كمال يونس يكتب: تأملات في سورة "القتال" تعبر عن واقع الأمة

profile
كمال يونس سياسي مصري وباحث إسلامي
  • clock 18 أكتوبر 2024, 6:02:59 م
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

من يقرأ سورة "القتال"، التي هي سورة محمد، يدرك أن كل الواقع الذي نمر به الآن قد ذكر في هذه السورة الكريمة! فقد كشفت ملحمة طوفان الأقصى عن العديد من الدروس والعبر التي كنا نسمع عنها.. ورأيناها واقعا مثيرا الآن.

شاهدنا قمة التضحية بكل غال وثمين، من أنفس وأموال، من رجال يحملون أبنائهم شهداء على آياديهم، ونساء يحملن أطفالهن، طعنا وجرحى، وخنساء فقدت الأب والأخ والولد، في صبر وتجلد.

أكثر من أثنين وأربعين ألف شهيدا، وأكثر من مائة ألف مصاب وجريح، من بينهم القادة والأطباء والمهندسين والمعلمين ورجال الإعلام.. وسط صمت مهين من قبل المنظمات الدولية المنوطة بالدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان.. وكأن هؤلاء الضحايا ليسوا بشرا!

وخير شاهد على ذلك، ما شاهدناه من مواقف الدول الكبري، كالشيطان الأكبر وبريطانيا المجرمة وفرنسا الماسونية وألمانيا النازية وغيرهم من دول أوربا، من شماتة وتأييد للقاتل الصهيوني الجبان عندما استشهد البطل العاروري ورفاقه، والشهيد إسماعيل هنية، والسيد حسن نصر الله ورفاقه، وأخيرا المقاتل المغوار يحيى السنوار، رحمهم الله جميعا وتقبلهم في الشهداء.

على الجانب الآخر، شاهدنا الخزي والعار والخذلان من أمة عربية عاجزة... خانعة.. أمة قذف الله في قلوب حكامها الوهن.. وهو كما بينه المعصوم -صلى الله عليه وسلم- في حديثه: "حب الدنيا وكراهية الموت".. وصدق الإمام محمد الغزالي -رحمه الله- حينما وصف هذا الوضع في كتابه "قذائف الحق": "لو أنصف اليهود لأقاموا للحكام العرب تماثيل ترمز إلى ما قدموه لإسرائيل من عون ضخم ونصر رخيص".

نعم، هذا هو واقع أمتنا العربية "المر" حتى ما يسمى بجامعة الدول العربية، لم نسمع لها صوتا ولا حراكا. غير أن أمين الجامعة خرج علينا في مقابلة متلفزة يلقى اللوم على حركة حماس لأنها على حد قوله، هي التي بدأت بالعدوان في السابع من أكتوبر 2023.

لقد ثار العالم وانتفض لما يحدث في الأراضي المحتلة من تدمير وإبادة وعدوان على كل شيء في الأراضي المحتلة، إلا الدول العربية التي صارت التظاهرات فيها جريمة، وصار حمل العلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية جرما أشد يعاقب عليه قوانينهم الجائرة الظالمة.

لقد أصبحت المليارات في كافة الدول المسماة بالعربية تنفق على أهل المغنى والفنانيين والفنانات ولاعبي الكرة وأهل الهوى، وهناك أطفال ونساء وشيوخ لا يجدون قوت يومهم، ولا شربة ماء، بل يفترشون الأرض ويلتحفون السماء.

إن ما تمر به الأمة العربية ذكره الله عز وجل في كتابة الكريم في أكثر من سورة، ومنها ما ذكر في سورة "محمد" أو سورة "القتال" حينما قال عز وجل: "إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم" صدق الله العلي العظيم.. سورة محمد (36/38)

فقد حذرت هذه الآيات من التمتع بالحياة الدنيا وإنفاق الأموال في سبيل اللهو والغواية، وذكرتهم بعاقبة عدم الإنفاق في سبيل الله تعالى، قائلة ها أنتم أيها المؤمنون تدعون إلى الإنفاق في جهاد أعداء الله ونصرة دينه، فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، والله تعالى هو الغني عنكم وأنتم الفقراء إلى الله مهما ملكتم من أموال وبترول وغاز ونفط.

ثم حذرت الآية من التولي والإعراض عن الامتثال لأوامر الله، بأن الله قادر على الإتيان بقوم آخرين، ثم "لا يكونوا أمثالنا" في التولي عن أمر الله والجهاد في سبيله بالمال والنفس وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

ثم ختمت السورة بقوله تعالى: "وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم". ذكر المفسرون في الحديث الذي رواه مسلم وابن أبي حاتم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلا هذه الآية، فقال الصحابة: يا رسول الله.. من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟! قال: فضرب رسول الله بيده على كتف سلمان الفارسي -رضي الله عنه- ثم قال: هذا وقومه، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس".

لعل هذا ردا صريحا على الذين يشككون في جهاد حزب الله وجماعة أنصار الله وغيرهم.. والله المستعان.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)