- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محمد دويريكتب : السد الأثيوبي ورقعة الشطرنج
محمد دويريكتب : السد الأثيوبي ورقعة الشطرنج
- 9 مايو 2021, 2:02:31 ص
- 845
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في الأيام القليلة الماضية بدأت صيحات الضربة العسكرية للسد الأثيوبي تعلو شيئا فشيئا، وصار الاحتمال الذي كان صوتا مصريا داخليا،
مطروحا من قبل بعض المحللين الغربيين، ففي مقابلة مع أحد المستشارين السابقين للرئيس الأمريكي قال بأن مصر قد تذهب الي ضربة عسكرية لأن ليس أمامها خيارات أخري.
ولكن.. هل الحل العسكري محتمل ؟ وإذا كان كذلك..فهل هو ممكن ؟
يجب بداية أن ندرك مجموعة من الأشياء المهمة في هذا الصدد :
1- أن السد الأثيوبي محصن بمضادات صواريخ صHيوNية، علي درجة عالية من الكفاءة، وتعتبر رقم واحد علي مستوي العالم، ولديها قدرة علي التعامل مع الطائرات الحربية والصورايخ بشكل تلقائي بدون تدخل العنصر البشري ..
2- أن المسافة الكبيرة بين مصر وأثيوبيا ربما تجعل المهمة صعبة حتي ولو هناك امكانية لتمويل الطائرات أثناء اقلاعها.. ذلك أن فرصة مراقبة حركتها في الجو تكون أسهل.
3- أن الموقف السوداني لا يفضل كثيرا التدخل العسكري ولديهم اقتراحات منها تأجيل الملء الثاني وتعويض اثيوبيا عن خسائر التأخير.. لحين التوصل لاتفاق..
وهذا ما ترفضه اثيوبيا تماما.. والرفض الاثيوبي مستند الي موقف الاتحاد الافريقي لصالحها وكذلك بعض القوي الاقليمية والدولية.
4- في حالة التدخل العسكري ستحقق اثيوبيا مكاسب وتعاطف هائل في معظم بلدان العالم وسيقود الاتحاد الافريقي الحملة ضد مصر بحجة أنها اجهضت فرص التفاوض.
وحينئذ سيتحول الموقف بصورة كبيرة.
وبناء علي ذلك ..
فإن أثيوبيا تدرك تماما ما تفعله، وتلتزم بالقواعد والمنهج الصHيوNي في التفاوض عبر ثلاثة محاور:
1- كسب الوقت مع الاستمرار في العمل، سياسة الأمر الواقع ( نموذج المستوطنات )
2- رفض الوساطة الدولية والاصرار علي الاتحاد الافريقي ( نموذج رفض قرارات الأمم المتحدة )
3- تفكيك الوحدة التفاوضية بين طرفي النزاع مصر والسودان ومحاولة فصلهما عن بعض ( نموذج التفاوض مع الدول العربية بشكل مستقل )
أين الكارثة ؟
تكمن في دليل هام وخطير..يكشف عن نوايا أثيوبيا في الاستحواذ علي كامل مياه النهر، ثم التصرف فيها مستقبلا بالطريقة التي تريدها : المخارج المنخفضة التي تمر منها المياه الي مصر والسودان عددها فتحتان ( 2 فقط ) كل منهما تسمح فقط بمرور 50 مليون متر مكعب في اليوم، أي بما يعادل أي ما يعادل 3 مليار متر مكعب في الشهر، أي ما يعادل 36 مليار متر مكعب في السنة.. نصيب كل من مصر والسودان... هل كل عام ؟؟ لا طبعا.. في حالة وصول منسوب المياه خلف السد الاثيوبي الي ارتفاع 595 متر,
,في هذه الحالة فقط يمكن فتح المخارج لتصل لنا المياه ، وإذا لم تصل الي ذلك المنسوب لن تستخدم الفتحتان.. ماذا يعني ذلك.؟؟ بالطبع يعني الكارثة.
( هذا بخلاف المياة المتولدة عن انتاج الكهرباء، ولهذا حديث أخر حيث ربما تطرحها أثيوبيا للبيع، لأنها تصبح ملكيتها أو تعتبرها مخلفات تصنيع )
ثمة مشكلة أخري يجب وضعها في الاعتبار ..
أثيوبيا بلد قلق سياسيا واجتماعيا.. والسد الاثيوبي يمثل بالنسبة لهم قضية قومية بمعني الكلمة، والنظام الحاكم يستخدمه كورقة رابحة جدا في التبشير بالتنمية والتقدم ..
وهذا حق أصيل لكل شعوب العالم..ولكن مهما كانت النوايا نبيلة والحق في التنمية ضرورة، فإن الشعوب الأخري المتضررة من حقها أيضا أن تعترض..يبقي السؤال .. هل اعتراض مصر فعل اخلاقي ؟ نعم ..لأنه يتفق مع طبيعة الأمور.. لماذا ؟
النيل الأزرق يمر عبر ثلاث دول هي اثيوبيا والسودان ومصر..بانحدار طبيعي بارتفاع حوالي 1800 متر عند بحيرة تانا، وهي تخزن حوالي 40 مليار متر مكعب مياه..
ثم تصل بارتفاع حوالي 500 متر بالقرب من الخرطوم، ثم انحدار يصل الي 200 متر عند أسوان..
معني ذلك أن الانحدار طبيعي وهو جزء من تشكل النهر،ذلك الانحدار كان سابقا علي العمران البشري.."( احيانا يكون اندفاع المياه في ايام الفيضان اي بعض ايام شهر سبتمبر من مستوي 2000 متر الي 600 متر امام السد بما يعادل نصف مليار متر مكعب يوميا ،
وهو معدل اندفاع مهول وقوي جدا قد ينذر فعلا بمخاطر مستقبلا)
وعندما تريد أثيوبيا الاعتراض، فإنها يجب أن تعترض فيما يخص حصص المياه وليس فيما يخص مجري النهر الذي ترتب عليه قيام حضارات انسانية،
من حق اثيوبيا أن تعترض علي اتفاقية 59، ولكن ليس من حقها الاعتراض علي مجري النهر.. هنا تكمن المشكلة الكبري. ونظام الفتحات المائية سالف الذكر يؤكد نية أثيوبيا وربما أجزاء من المجتمع الاقليمي والدولي نحو تسليع المياه.
وهناك اشكال أخر نبه اليه بعض المتخصصين وهو أن إثيوبيا تقوم ببناء السد بطريقة حولها الكثير من علامات الاستفهام، ومنها علي سبيل المثال:
كما ذكرت بعض التقارير : ( التغييرات في السد المساعد، وتغيير مستوى فتحات التوربينات، وإزالة 3 مخارج توربينات بعد تركيبها، وتخفيض عدد التوربينات من 16 إلى 13،
وإزالة الأجزاء المعدنية للفتحات التي تعمل الآن ثم تركيبها، وعدم صب الخرسانة في أجزاء السد المختلفة بطريقة متجانسة، وما أثير من شبهات فساد تسببت في توقف المشروع لأكثر من مرة )
أين يكمن الحل ؟
ضرب السد لن يحل المشكلة ..ذلك أنه يمكن اعادة تشييده من جديد خلال سنوات وبدعم دولي واقليمي أكبر مما سبق...
وعلي كل من يطالب بتلك الضربة العسكرية أن يطرح علي نفسه سؤال : ثم ماذا بعد ؟؟ ماذا لو رفضت ايضا اثيوبيا ومعها الاتحاد الافريقي التفاوض من جديد ؟ وحينها لديها مبررات واقعية .
الحل :
كما ذكرت من قبل.. يجب أن تنظر مصر الي الموضوع علي أنه عملية قد تستغرق عدة سنوات – لن نلحق بفعل أي شيء خلال ال 45 يوما المتبقية –
ويجب أن ندرك أننا لابد وأن نتحمل سنوات قادمة عجاف لكي نصل الي اتفاق قانوني وملزم بضمان وصول حصة كافية من مياه النيل الأزرق.
ويجب أن يدرك الجميع أننا ندفع ثمن خروجنا من أفريقيا، وتجاهلنا لمشكلاتها..وعدم تحركنا مبكرا في ملف السد، وضعف ثقلنا الدولي والاقليمي..والتوقيع علي اتفاقية 2015،
وجلوسنا كالمتفرجين ونحن نراقب الكيان الصHيوNي وهو يتحرك دبلوماسيا وعسكريا وسياسيا داخل القارة السمراء التي كانت الي وقت قريب معقل الدفاع عن القضية الفلسطينية.
لقد دخل السد الأثيوبي في قلب رقعة الشطرنج العالمية وفرض نفسه كقضية مؤهلة للانفجار في أي لحظة، لتدخل المنطقة بالكامل في حسابات وجودية حاسمة.
.. إن القوة العسكرية مطلوبة.. وضرورية.. ولكن بشرط أن تكون جزءا من حل سياسي..وأن تكون مرحلة من مراحل بناء أفق استراتيجي للعودة الي أفريقيا من جديد..
وأعتقد أن أية ضربة عسكرية قريبة لن تؤدي الي نتيجة ايجابية.. لقد خسرنا المعركة السياسية والتفاوضية..وأخشي أن نخسر أيضا المعركة العسكرية من حيث النتائج.. فهي قد تهدم السد.. ولكنها قد تحيي القضية بصورة أكبر مما هي عليه الآن.
اخيرا..
القضة كما سبق أن أشرت مربكة.. وشديدة التعقيد..وكافة القوي الدولية والاقليمية والمحلية متداخلة فيها بصورة ما أو بأخري.
.وسوف يترتب عليها نظاما عالميا جديدا في التعامل مع المياه. ومن هنا تأتي صعوبة الحلول وخطورة كافة الاحتمالات المطروحة.
ختاما :
.. لم تدرج وزارتي الثقافة أو الاعلام أو المؤسسات العلمية في مصر قضية السد الأثيوبي ضمن برامجها التثقيفية أو التنويرية بهدف اتساع رقعة الاهتمام الشعبي بالموضوع..
وهذا يعكس أحد أمرين.. إما عدم الرغبة في اعتبار الشعب شريك في الصراع الدائر الآن وكأنه موضوع يخص السلطة المصرية فقط ( علي خلاف ما يحدث في أثيوبيا، حيث يشارك المواطنون هناك في كل ما يتعلق بالسد )..
أو اصابة الجميع بحالة لا مبالاة واعتبار السد الأثيوبي قضية أمر واقع، وعلينا أن نفكر في مسار أخر ومصادر أخري يعيش عليها 100 مليون مصري ونروي منها 8 مليون فدان. وهنا تكمن الكارثة الكبري من جميع النواحي. ولهذا حديث أخر.