- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
محمد عايش يكتب: إسرائيل خسرت الحرب.. وقُضي الأمر
محمد عايش يكتب: إسرائيل خسرت الحرب.. وقُضي الأمر
- 28 نوفمبر 2023, 8:24:22 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة قطرية بين إسرائيل وحركة حماس لمدة أربعة أيام، وتضمنت صفقة أولية لتبادل الأسرى، تعني أن إسرائيل خسرت الحرب ولم تحقق أياً من أهدافها، بل إن هذه الحرب كبدت الاحتلال مزيداً من الخسائر التي كان يُمكن أن يتجنبها لو لجأ إلى التفاوض منذ اليوم الأول.
الانتصار الوحيد الذي حققته إسرائيل في حربها على غزة هو سلسلة المجازر التي استهدفت النساء والأطفال والكهول، واستهداف المستشفيات والمدارس والمساجد، حيث سجل الإسرائيليون رقماً قياسياً في قتل الأطفال، عندما أصبحت هذه الحرب واحدة من أكثر الحروب في التاريخ استهدافاً للأطفال من حيث النسبة المئوية، إذ لم نسمع عن حربٍ من قبل كان نحو نصف ضحاياها من الأطفال، وأكثر من ثلثي الضحايا من النساء والأطفال، ما يعني أن الإسرائيليين لم يكن لديهم أي أهداف عسكرية، ولم يتمكنوا من الوصول إلى أي من معاقل المقاتلين ومواقعهم وقواعدهم.
خلال الـ48 يوماً الأولى من الحرب، التي سبقت الهدنة، استهدفت إسرائيل معالم قطاع غزة كافة، ودمرت أكثر من 40% من مباني القطاع، وأسقطت على رؤوس السكان من المتفجرات والصواريخ ما يعادل قنبلتين نوويتين من حيث قوة التدمير، ومع ذلك لم تتمكن من تحقيق أي من أهدافها، ليس هذا فحسب، بل لم تتمكن أيضاً من إثبات أي من المزاعم والدعايات التي كانت تروجها على مستوى العالم، ومن بينها استخدام المستشفيات والمدارس من قبل مقاتلي حماس، أو وجود شبكة أنفاق أسفل هذه المؤسسات، أو غير ذلك.
إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أي من أهدافها، ولم تتمكن من استرداد ولو أسير إسرائيلي واحد من غزة بالحرب، وإنما بالتفاوض
الحروب تُقاس بنتائجها وليس بتفاصيلها اليومية، أي أن العبرة في المآلات وليس المسارات، فحسابات الربح والخسارة أو النصر والهزيمة في الحروب، ليست في كمية خسائر كل طرف ولا في أعداد الضحايا. وهناك شواهد تاريخية تشير إلى منتصرين رغم أنهم تكبدوا خسائر بشرية ومادية أكبر في الحرب، ففي الحرب العالمية الثانية (من 1937 إلى 1945) دفعت دول «الحلفاء» ثمن الانتصار أكثر من 61 مليون قتيل، بينما كان نصيب دول «المحور» 12 مليون قتيل فقط، ومن المعروف أيضاً أن «معركة ستالينغراد» وحدها أدت إلى سقوط أكثر من مليوني ضحية من الروس، لكنها انتهت بأكبر هزيمة للجيش الألماني، وكانت بداية الانهيار الحقيقي للنازية، التي كان يقودها أدولف هتلر. ولا يختلف الحالُ كثيراً عن الحرب العالمية الأولى (من 1914 إلى 1918)، وحرب فيتنام، والعديد من الملاحم البشرية الكبرى. هذه الشواهد والأدلة التاريخية تشير إلى أن الشعوب التي لديها قابلية أكثر على التضحية وعلى تسديد ثمن النصر، تحظى به، وأنَّ الطرف القوي الذي يزداد توحشاً في كل مواجهة عسكرية فهو بالضرورة أقل قدرة على الصمود، وليس لديه قابلية على سداد ثمن الانتصار، وهو بالتالي أقرب على الدوام إلى الهزيمة منه إلى النصر.
في الحالة الفلسطينية الأخيرة دفع الفلسطينيون في غزة ثمناً غالياً لم يدفعه الاحتلال، وصمدوا لـ48 يوماً قبل أن يضطر الإسرائيليون للقبول بالهدنة والصفقة الأولية لتبادل الأسرى، لكنَّ الأهم من ذلك كله أن إسرائيل لم تتمكن من تحقيق أي من أهدافها، ولم تتمكن من استرداد ولو أسير إسرائيلي واحد من غزة بالحرب، وإنما بالتفاوض وعبر وسيطين: أحدهما عربي (قطر) والآخر غربي (الولايات المتحدة). وهذه الصفقة كانت حركة حماس قد عرضتها على إسرائيل في الثامن من أكتوبر الماضي، أي في اليوم التالي لاختطاف الإسرائيليين ونقلهم إلى القطاع، ما يعني أنه كان من الممكن أن يتجنب الجميعُ عناء الحرب، وكان من الممكن أيضاً أن لا يبات الإسرائيليون المختطفون في غزة أكثر من ليلة واحدة.
والخلاصة هي أن إسرائيل خسرت هذه الحرب، كما خسرت قبلها معركة تحرير الجندي جلعاد شاليط، وخسرت معركة تحرير الجنود الثلاثة الذين كانوا لدى حزب الله في عام 2006، وخسرت قبل ذلك معركة الكرامة في عام 1968، ومعركة الاستيلاء على القدس في عام 1948، ولا يلوح في الأفق اليوم أي مؤشر على أن الإسرائيليين يُمكن أن ينجحوا في ما يريدون داخل قطاع غزة.
كاتب فلسطيني