- ℃ 11 تركيا
- 22 ديسمبر 2024
"ميدل إيست آي": الإبادة الجماعية حالة مستمرة في غزة وليست وليدة الحرب الأخيرة
"ميدل إيست آي": الإبادة الجماعية حالة مستمرة في غزة وليست وليدة الحرب الأخيرة
- 24 نوفمبر 2023, 3:00:46 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
أكد الكاتب الفلسطيني، نيكي قطورة، أن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة لا تقتصر على قصف طائرات الاحتلال وآلياته، بل هي استراتيجية للاحتلال، تمثل حالة مستمرة.
وذكر قطورة، في مقال نشره بموقع "ميدل إيست آي" أن كبير الجراحين في الصليب الأحمر أفاد بأن مستشفيات غزة لم يعد لديها شاش "لعلاج المرضى الذين يعانون من حروق شديدة"، مشددا على أن "الإبادة الجماعية بعدد القتلى فحسب، بل أيضا بكيفية قيام الاحتلال الإسرائيلي بدفع الأحياء ببطء نحو الموت".
وأضاف أن العالم يتحدث عن تجاوز عدد الشهداء الفلسطينيين 14 ألف شهيد، لكن لا يُقال سوى القليل عن أكثر من 33 ألف جريح جراء الغارات الجوية المتواصلة، ومعاناتهم من بتر الأطراف والصدمات الجسدية، والعمى، وغير ذلك من الأمراض والإعاقات التي "تتحدى الخيال"، حسب تعبيره.
وأشار قطورة إلى أن "هذه هي الآثار المركبة لحملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على القطاع المحاصر"، مضيفا: "الأكثر إثارة للقلق من الرقم نفسه هو الانهيار الكامل لنظام الرعاية الصحية في غزة".
فقد أدى القصف الإسرائيلي لجميع المستشفيات والحصار التام المفروض على القطاع إلى منع دخول الضروريات، مثل الغذاء والماء والكهرباء والوقود، ما أدى بالتبعية إلى خنق الخدمات الطبية ومنع الأطباء بشكل كامل من رعاية الجرحى وإنقاذ حياتهم.
عنف بطيء
وبالنسبة للأستاذ في جامعة برينستون، روب نيكسون، فإن "العنف البطيء" هو قوة "فتاكة استنزافية" تحدث "تدريجيًا وبعيدًا عن الأنظار".
وهذا العنف البطيء هو أسلوب العمل الطبيعي للاحتلال الإسرائيلي، فقبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، كانت إسرائيل تتحكم بالفعل في كمية الطعام التي تدخل غزة، إلى حد تحديد حجم "السعرات الحرارية"، ورصد الكهرباء والمياه والوقود والإمدادات الطبية الداخلة إلى القطاع، لإضعاف عموم السكان ودفعهم ببطء نحو الموت.
ويستنشق الفلسطينيون حالياً أبخرة مسرطنة ستؤدي بلا شك إلى أشكال مختلفة من السرطانات بعد سنوات، بحسب قطورة، مشيرا إلى أن نهج الاحتلال هو "التسبب في الأذى والحفاظ على السكان الفلسطينيين في حالة ضعف دائم، ومع ذلك على قيد الحياة، من أجل السيطرة عليهم".
وأضاف أن هجوم الإبادة الجماعية، الذي شنته إسرائيل على غزة خلال الأسابيع الستة الماضية، يُظهِر تقاربًا واضحًا بين عدة أنماط من الهيمنة الاستعمارية، والعديد من "سرعات" العنف، حيث يتداخل الموت السريع، في شكل غارات جوية، مع الموت البطيء، المتمثل في النية الراسخة بالفعل لتدمير غزة.
وأشار إلى أن المسؤولين الإسرائيليين أعلنوا أنهم يقصفون غزة لـ "تحقيق الضرر أكثر من الدقة"، بهدف نهائي هو ضم قطاع غزة إلى الاحتلال، استمرارًا للنكبة.
ولتحقيق هذه الغاية، فإن إسرائيل لا تتسبب في أعداد غير عادية من القتلى بين المدنيين العزل فحسب، بل تعمل أيضًا على إضعاف الفلسطينيين وتهجيرهم قسراً من شمال غزة إلى جنوبها للسيطرة على أراضيهم.
ولكن على الرغم من وتيرة الموت والسلب، فإن "العنف البطيء بأشكاله المختلفة يظل ممارسة أساسيًة أيضًا"، بحسب قطورة، الذي ضرب المثل بالتقارير الواردة من مستشفيات غزة، التي لجأت إلى إجراء عمليات قيصرية وبتر أطراف دون تخدير، ما يجعل من المستحيل على المرضى في الشمال إخلاء الجنوب.
ونقل قطورة عن الجراح، غسان أبو ستة، قوله إن المستشفيات نفدت منها عمليات نقل الدم، ما تسبب في وفاة عديد المرضى بعد الجراحة، وأن الجرحى بسبب القصف الإسرائيلي "لم يعودوا يتلقون العلاج من إصاباتهم ولكنهم بدلاً من ذلك يحافظون على استقرار إصاباتهم قدر المستطاع".
وأدى نقص الوقود إلى وفاة ما لا يقل عن 5 أطفال خدج، وتهدد حياة العشرات الآخرين في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى الشفاء المحاصر.
واجه الأطفال الموت البطيء أثناء إخراجهم من الحضانات، بينما استخدم الأطباء ورق القصدير والماء الساخن لإبقائهم دافئين.
وكما أن الإغلاق الكامل للضروريات الأساسية يدفع الفلسطينيين إلى الموت لأنهم يعانون من الزحار (التهاب في الأمعاء والقولون) بعد استهلاك المياه غير الصالحة للشرب، ومن المجاعة، وهو مظهر آخر متزايد من العنف، جرى بالتزامن مع قصف جميع المخابز.
وفي الآونة الأخيرة، انتشرت أمراض مثل الكوليرا في غزة، وأدى عدم القدرة على الحفاظ على النظافة في مخيمات اللاجئين المزدحمة ونقص الوصول إلى المياه النظيفة إلى وفاة الفلسطينيين بسبب الفشل الكلوي الذي يمكن الوقاية منه.
ويلفت قطورة إلى أن الأمثلة العديدة لـ "العنف البطيء" تستهدف أمرين بالأساس، الأول هو إضعاف الفلسطينيين وبالتالي الاستمرار في القتل البطيء بعد فترة طويلة من إعلان وقف إطلاق النار، والثاني هو التعتيم على مسؤولية إسرائيل عن الوفيات التي تنجم عن الحصار على مدى سنوات، وجعلها غير مرئية.
أسلحة كيميائية
ومنذ 7 أكتوبر، أسقطت إسرائيل أكثر من 30 ألف طن من المتفجرات بالإضافة إلى الأسلحة الكيميائية مثل الفسفور الأبيض على القطاع الذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربعاً، ما يعني أن 2.3 مليون فلسطيني يستنشقون حالياً أبخرة مسرطنة ستؤدي بلا شك إلى أشكال مختلفة من السرطانات بعد سنوات.
ومن المرجح أن يعكس معدل الإصابة بالسرطان في غزة ذلك المعدل الذي تعاني منه فيتنام وناجازاكي وهيروشيما حتى يومنا هذا، بحسب قطورة.
وقُتل همام اللوح، أخصائي الكلى بمستشفى الشفاء، في 12 نوفمبر، إلى جانب أسرته، بما في ذلك طفلاه البالغان من العمر 4و5 سنوات، وفي مقابلته الأخيرة قبل مقتله، والتي نشرتها مجلة "الديمقراطية الآن"، سُئل عن سبب عدم نزوحه نحو جنوب غزة، فقال: إذا ذهبت فمن يعالج مرضاي؟.
وهنا يشير قطورة إلى أن مقتل الأطباء والعاملين بالمجال الصحي، هو في حد ذاته شكل من أشكال العنف البطيء، لافتا إلى أن الأطباء الذين لعبوا دوراً محورياً في مجتمعاتهم لم يعودوا قادرين على تقديم الرعاية للمرضى، ما أدى إلى المزيد من الوفيات بسبب نقص العلاج بعد فترة طويلة من وقف إطلاق النار، وهو غياب محسوس بالفعل ولكنه سيظل واضحاً بعد فترة طويلة من انتهاء الحرب.
ليسوا أرقاما
وعلى الرغم من أن الدورة الإخبارية والمؤسسات السياسية جردت الضحايا الفلسطينيين من إنسانيتهم وتحركت بوتيرة سريعة لتغطية الدمار في غزة، إلا أن القتلى رحلوا إلى الأبد، بينما الأشقاء والآباء والجيران وغيرهم هم أصحاب المأساة المستمرة، والذين يحزنون بالفعل على أولئك الذين فقدوا في الاعتداءات السابقة التي قادتها إسرائيل.
وخلال مسار هذه الإبادة الجماعية، ينوه قطورة إلى أن فظائع جديدة تكشفت كل يوم، تزامنا مع تكرار شعار "لا يمكن أن يصبح الأمر أسوأ من ذلك"، ومع ذلك فإن منطق هذه الإبادة الجماعية وتنفيذها يضمنان أن الأمر لا يمكن إلا أن يزداد سوءًا.
وأشار إلى أن المذبحة في غزة تتفاقم، وكلما تم تدمير المزيد من المباني السكنية كلما طال أمد بقاء الناس دون طعام أو ماء، وكلما خلقت إسرائيل المزيد من اللاجئين المشردين داخليا، وكلما أصبح "العنف البطيء" أطول وأسرع وأكثر وضوحا.
وينوه قطورة إلى أن أيا من الأمثلة التي ذكرها لا يأخذ في الاعتبار "العنف البطيء الذي أحدثته الحروب الإسرائيلية على غزة في الأعوام 2008 و2012 و2014 و2021، أو العنف التاريخي في الأعوام 1967 و1956 و1948، أو العنف اليومي الذي يواجهه الفلسطينيون بعد انتهاء الصراع الذي طال أمده".
ويختتم قطورة مقاله بالتأكيد على أنه لا يدعو إلى تقويض الدعوة الحاسمة لوقف إطلاق النار المباشر في غزة، لكنه يدعو إلى إدراك أهمية فهم توقيتات الإبادة الجماعية، والطرق التي تمتد بها إلى ما هو أبعد من اللحظة الحالية وقبلها، وفهم أنها حالة مستمرة في غزة، وليست وليدة الحرب الأخيرة فقط.
وعليه فإن وقف إطلاق النار ليس كافيا، بل إن المطالبة واجبة بإنهاء الاحتلال "إذا كنا نأمل في وضع حد صارخ للعنف البطيء للاستعمار الإسرائيلي"، حسب تعبيره.