلى كافة هذه الظواهر الحاضرة بالفعل في بلاد العرب من خلال عدسة تربط، من جهة، بينها وبين التهديدات الراهنة الواردة على الأمن المائي العربي في مصر والسودان بفعل أحادية السياسات الإثيوبية فيما خص سد النهضة وتحايلها المستمر على قواعد القانون الدولي المنظمة للأنهار متعددة الأطراف وعلى نتائج المفاوضات والوساطات الدولية، وتراها، من جهة أخرى، بحسابات البيانات المسجلة لارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات القليلة الماضية (في إيران والعراق ومناطق مختلفة في الخليج، سجلت في صيف 2021 درجة 50 مئويا) وتحللها، من جهة ثالثة، وفقا للزيادات غير المسبوقة في أسعار الوقود والمواد الخام والسلع الغذائية التي ترتبها اليوم الحرب الروسية على أوكرانيا؛ ستتضح لنا الطبيعة الوجودية لقضية التغير البيئي والتحديات التي تفرضها على المجتمعات العربية ذات القدرات التنموية المحدودة وعلى الحكومات العربية غير القادرة في العديد من بلداننا على الوفاء بمتطلبات المواطنات والمواطنين الأساسية.
وينتج ذلك ما تشير إليه المنظمات الأممية العاملة في مجال مواجهة التغير البيئي والتكيف معه بمفردة «الهشاشة المجتمعية» والتي تعرف بكونها وقوع المجتمع المعني في منطقة تتأثر بالتغير البيئي وبكونها أيضا ذات بعد اجتماعي يتعلق بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية والسياسية والثقافية المهيمنة.
فهشاشة العرب إزاء ظواهر ارتفاع درجات الحرارة والجفاف والفقر المائي والتصحر التي تحيط بهذا الجزء من المعمورة الذي نسكنه تزيد منها على نحو بالغ الخطورة نسب الفقر والأمية والبطالة التي نعاني منها منذ عقود بسبب ضعف الإنجاز التنموي للحكومات وتراجع إمكانات القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية وغياب الاستقرار السياسي بسبب احتلال واستيطان هنا وحروب أهلية هناك. بل أن تداعيات الظواهر المرتبطة بالتغير البيئي تصيب القطاعات السكانية الفقيرة والمهمشة (أي القطاعات السكانية الهشة مجتمعيا) أكثر من المجموعات ذات الأوضاع المعيشية الأفضل. الفقراء ومحدودو الدخل، خاصة من النساء والأطفال والعجائز والمهجرين واللاجئين وأهل المناطق الساحلية والعاملين في الزراعة، هم الذين يتحملون العبء الأكبر للتغير البيئي ويواجهون ضياع القليل الذي يحصلون عليه خلال السنوات المقبلة.
ثم تأتي أزمة الزيادة السكانية المطردة في بلاد العرب لتضع المزيد من الضغوط الإضافية على الموارد المائية والغذائية ومصادر الطاقة وفرص العمل في القطاعات الزراعية والصناعية المهددة بفعل التغير البيئي. وفقا لعديد التقارير الصادرة عن المنظمات الأممية، سيبلغ عدد سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 724 مليون نسمة فيما يشكل زيادة بنسبة 100 بالمائة مقارنة بعام 2000 الذي كان به عدد السكان هو 338 مليون. بل أن عدد سكان بلدان كالعراق والبحرين وفلسطين يتوقع أن يتضاعف قبل حلول عام 2030.
وحين توضع بجانب حقيقة الزيادة السكانية المفزعة المؤشرات الراهنة للفقر (ثلث السكان وأكثر في أغلبية البلدان العربية خارج الخليج) والبطالة (التي تبلغ على سبيل المثال 35 بالمائة في السعودية المصدرة للنفط و37 بالمائة في الأردن غير المصدر للنفط) وصغر الهرم السكاني (ثلثا العرب هم دون الخامسة والثلاثين من العمر) ونمد النظر التحليلي إلى التهديدات التي يسببها التغير البيئي، يصير جليا كيف أن القابلية للحياة في بلادنا وبقاء العرب باتا يرتهنان بقدرتنا كمجتمعات وحكومات على تخفيض معدلات الزيادة السكانية، والتكيف البيئي بإعادة هيكلة القطاعات الزراعية والصناعية وقطاع الطاقة (بل وقطاعات كالإسكان) وفقا لاستراتيجيات وتكنولوجيات «خضراء» توفر المياه والطاقة، ورفع كفاءة الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لإنجاز التنمية المستدامة.