- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
لطفي العبيدي يكتب: هل ما يشغل أمريكا دوما هو تعزيز أمنها على حساب الدول الأخرى؟
لطفي العبيدي يكتب: هل ما يشغل أمريكا دوما هو تعزيز أمنها على حساب الدول الأخرى؟
- 5 مايو 2023, 12:07:15 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الغرب استخدم أوكرانيا كدرع بشري لاستعداء روسيا، ودفعها إلى الانهيار الاقتصادي. ويتم إلى الآن شحن الطائرات الأمريكية المحمّلة بالأسلحة عبر بولندا ومن ثم إلى أوكرانيا. والآلاف من المقاتلين الأجانب من بلدان عديدة يقاتلون في الفيلق الدولي الأوكراني ضد روسيا. ناهيك من حصرها في مستشارين عسكريين بريطانيين وأمريكيين لا أكثر، فالأمور عكس ما يجري تسويقه إعلاميا.
الأزمة التي بدأت في أوكرانيا منذ 2014، جاءت نتيجة للعقلية الغربية التي تؤمن أساسا بأنها تمتلك العالم. ويمكنها إخبار الدول الأخرى بما يجب القيام به. ومن الجيد حاليا أن تتفادى أمريكا عبر حلفها الأطلسي الاصطدام مع دولة نووية عظمى مثل روسيا، رغم اختلاط الأمور وتشابكها على الجغرافيا الأوكرانية. إضافة إلى تصميم أوكرانيا على تسلّم طائرات متطورة، والحديث العسكري عن هجوم مضاد لاستعادة الأراضي، وهي سيناريوهات قد تنبئ بالأسوأ، حيث لا شيء حينها غير تفاقم الأمور، وتوقع كل الاحتمالات بما فيها اضطرار موسكو لتفعيل أسلحة استراتيجية خطيرة. والاحتمال الأخطر هو الصدام المباشر مع الناتو.
اليوم أوروبا بأكملها مهددة أمنيا واقتصاديا بفعل انجرارها في دعم سياسات الولايات المتحدة وصراعها مع روسيا على الأراضي الأوروبية
الولايات المتحدّة متورّطة مرّة أخرى في أزمة من صنيعها إلى حد كبير، تتطلّب تركيزها، وتأخذ وقتا ثمينا منها، مُبعدة إيّاها عن التعامل مع قضايا أخرى كتغيّر المناخ، الانتعاش الاقتصادي، ومجموعة كبيرة من المشكلات الأكثر ثقلا. وهي لم تجد من شيء لدرء تخبطها الاستراتيجي سوى أن تلوّح بشكل خجول بالخيار العسكري المباشر في حال غزو الصين لجزيرة تايوان. وتصر على المضي في حرب بالوكالة على الأرض في أوكرانيا ضد روسيا الاتحادية، توازيا مع الحرب الاقتصادية التي تشنّها على أكثر من صعيد. سواء مع الصين أو موسكو أو غيرهما. مع نشوء اتّحادات سياسية، عسكرية واقتصادية. تجد الولايات المتحدة صعوبة في أن تهضم حقيقة تراجع تفوّقها المطلق في المجال الاقتصادي، وكذلك المجال العسكري. ولا يهم واشنطن أن تستنزف أوروبا في معركة تخرج منها بحصيلة اقتصادية من شأنها التقليل من مشاكلها الداخلية ضمن استحقاقات المنافسة العالمية مع الصين وروسيا. بوتين يتوق إلى إعادة إنشاء مجال نفوذ روسي وربما حتى إمبراطورية روسية، وهو على استعداد لفعل أي شيء تقريبا لتحقيق هذا الهدف، وهو قادر على التصرف كما يحلو له. في الأثناء، في عهد الرئيس شي جين بينغ، شرعت الصين في السعي وراء السيادة الإقليمية والعالمية المحتملة، واضعة نفسها على مسار يؤدي إلى زيادة المنافسة، أو حتى المواجهة مع الولايات المتحدة. كل الدول في النظام الدولي الحالي تسعى لامتلاك القوة من أجل منافسة الدول الأخرى، بل يتمثل هدفها الأساسي ليس فقط في تعظيم قوتها، وإنما منع الدول الأخرى المنافسة من امتلاك القوة، أو على الأقل استنزافها والتقليل من قدراتها. صراع تموقع وامتداد نفوذ يشكل هاجسا لأمريكا، لخصه جون بولتون مستشار الأمن القومي، في ديسمبر 2018 عندما أشار إلى أن السياسة الجديدة للولايات المتحدة تهدف إلى تحدي ممارسات الصين وروسيا الساعية إلى الحصول على ميزة تنافسية في أفريقيا وغيرها. والتأكيد على مواصلة النهج الأمريكي المتمثل في المبادرات العسكرية والتجارية وتقديم المعونة، لتطوير شراكات اقتصادية وسياسية وأمنية في جميع أنحاء القارة الافريقية. تَشكّل الدول الحديثة شرقي أوروبا قد تزامن مع وقوع حربين عالميتين كلفتا أوروبا ملايين الأرواح، وجاءت حروب التطهير الديني والعرقي في يوغوسلافيا خلال الفترة 1991 – 1999 لتذكر المجتمع الدولي بأن دول أوروبا الشرقية لا تزال بعيدة عن تحقيق الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. اليوم أوروبا بأكملها مهددة أمنيا واقتصاديا بفعل انجرارها في دعم سياسات الولايات المتحدة وصراعها مع روسيا على الأراضي الأوروبية. وهو صراع مصالح استراتيجية، لا علاقة له بمصطلحات الخير والشر، أو بالديمقراطية مقابل الاستبداد. تلك المفردات التي اعتادت الإدارات الأمريكية منذ فترة المحافظين الجدد وجورج بوش تصديرها للرأي العام الداخلي والعالمي في نفاق مكشوف. ولكن صلاحية مؤسسات القطب الواحد، وعصر الأمركة قد تلاشى، وفي اندحار بارز، مع ذلك يبدو أنّ الهيمنة الأمريكية ستستمِـر في إثبات أنّها لا تزال موجودة، بأشكال مجنونة وانتحارية حتى. وقد تكون المواجهة مع الصين أفدحها وأثقلها على العالم وعلى الشعوب. كأنّ الولايات المتحدة تريد أن تبقى امبراطورية عند الطلب، على نحو التوسّع والطموح الإمبريالي عبر قواعد وأشكال مختلفة لعلّ أبشعها استخدام القوة المفرطة خارج معايير الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية. مثلما فعلت في حرب فيتنام ويوغسلافيا والعراق وأفغانستان وغيرها. ورغم تاريخها المشؤوم الذي يشهد على حجم هائل من الجرائم والانتهاكات، ما زالت تتفاخر بمبادئها الديمقراطية وثوابتها الإنسانية ومواقفها المناهضة للاستعمار. وتقول بأنّها تدافع عن أوكرانيا من موقع الالتزام بالدفاع عن الدول المستهدفة والمظلومة، وهي تتناسى أنّها أكبر داعم لكيان استعماري فاشي واستيطاني. يستولي على فلسطين، ويقتل الأسرى والأبرياء من المدنيين، ويمارس كل الانتهاكات العنصرية. بالمحصلة، بريطانيا سابقا، التي أشعلت حربين عالميتين، لم تتمكن من الحفاظ على إمبراطوريتها وموقعها المركزي في العالم، بسبب تقادم نظامها الاقتصادي الاستعماري. يبدو أنّ مصير واشنطن سيكون الفشل هي الأخرى، خاصة أنّ التفكك وشيك للنظام الاقتصادي العالمي القائم على الدولار، الذي وفّر الأساس للهيمنة العالمية للولايات المتحدة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وتحت ضغط البنتاغون والمجمع الصناعي العسكري، تخوض النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة بشكل هستيري، حروبا هجينة تهدف إلى الدفاع عن موقعها المهيمن في العالم، وهي إلى جانب حلفائها التقليديين مستمرة في محاولات يائسة لعكس عقارب الساعة استهدفت بشكل واضح الصين في أواخر عهدة أوباما ومن ثم دونالد ترامب، وحتى مع إدارة بايدن، باعتبار بكين المنافس الاقتصادي والتكنولوجي الرئيسي لها. وصراعها التاريخي مع روسيا يتجدد بأوجه حرب باردة أخرى توازي في ثقلها أزمة الصواريخ الكوبية، وخطر المواجهة النووية آنذاك، على اعتبار جمهورية روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي، هي القوة الرئيسية المضادة للتوازن، وهي تقاتل لمنع وصول الناتو إلى حدودها، وتطويقها عبر أوكرانيا وجورجيا وبولندا. مع العلم أنّ الغرب انتهك وعودا قدمها لموسكو، إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت تقضي بعدم توسيع حدود الناتو لتشمل دول أوروبا الشرقية والجمهوريات السوفييتية السابقة. والخارجية الروسية أكدت مرارا أن على الولايات المتحدة إغلاق الباب رسميا أمام كل من أوكرانيا وجورجيا للانضمام إلى الحلف بعد تلقيهما وعدا بذلك عام 2008، لأجل المصالح الأساسية للأمن الأوروبي. وأكّدت أنّه من الضروري التنصل بشكل رسمي من قرار قمة حلف شمال الأطلسي عام 2008 في بوخارست. لأنّ الحلف عبر دعم تطلعات أوكرانيا وجورجيا وغيرهما، ينتهك المبدأ الأساسي لجميع الدول المنضوية في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بعدم تعزيز أمنها على حساب أمن الدول الأخرى. ولكن يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية مصرة على تعزيز أمنها على حساب أمن الجميع.
كاتب تونسي