مصر بين الدولة والعزبة

profile
مجدي الحداد كاتب ومحلل سياسي
  • clock 23 مارس 2021, 8:39:16 م
  • eye 1040
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

قد يثار هنا تساؤل افتراضي أولي مفاده ؛ في أيهما تكون الإدارة أكثر حرصا وتجردا وشمولا وأثرا وتأثيرا و إيثارا وعدلا ، والقيام بما هو مطلوب منها نحو رعاياها ..؟!

ستختلف الإجابة قطعا باختلاف الزمان والمكان ، ولكن ، و باختصار ، وحتى لا نبعد كثيرا ، فكلما كان نظام الحكم أكثر شمولية ، وتختلط فيه السلطات تقريبا ، بحيث لم يعد بإمكان اي مراقب أن يعرف ما هي الحدود الفاصلة بين سلطة وأخرى ، ومتى وأين تبدأ حدود أية سلطة من السلطات ومتى وأين تنتهى ، ومتى تشتبك وتندمج أو تنفصل هذه السلطة أو تلك مع سلطة أو السلطات الأخرى . وهذا الإرتباك ، أو الخلط بين السلطات ، يحدث عادة عندما يجمع الحاكم بين يديه كل السلطات تقريبا . ويمكننا القول عندئذ ، وبقلب وضمير مستريح ؛ أن إدارة العزبة هنا ، وفي هذه الحالة بالذات ، سوف تكون أفضل من إدارة دولة يجمع فيها الحاكم كل السلطات بين يديه ..!

ففي العزبة ؛

سوف يضطر القائم على إدارتها راغما ومرغما أن يوازن بين الإيرادات ومدخولات عزبته ونفقاتها . وسوف يهمه طبعا تحقيق ربح يستفيد هو منه شخصيا وكذا يفيد به رعايا عزبته ، على الأقل إتقاء لشر الإنقلاب عليه . فلن يقدر على تبديد موارد عزبته فيما لا يفيد دعم وزيادة إنتاجيتها وحاصلتها ، ومن هنا فهو لا يمكن ان يتواطىء مثلا مع مدير عزبة مجاورة لقطع المياه عن عزبته لأنه سوف يكون هو شخصيا أول المتضررين من ذلك ؛ هو ومن يعول .

بل قد يلجأ إلى قيادة سيارته بنفسه دون الإستعانة بسائق خاص أو حتى طاقم حراسة خاص من " بلاك ووتر " أو ما شابه ــ في حالة عدم الثقة بطاقم حراسته الوطني مثلا ــ وذلك لتقليل النفقات وتعظيم الربح أو العائد والوصول بمديونية العزبة إلى الدرجة صفر مديونية ، الأمر الذي قد يعزز وجود فائض مالي ونقدي يمكن إعادة إستثماره أو حتى إقراضه للعزب المجاورة ..!

و في الدولة ؛ 

-----------------

 ــ سنجد مثلا ، وفي قانون المناقصات والمزايدات ، وبعد تعديله ، أنه لا يجب أن تتعدى قيمة الإسناد المباشر لأي عطاء أو مناقصة عن 20 مليون جنيه مصري ،  ومع ذلك أسند لشركة جنرال إليكتريك عطاء بالأمر المباشر قيمته حوالي 575 مليون دولار لتوريد قاطارات ــ حوالي 100 جرار ــ للسكك الحديدية ، على الرغم من وجود عطاءات أخرى كثيرة وأكثر تنافسية ، ومع ذلك ، فقد خرج حوالي 10% من هذه القاطرات عن الخدمة وعلى الرغم من حداثتها ..! . والسؤال هو ؛ من سيتحمل ، أو تحمل بالفعل ، تكلفة مجاملة تارمب مثلا من خلال شراء قاطرات بهذا المبلغ ، وعلى الرغم من وجود عروض أخرى أفضل بكثير ..؟! ، فهل سيتحملها الشعب مثلا من خلال فرض قوالنين جباية كقوانين التصالح والشهر العقاري ، و رخص المرور ..؟!

ثم هل وصل بك الأمر لمجاملة رئيس دولة أخرى أن تبدد مثل ذلك المبلغ ، وبالعملة الصعبة ، فقط من أجل إسترضاء حاكم أخر لدولة أجنبية ..؟!

طب لو كانت عزبة ، كان هيحصل فيها كدا ..؟!

ــ وسنجد أيضا ، ومجاملة لترامب ، وقبل توليه حتى السلطة رسميا ، سحب السفير الدائم بالأمم المتحدة لمشروع قرار إدانة الإستيطان الصهيوني بالضفة الغربية لعام2016 ــ وحيث كانت تمثل دولته وقتها المجموعة العربية كلها . وادعى السفير وقتها أنه سحب القرار خشية الفيتو الأمريكي المتوقع ..!

ولكن بعد هذا السحب المخزي لمثل هذه القرار قامت دولا غير عربية ، وهي كل من نيوزيلندا والسنغال وفنزويلا وماليزيا ، بتني القرار ذاته ، وعرضه على مجلس الأمن مرة أخرى ، وحصل القرار على موافقة بالإجماع تقريبا ، حيث لم تعترض عليه الولايات المتحدة ذاتها ، وربما لأول مرة ، "بالفيتو" الأمريكي الشهير ، والذي توقعه السفير بالأمم المتحدة ..! ، فهل هذا السفير لا يزال في مكانه ووظيفته يمارس نفس الدور ..؟!

طب لو كانت عزبة كان هيحصل فيها كدا ..؟!

ــ كما سنجد كذلك أن في الدولة الفقيرة قوي تتعاقد مع شركة " براونشتاين ... " للعلاقات العامة الأمريكية بعقد قيمته 65 ألف دولار شهريا ــ وسأضع الرابط في أول تعليق ــ وذلك فقط مقابل تحسين صورة رئيسها أمام بايدن ..!

طب انت مش قلت قبل كدا : " قبل ما تسأل عاوز ايه ؛ قول الأول ؛ منين وبكام ..؟!"

ولا هتعود على الشعب تاني ، وتفرض عليه ضرائب جباية جديدة علشان يدفعلك فاتورة خدمات العلاقات العامة الأمريكية من أجل تحسين صورتك ..؟!

طب لو كانت عزبة ، كان هيحصل فيها كدا ..؟!


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)