فى مقال فى صحيفة "الجارديان بعنوان" (لا بأس في تسريب أسرار الحكومة - طالما أنها تفيد السياسيين) للكاتب تريفور تيم تحدث فيه عن لعبة التسريبات وكيف استفادت منها إدارات أمريكية متعاقبة أبرزها إدارة أوباما..

وفى موقع رويترز مقال للكاتب جاك شيفر بعنوان (لماذا التسريبات مفيدة لك) يقول فى مطلعه )كل تسرب للمعلومات السرية يفيد شخصًا ما. وربما إستثناء واحد منها يفيدك )

التسريبات لعبة حديثة على المجتمع المصري ظهرت فى أوخر عصر مبارك حينما ظهرت فجأة مقاطع فيديو مسربة لتعذيب معتقلين فى السجون المصرية وفى اقسام الشرطة .

لم يكترث أحداً وقتها ليسأل عن مصدر التسريبات المهم هو ما تحمله فى طياتها.

كان لهذه التسريبات دور كبير فى تهييج الرأي العام المصرى ضد مبارك ونظامه وصنعت واقعاً سياسياً أضعف من سطوة النظام الذى جاهد كثيراً خلال العقد الأخير قبل الثورة أن يظهر كنظام ديموقراطي .

واستخدم تسريب الخطاب المعروف "بعزيزى بيريرز" لإظهار الرئيس محمد مرسى وكأنه تجمعه علاقة طيبه مع الكيان الصهيونى .. هذا التسريب الذي استخدم كثيراً فى وسائل الاعلام المصرى وكان أحد الأسباب التى هيجت الرأي العام ضده.

بعد انقلاب الـ3 من يوليو عام 2013 بدأ مسلسل من التسريبات بين مقاطع فيديو وتسجيلات لشخصيات هامة فى نظام السيسى وله شخصياً تبرز على الساحة أذاعتها قنوات تليفزيونية ومواقع إلكترونية معارضة للنظام في الخارج وهى شبكة رصد وقناة مكملين من اسطنبول وقناة الجزيرة مباشر مصر من الدوحة والتى تم إغلاقها بعد ذلك .

المراقب لهذه التسريبات يظهر له دون شك أنها كانت موجهة بحرفية لخدمة السيسى ونظامه ..من شبكة الكترونية وفضائيات معارضة لها قبول لدى الشارع المصري ويصعب الوصول إليها كونها فى الخارج .

تسريبات استخدمت لفرض حالة من الخوف والفزع و لتمرير قرارات بعد تهيئة الرأي العام ولتحسين صورة السيسى أمام الشعب والجيش وحتى الخارج .

ونبدأ معكم رحلة لبعض هذا التسريبات وتأثيراتها العكسية .

أولا : تسريب استعادة هيبة الجيش

ظهرت التسريبات الأولى لوزير الدفاع عبد الفتاح السيسى وأعضاء المجلس العسكري في إجتماعاتهم من داخل دار الأسلحة والذخيرة التابع للقوات المسلحة، بعد توليه الوزارة فى عهد الرئيس الدكتور محمد مرسي

كان التسريب يتحدث عن الحاجة لإستعادة هيبة القوات المسلحة في وسائل الإعلام. . وفيه صرح السيسى بأنه يعمل بالفعل على صناعة أذرع إعلامية تعيد لجيش هيبته مرة أخرى ..

شاهد الفيديو

من 5.29 الى النهاية

بث هذا التسريب شبكة رصد وأذاعته قناة الجزيرة مباشر مصر بعد أحداث اكتوبر عام 2013.

التسريب مأخوذ من اجتماع مصور بعلم الجميع . .ولم يشر التسريب الى شيء يزعج السيسى ومن معه من العسكريين أو به مضرة لهم بل على العكس يتحدث عن حرصه على دعم هيبة المؤسسة العسكرية إعلاميا ..

وكان السيسى فى هذه المرحلة يعانى من شروخ داخل المؤسسة العسكرية بعد الانقلاب والتسريب يدعم فكرة أنه حريص على لم شمل المؤسسة العسكرية وإعادة الهيبة لها .

ثانيا : تسريب يوضح اعلان السيسى لمشاركة المجلس العسكرى وطنطاوى فى قرار الانقلاب والفض

وفي نوفمبر من عام 2013 ظهر تسريب يؤكد فيه السيسى أن ما قام به من انقلاب لا يحمل مسئوليته منفرداُ بل يشاركه القادة العسكريون من أعضاء المجلس العسكرى.. و ليعيد السيسي “فضل” كل ما فعله بعد 30 يونيه للمجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي، وأن أي أمر حدث ويحدث بأوامر من المشير طنطاوي شخصيا .

                  شاهد الفيديو

فى هذه الفترة أراد السيىسى من خلال بثه لهذا التسريب أن يوجه رسالة لأتباعه وجنوده وضباط الجيش أن قرار الإنقلاب لم ينفرد به شخصياً، بل إن جميع أعضاء المجلس العسكرى مشاركون فيه وعلى رأسهم المشير طنطاوى وأنه المسئول شخصياً عن كل ما حدث بل قال بالنص (هو صاحب القرار) ويقصد الانقلاب وذلك رغم عدم ظهور المشير طنطاوى وبعض أعضاء المجلس العسكرى فى بيان الانقلاب ..

فأراد السيسى من خلال هذا التسريب أن يؤكد على تورطه فيه وفي ذلك فائدة كبيرة للسيسى ومن معه أمام الشعب المصري .

ثالثاً: تسريب عدم محاسبة الضباط إذا قتلو أو أصابو المتظاهرين

وفى نفس اللقاء كان هناك تسريب آخر تعهد فيه السيسى بعدم محاسبة أي ضابط يقتل أو يصيب المتظاهرين.

شاهد الفيديو

كان لهذا التسريب جراء انتشاره أن وضع الطمأنينة فى قلوب ضابط الشرطة فى أن يفعلاو ما يشاؤون دون خوف من أي محاكمة ..وبالطبع أنكر السيسى هذا التسريب الذي فيه تحريض صريح على قتل المتظاهرين حتى لا يسأل عنه أمام المجتمع المدنى وهيئات حقوق الإنسان وكان ذلك من خلال بثه على شاشات قنوات المعارضة فى الخارج.

رابعاً : تسريب تهيئة الرأي العام المصري لاستقباله قرار الترشح للرئاسة 

وفي حوار للسيسي مع رئيس تحرير المصري اليوم تم تسريب أجزاء من الحوار وردت على فترات، وبدأ في أحدهم طلب السيسي بألا يتم نشر تلك الإجابات، فظهرت في ديسمبر 2013 حكاية السيسي مع أحلامه التي قال من خلالها إنه يعلم جيدًا أنه سيصبح رئيسًا لمصر.

                   شاهد الفيديو

تم بث هذا التسريب على قناة الجزيرة مباشر مصر .. وفيه أراد السيسى أن يهيئ الشعب المصري لقبول فكرة ترشحه للرئاسة بعد أن تعهد من قبل أنه لم يطمح فى الرئاسة وكذلك تعهد بعض القادة العسكريين بذلك ..

توقفت قناة الجزيرة مباشرمصر وتوقف بث التسريبات التى انتقلت بعد ذلك الى قناة مكملين فى اسطنبول.

خامسا : تسريب رز الخليج 

بدأت قناة مكملين بث التسريبات بالتسريب المعروف برز الخليج ..

كان توقيت التسريب قبل شهر واحد من مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري فى شرم الشيخ الذى انعقد فى 15 مارس عام 2015 .

شاهد الفيديو 

رغم سخرية قناة مكملين وغيرها من قنوات المعارضة على ماتناوله التسريب

لكن الاستفادة التى عادت على السيسى من هذا التسريب كانت واضحة للجميع.. فالسيسى يعرف اللغة التى يتم التعامل بها مع قيادات الخليج ..

فأراد أن يوصل لهم رسالة برغبته فى أن تتبرع له كل دولة خليجية بـ 10 مليار دولار على الأقل ..

فتحديد مبلغ التبرع كان هدفاً صريحاً للسيسى وأن التعاملات المالية تكون من خلال الجيش مباشرة وليس من خلال البنك المركزى للدولة ..

وبالفعل وصلت الرسالة لقادة الخليج وتحصل السيسى على تبرعات تقدر بـ 60 مليار دولار بين قروض مادية مباشرة واستثمارات .

سادساً: تسريب وزير الخارجية لارضاء السعودية 

فى تسريب آخر بثته قناة مكملين لوزير الخارجية المصري سامح شكرى يتحدث فيه عن محاولات استرضاء المملكة العربية السعودية وحللت الأزمة التى نشبت بين مصر والسعودية آواخر عام 2016 واستمرت لشهور وأن القاهرة حريصة على عدم التقارب مع ايران إرضاءً للملكة العربية السعودية ..

شاهد الفيديو

2.39

وكانت المفاجأة بعد التسريب بأيام عادت العلاقات بين البلدين على ضوء ما تم توضيحه فى التسريب ..

مما بدى منه محاولة من نظام السيسى لاستخدام القنوات المعارضة لتحقيق أغراض لم يكن يمكن تحقيقها إلا من خلالها .

سابعاً: تسريب التعذيب لتهجير أهالى رفح

فى منتصف شهر اكتوبر عام 2014 تم تسريب فيديو على قناة مكملين ببرنامج مع زوبع يظهر تعذيب ضباط من الجيش المصري لمواطنين مصريين من سكان مدينة رفح فى سيناء .

                   شاهد الفيديو

                 كانت هناك مشكلة تواجه الجيش المصري فى ترحيل أهالى مدينة كاملة سيستغرق وقتاُ .. فضلاً عما يسببه من مقاومة الأهالى للجيش..

بهذا الفيديو الذي تم تسريبه تم إلقاء الخوف والرعب فى روع الأهالى، فما لبثو إلا أن اختاروا الرحيل مهجرين عن موطنهم ..والجميع يعلم استحالة تصور هكذا مشاهد وتسريبها من داخل أفراد الجيش دون علم القيادة .

ثامناً : تسريب للإيقاع بين القبائل السيناوية وولاية سيناء

وفى تسريب بثته قناة مكملين فى شهر ابريل عام 2017 حول قتل مجموعة من الشباب والأطفال من قبل أفراد الجيش المصري

  عيداً عن منطق نشر حالة الرعب بين أهالى سيناء من خلال هذه التسريبات الدموية ..

            شاهد الفيديو

فإن هذا الفيديو كان الهدف الأساسي منه الإيقاع بين قبيلة الترابين وولاية سيناء وهو ما تم بالفعل بعد بث الفيديو بأيام فوقع صراع دام راح فيه عشرات الضحايا وهى لعبة يجيدها السيسى وكانت قنوات المعارضة وسيلته لتنفيذ اغراضه الدنيئة .

      شاهد الفيدو

فى النهاية هذه التسريبات وغيرها الكثير من التسريبات التى أثبت الزمن بعد 7 سنوات تامة من الانقلاب أن المستفيد الأول منها هو السيسى ونظامه، وما كانت قنوات المعارضة الا منفذ مثالى لمخططات واغراض النظام العسكرى ..فضلاً عن حالة الإرباك والخوف والرعب التى تبثها التسريبات والتى ساهمت فى وئد حمية الشعب فى الوقوف ضد الانقلاب الدموى والانصياع التام له .

.