محمد الصبان يكتب :مسيرة الأزهر الشريف (2)

profile
محمد الصبان كاتب صحفي
  • clock 23 أبريل 2021, 1:00:29 ص
  • eye 923
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

دخل الأزهر في فترة تقارب ال 90 سنة تقريبا في  مرحلة تغييب كامل، والفترة التاريخية دي حساسة جدا ومهمة في تاريخ مصر والمنطقة، 

لأن حقيقي من أول اغلاق الأزهر لغاية اعادة افتتاحه هي بالضبط مرحلة انتهاء عصر وبداية عصر جديد مختلف حتى على مستوى أبعاد الشخصية المصرية.

اغلاق الأزهر كان قرار سياسي من الدرجة الأولى، مش طائفي، قرار جه بعد مسيرة طويلة انتهت بالقبض على أبناء الخليفة العاضد آخر خليفة فاطمي

 وموت ابنه الأمير داود في السجن واعادة الخطبة باسم الخليفة العباسي على ايد صلاح الدين الأيوبي،  

صلاح الدين  واجه صراعات كتير لتأسيس نظام حكمه مع الشام "ورثة نور الدين محمود" ومع انصار الدولة الفاطمية اللي رفضوا انتهاءها،

 ومع الإفرنج اللي كانوا في الشام محتلين فلسطين والساحل السوري.

وأصدر القرار القاضي ابن درباس اللي عينه صلاح الدين قاضي قضاة الديار المصرية بمنع صلاة الجمعة في الأزهر ووقف النشاط التعليمي فيه. 

القرار ده كان نتيجة عوامل متعددة من أهمها إن الوضع مش زي ما انت متخيل انتهى ببساطة، فيه كتير من المصريين رفضوا انهاء الدولة الفاطمية

وهاجوا وثاروا، فمثلا هنلاقي انتفاضة حصلت من مجموعة منظمة ضد رجال الدولة في الوقت ده واتقتل فيها عدد كبير من أمراء صلاح الدين الأيوبي، 

وفي نفس التوقيت تقريبا حصلت حركة عباس بن شادي في قوص في الصعيد 

واللي أعلن تمرده على صلاح الدين، والأهم من ده كله هو «كنز الدولة» حاكم اسوان اللي حرك جيش كامل من النوبة والسودان واتحرك ناحية القاهرة لإعادة الخلافة الفاطمية! 

وحصلت مقتلة عظيمة، وبعدها فضل جنوب الصعيد والنوبة فترة طويلة رافعين الرايات البيضاء

 رمز الفاطميين ضد رايات العباسيين السوداء. ده غير كمان حركة النزاريين "الحشاشين" اللي أرقت السلطة

 واعتبرت نفسها الوريث الشرعي للعرش الفاطمي، وغير دي أحداث كتير كمان كان الأزهر كرمز سياسي مش بعيد عنها.

في الظروف دي اصدر القاضي قراره بإغلاق الأزهر وان صلاة الجمعة هتكون في جامع الحاكم بأمر الله.

اتجهت الدولة الجديدة وعلى ايد القاضي ابن باديس بإعلاء المذهبين الشافعي والمالكي في مصر، واستعانت بنفس الفقهاء

 والمدرسين والقضاة اللي كانوا على المذاهب دي في العصر الفاطمي في تأسيس مدارس جديدة تقوم بدور الأزهر،

 وتم تأسيس تقريبا 24 مدرسة جديدة في القاهرة منها مثلا مدرسة زين التجاري في الفسطاط والمدرسة الفاضلية وغيرهم، وبدأ كتير من الفقهاء يحوموا حوالين الأزهر لجذب الطلاب للمدارس الجديدة،

 طبعا في الفترة دي غابت الفلسفة واقتصر الأمر على الفقه الشافعي في المقام الأول وبعده المالكي والحنفي وفي العقائد كانت الأشعرية اللي أقرها القاضي بن باديس عقيدة للمدارس الجديدة.

وطوال الفترة دي ماقدرتش المدارس دي في انها تحظى بنفس مكانة الأزهر المغلق، وعلى حسب بعض المؤرخين على المستوى الشعبي 

كان كل الفقهاء دول اسمهم ازهريين في العرف العام رغم ان مدارسهم مش في الأزهر.

من أهم المميزات اللي بشوفها مهمة في الفترة دي، هي إنه اترسخ في الوعي الجمعي المصري فكرة مفادها إن الأزهر منهج وفكرة مش مبنى، فحتى في غياب المبنى

 كان اغلب العلماء بيجمعهم نفس المنهج اللي وضعه ابن حيون وبقت صفة ازهري تخص العلم عموما عند أهل مصر حتى لو هو مش جوه مبنى الأزهر. 

أهم رموز الفترة دي كان ابن زين التجار الفقيه الشافعي، وجمال الدين ابن الحاجب الفقيه المالكي وعلم من أعلام اللغة العربية، والحافظ المنذري الشافعي رحمه الله،

 وابن شاس الجذامي جلال الدين وغيرهم اللي أسسوا في الوعي المصري جذور للفقه الشافعي والمالكي والعقيدة الأشعرية.

فضل الوضع كده وظهر نجوم كتير في العلم والتدريس وحتى الأطباء اللي درسوا في العصر الفاطمي استعان بيهم صلاح الدين في بداية عهده

 واسسوا مدارس الطب ومنهم مثلا رضي الدين الرحبي اللي عينه صلاح الدين مدير المارستان "المستشفى" وابراهيم بن موسى بن ميمون و ابن أبي أصيبعة 

وكمان في علوم الفلك وغيرها واستمرت المسيرة دون اي استخدام لمبنى الأزهر اللي اتهجر تماما.

بعد الفترة دي ومع انتهاء دولة الايوبيين اللي لم تدم طويلا وانتهت بنفس الطريقة تقريبا اللي انتهت بيها الدولة الفاطمية بانقلاب من الوزراء المماليك،

 وصل للسلطة الظاهر بيبرس وفي عهده زفرت بقايا الدولة الفاطمية زفرتها الأخيرة بالمحاولة اللي قام بيها داع في القاهرة اسمه «الفارسي»

وقف في شوارع القاهرة قرب الأزهر بعد مقتل قطز ونادى بعودة الفاطميين لكن اتقبض عليه وانتهى.

 في عهد بيبرس نزل الأمير عز الدين الحلي وسكن بجوار الأزهر وقدر انه يرجع كل اوقافه المنهوبة اللي تم نهبها بوضع اليد خلال العقود اللي فاتت،

ورصد ليه الظاهر بيبرس ميزانية ضخمة وعمر أركانه واعاد له رونقه وأعلن عن عودة صلاة الجمعة فيه، وماكنش الأمر سهل طبعا اعترض قاضي القضاة تاج الدين ابن الأعز

 وحرم اقامة الصلاة فيه، لكن باقي العلماء اجتمعوا وافتوا بالصلاة فيه، وبدأت الصلاة بالفعل من جديد يوم الجمعة 18 ربيع آخر 665 هجريا، وتمت دعوة الظاهر بيبرس لحضور الصلاة فيه إلا انه رفض الحضور احتراما لقاضي القضاة.

وبدأت مرحلة جديدة خالص من التاريخ ده.

التعليقات (0)