- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
لماذا تخشى أميركا على إسرائيل من سيناريو الفلوجة بغزة؟
لماذا تخشى أميركا على إسرائيل من سيناريو الفلوجة بغزة؟
- 2 نوفمبر 2023, 8:04:11 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تتوالى منذ أيام تحذيرات أميركية وإسرائيلية، بالتزامن مع التوغّل الإسرائيلي البرّي في قطاع غزة، من تكرار سيناريو معركة الفلوجة الأولى في إبريل/ نيسان 2004، وهي المعركة التي تكبّد فيها الجيش الأميركي خسائر بشرية ومادية كبيرة خلال مواجهة برّية مع عناصر المقاومة العراقية آنذاك، فضلاً عن تسبُّب الحرب بسقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.
واندلعت المعركة في الرابع من إبريل عام 2004، واستمرت نحو شهر واحد، ثم انتهت بإخفاق الجيش الأميركي في اقتحام المدينة برّياً، مع خسائر بشرية قُدّرت بمئات القتلى غالبيتها في صفوف مشاة البحرية الأميركية، (المارينز). لكن في المقابل خلّفت هذه المعركة دماراً كبيراً وخسائر بشرية في صفوف الأهالي، بلغت آلاف الضحايا المدنيين بينهم عائلات كاملة قضت بالقصف الأميركي.
تحذيرات لتجنّب سيناريو الفلوجة في غزة
الأسبوع الماضي، نقلت شبكة "سي أن أن" الأميركية، عن مسؤولين في واشنطن، تأكيدهم وصول الجنرال جيمس غلين، القائد السابق لقيادة العمليات الخاصة في مشاة البحرية الأميركية، والتي شاركت بالهجوم على الفلوجة عام 2004، إلى تل أبيب، بطلب من الرئيس جو بايدن. وجاء وصول غلين، بحسب المسؤولين، لمساعدة الجيش الإسرائيلي في التخطيط للهجوم على غزة، و"تجنّب سيناريو معركة الفلوجة"، وذلك قبل أن تفيد تسريبات أخرى بعودته إلى واشنطن.
في موازاة ذلك ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، في 24 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن مسؤولاً إسرائيلياً قال إن "الوزراء (الإسرائيليين) أشاروا مراراً وتكراراً إلى الفلوجة كمثال على نوع العملية التي يريدون أن ينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة".
من جهتها نقلت محطة "بي بي سي" البريطانية، الأحد الماضي، عن رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه ديان التابع لجامعة تل أبيب، مايكل ميلشتاين، تأكيده أن "جنود القوات الأميركية المخضرمين الذين شاركوا في ذلك الصراع (العراق) موجودون في إسرائيل، ويتحدثون مع الجيش الإسرائيلي حول تجاربهم في أماكن مثل الفلوجة والموصل". وأضاف: "آمل أن يشرحوا للإسرائيليين أنهم ارتكبوا بعض الأخطاء الفادحة في العراق".
كما نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، الأحد الماضي، عن الباحث في الشؤون العسكرية يغيل ليفي، تحذيرات عديدة بشأن الحرب على غزة. وقال إنه "يتوجب على إسرائيل استيعاب" الدروس من معركة الفلوجة العراقية وأهمها "تتمثل في أن العملية البرّية في القطاع، في حال لم تسفر عن إنجاز واضح وحاسم، فستفضي إلى تفجُّر حركة احتجاج ضد الحرب، تماماً كما حدث في الولايات المتحدة في أعقاب معركة الفلوجة".
أوجه شبه بين حرب غزة ومعركة الفلوجة
إلى حد ما، يوجد أوجه شبه غير قليلة بين غزة والفلوجة، على مستوى الدعم والحاضنة الشعبية الرافضة للاحتلال، وكذلك على مستوى بعض المحاور الجغرافية ونوع التسليح. لكن ما يُعيد التحذير من تكرار سيناريو الفلوجة، هو درس الخسائر الأميركية التي تكبدتها نتيجة خطة دخول الفلوجة للسيطرة عليها، وهي القصف الجوي والمدفعي المُكثف لعدة أيام ثم التقدم براً.
فقد تسبب هذا الأسلوب في وقوع الأميركيين بكمائن كبيرة ومتعددة على يد جيوب مسلحة في أحياء الفلوجة الحدودية وداخل أزقتها، أسفرت عن خسائر لم تكن تتوقعها القوات الأميركية، واضطرتها للتراجع عدة مرات، قبل أن تُقرّر حظر وصول وسائل الإعلام لمحيط المدينة المحاصرة آنذاك، بسبب أصداء الفشل العسكري داخل الولايات المتحدة.
الخبير العسكري العراقي، والجنرال بالجيش السابق، حاتم الفلاحي، يقول إن "مساحة غزة أكبر من الفلوجة بنحو 8 مرات مما يعطي إمكانية القتال فيها بالعمق أكثر"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، "أن اتساع مساحة غزة خلق فيها تعقيدات جغرافية من حيث البنايات العالية وإمكانية حفر الأنفاق، مما يجعل أي معركة مقبلة في غزة أشد ضراوةً من معركة الفلوجة".
الفلاحي: القوات الأميركية فشلت بتقدير قُدرات المقاومة في الفلوجة
ويشير الفلاحي إلى أن "المقاومة في الفلوجة تميّزت بقدرة كبيرة في حرب الشوارع والقتال بالمناطق المبنية، وعملت بمبدأ اللامركزية من خلال مجاميع منظمة، بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وتنقلت حسب تطور الموقف وضربت على شكل مراحل وبمواقع متعددة".
ويتابع: "الأهم هو أن القوات الأميركية فشلت بتقدير القُدرات العسكرية للمقاومة العراقية في الفلوجة، بسبب قلة المعلومات الاستخبارية لدى القوات المحتلة آنذاك".
ويرى الفلاحي أن "حفر الخنادق، والتحصينات، وتقسيم المدينة لقواطع مسؤولية، ثم تقسيم القوات لمجاميع صغيرة لتجنب الخسائر البشرية الكبيرة بالضربات الجوية، والحركة السريعة، قد جرّت القوات الأميركية إلى منطقة قتال مُنتخبة في بداية حي الجولان (شمال غربي الفلوجة)، مما أجبرها على التحوّل إلى الدفاع ثم الانسحاب".
أمر يعتبر الفلاحي، أنه في ظروف مشابهة في غزة، سيوقع قوات الاحتلال الإسرائيلية في مستنقع قتل كبير بحال قررت التوغّل إلى داخل القطاع، ويكبّدها خسائر أضعاف خسائر الأميركيين في الفلوجة.
من جهته، يعتبر الباحث بالشأن العراقي، إياد الدليمي، أن "تكرار التحذيرات الأميركية لإسرائيل من فلوجة أخرى في حال دخولها قطاع غزة، يأتي ضمن مساعيها لتلافي حدوث خسائر ضخمة في صفوف قوات الاحتلال الإسرائيلي". ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "خيار واشنطن الذي وُضع أمام (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو وأركان حربه، هو خيار معركة الموصل".
الدليمي: أي تدخل برّي يعني حرباً طويلة، وخسائر كبيرة للجيش الإسرائيلي
ويوضح الدليمي أن هناك "أوجه شبه كثيرة بين الفلوجة وغزة، خصوصاً في ما يتعلق بأن مقاومة غزة المتمثلة بكتائب القسام وسرايا القدس وبقية الفصائل، هي مقاومة شعبية من المدينة، وليست طارئة عليها". وهو الحال بحسب الدليمي، "مع مقاومة الفلوجة، فغالبية مقاتليها بالمعركة الأولى هم من أهل المدينة، بالتالي فإن هذا الأمر أعطى دافعية كبيرة للقتال حتى آخر لحظة".
وبرأي الدليمي فإن "أي تدخل برّي يعني فترة حرب طويلة، وخسائر كبيرة للجيش الإسرائيلي ستفوق عدة أضعاف خسائر الأميركيين بالفلوجة، لكن بالمقابل، فإن عدد الشهداء المدنيين من سكان غزة سيكون كبيراً جداً".
وفي السياق يشدّد على أهمية العمل السياسي للضغط على الاحتلال في وقف هجومه على غزة، معتبراً أنه في حال قرّر الاحتلال فعلاً التحرّك برياً فإن "حصيلة خسائره العسكرية ستكون قاسية جداً، وخسائر المدنيين الفلسطينيين ستكون فاجعة وصادمة".
استعادة لنفس المشاهد الدامية في الفلوجة بعد 20 عاماً
من جهته يقول رئيس وحدة الإسعاف في مستشفى الفلوجة العام، بفترة المعركة عام 2004، أحمد العيساوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن مشاهد انتشال الأطفال والنساء من تحت المباني المدمرة بالقصف الإسرائيلي في غزة، أعادت له مشاهد القصف الأميركي خلال ما يسميه "قيامة الفلوجة".
ويضيف أن "غالبية الخسائر بين المدنيين في معركة الفلوجة كانت بسبب الضربات الجوية والمدفعية على أحياء المدينة، خصوصاً الحدودية منها المحاذية للطريق الدولي السريع الرابط مع بغداد، ومن الجهة الجنوبية الغربية المحاذية لنهر الفرات، ومن جهة سكة القطار شمال غربي الفلوجة، حيث كان الأميركيون يحاولون التوغل برّاً".
العيساوي: القصف في الفلوجة طاول مباني ومستشفيات ومدارس ومساجد
ويلفت إلى أنه "في الأيام الأولى للمعركة كان هناك قصف مدمر، سوّيت خلاله مبان سكنية كاملة بتلك المناطق"، مضيفاً أن "هذه المناطق ذاتها حاول الأميركيون اقتحام الفلوجة منها". وأشار العيساوي إلى أنه شارك وأشرف "على انتشال جثث أفراد نحو 100 عائلة من تحت أنقاض المنازل التي دمرت بالقصف الأميركي، من بينهم عائلة شقيق زوجته في حي الجغيفي". ويشير إلى أن "القصف تعدى المباني السكنية، إلى المستشفى الحكومي ومستشفى طالب الجنابي، وعيادات طبية، ومساجد ومدارس".
ويرى العيساوي أن "جزءاً كبيراً من القصف كان بدافع انتقامي أو لدفع أهالي الفلوجة إلى أخذ موقف مستقبلي من وقف معارضتهم للأميركيين". ويقول: "بكل الأحوال كانت فاتورة الضحايا كبيرة جداً ووصلت إلى الآلاف في أيام قليلة، لكن ما زالت التشوهات الولادية وإعاقات الحرب تذكرنا بها لغاية الآن".
وفي السياق يوضح العيساوي أن "قرار تحويل ملعب كرة قدم مدينة الفلوجة إلى مقبرة جاء بعد تَعذّر الوصول للمقبرة خارج المدينة، وامتلاء المقبرة القديمة بالضحايا". ويتابع: "اقتُلع الجانب الرئيس من المدرجات الحديدية للجمهور ثم تَوسع بعد ذلك الدفن بواقع عشرات القبور يومياً وأحياناً المئات، إلى أن تحوّل الملعب كله لقبور أهل المدينة".
من جهة أخرى يتحدّث العيساوي عن أن عبارة "أجزاء بشرية"، التي ما زالت مكتوبة على عدد كبير من القبور في ملعب الفلوجة، لغاية الآن، "كانت باجتهاد شخصي، بعد انتشال رؤوس وأرجل وأجزاء مختلفة من أشلاء الضحايا بالقصف، وصار الاتفاق على تصويرهم وتوثيق مكان المنزل المقصوف وأي علامة دالة أخرى".
(شارك بالتقرير من بغداد: محمد علي)