يوم أذل المماليك التتار

مصطفى إبراهيم يكتب: معركة عين جالوت-  25رمضان عام658 هجرية

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 26 أبريل 2022, 11:29:40 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

انتصارات رمضان

يوم الخامس والعشرين من  رمضان  عام658 هـ الموافق 3 سبتمبر 1260  انتصر جيش المسلمين على بقيادة سيف الدين قطز التتار في معركة عين جالوت التي تعد  إحدى أبرز المعارك الفاصلة في التاريخ الإسلامي، والتي أذل فيها المسلمون جيش التتار الذين تأسست إمبراطوريتهم سنة 603 هـ الموافق 1206م في منغوليا على يد جنكيز خان، فتمددت حتى بلغت حدودُها كوريا شرقاً إلى حدود الدولة الخوارزمية غرباً، ومن سهول سيبيريا شمالاً إلى بحر الصين جنوباً، ثم بدأت بالتوسع غربا حيث سقطت خوارزم سنة 616 هـ / 1219م، فسقطت المدن بيدهم الواحدة تلو الأخرى، حيث سقطت بخارى، ثم سمرقند ثم اجتاحوا إقليم خرسان وخوارزم، وكل ذلك كان في سنةٍ واحدة، وفي سنة 617 هـ الموافق  1220م سقطت أذربيجان وهمدان وتبريز وداغستان والشيشان..ثم تولى أوقطاي خان الحكم بعد جنكيز خان فضم إقليم فارس إلى المغول. وفي سنة 649 هـ / 1251م تولى الحكم منكو خان، فعين هولاكو والياً لإقليم فارس. وبعد خمس سنوات بدأ هولاكو في حصار بغداد في شهر محرم  عام 656 هـ  الموافق 1258م. لم يدم الحصار شهراً واحداً حتى سقطت بغداد ومعها الخلافة العباسية واستبيحت بغداد وقتل الخليفة المستعصم بالله.

توجه بعدها هولاكو إلى حصار ميافارقين التي يتحصن فيها الكامل محمد الأيوبي، والتي ما لبثت أن سقطت، ثم توجه صوب حلب فأمر الناصر يوسف بتسليمها إليه ولكن الناصر رفض، فدخلها سنة 658 هـ الموافق 1260 م، ثم دخل حماة ودمشق في نفس العام، ولكن مالبث أن رجع هولاكو إقليم فارس ووكل قائده كتبغا إكمال الحملة، حيث تمكن من احتلال جميع مدن فلسطين التي لا تخضع للصليبيين.

  كانت مصر في تلك الفترة تئِنُّ من الصراعات السياسية الداخلية، حيث توفي الصالح أيوب في عام 647 هـ  الموافق 1249م وهو خَارج إلى المنصورة لملاقاة لويس التاسع صاحب الحملة الصليبية السابعة. فتولى قيادة الجيش كلا من بيبرس و فارس الدين أقطاي حيث تم لهم النصر في معركة المنصورة. تولى توران شاه الحكم خلفاً لأبيه، ولكنه قتل بعد أربعة أشهر من توليه الحكم. فحدث فراغ سياسي كبير بعد مقتله، فليس هناك أيوبي مؤهل لقيادة الدولة، عندها أعلنت شجرة الدر بالتعاون مع المماليك حاكمةً لمصر، ولكن الرفض عم أرجاء العالم الإسلامي بعد سماعه الخبر، فتزوجت عز الدين أيبك ثم تنازلت له عن الحكم، وأصبح أول سلاطين مماليك مصر، استقر بعدها الحكم لأيبك واعترف به الخليفة العباسي المستنصر بالله، ولكن بدأت الصراعات بين المماليك في النشوب، ماأدى أن قتل أيبك زعيمَ المماليك فارسَ الدين أقطاي، فهرب المماليك الآخرين وعلى رأسهم بيبرس من مصر.. ثم مالبث أن قتلت شجرة الدر زوجها أيبك بعدما علمت انه تزوج من ابنة حاكم الموصل، فسارع سيف الدين قطز ومعه المماليك المعزية و نور الدين علي بن أيبك بإلقاء القبض على شجرة الدر وتسليمها لأم نور الدين والتي أمرت جواريها بقتلها ضرباً بالقباقيب.

وبُويع نور الدين علي بن أيبك البالغ من العمر خمسة عشر سنة حاكماً لمصر، وتولى سيف الدين قطز الوصاية الكاملة عليه، أدى صعود طفل سدة الحكم في مصر لحدوث قلاقل وفتن، ولكن قطز استطاع إخمادها على الفور، ثم طمع الأمير الأيوبي مغيث الدين بحكم مصر، وسير الجيوش لقتال قطز، ولكن قطز استطاع صد جيشه في سنة 655 هـ الموافقة  1257م و 656 هـ الموافقة 1258م، وفي ضوء سقوط بغداد في عام 656 هـ الموافق 1258م والمشاكل الداخلية وثورات المماليك وأطماع الأمراء الأيوبيين، لم يجد قطز أي معنى لأن يَبقى طفل على سدة حكم مصر التي لم يعد هناك أمل لصد المغول إلا فيها، واتخذ قراره بعزل الطفل نور الدين علي بن أيبك واعتلاء عرش مصر سنة 657 هـ.

 ورغم صعود  قطز  إلى كرسي الحكم، إلا أنه كان هناك الكثير من الطامعين في الكرسي وهناك الكثير من الحاقدين على قطز شخصياً، كما أن الفتنة ما زالت دائرة بين المماليك البحرية الذين كانوا مؤيدين لشجرة الدر وبين المماليك المعزية الذين يؤيدون قطز، أما المسرح السياسي الخارجي فكان يحمل مشكلات كبيرة أخرى، وذلك أن العلاقات كانت ممزقة تماماً بين مصر وجيرانها، أما الوضع الاقتصادي فلم يكن بأفضل حالاً من الوضع السياسي، فهناك أزمة اقتصادية يمر بها البلد من جراء الحملات الصليبية المتتالية، ومن جراء الحروب التي دارت بين مصر وجيرانها من الشام، وكذلك الفتن والصراعات على المستوى الداخلي، كما أن الناس انشغلوا بأنفسهم وبالفتن الداخلية والخارجية، فتردى الاقتصاد لأبعد درجات التردي.

وكانت أول خطوة قام بها قطز في إعداده لحرب التتار هي استقرار الوضع الداخلي في مصر، وقطع أطماع الآخرين في الكرسي الذي يجلس عليه، وما كان من قطز إلا أن جمع الأمراء وكبار القادة وكبار العلماء وأصحاب الرأي وقال لهم: «إني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التتر ولا يأتي ذلك بغير ملك، فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكم أقيموا في السلطة من شئتم»، فهدأ معظم من حضر الاجتماع ورضوا بما قال، ثم قام قطز بالقبض على رؤوس الفتنة الذين حاولوا الخروج على سلطته وحكمه، وبذلك هدأت الأمور نسبيًا في مصر، أما الخطوة الثانية التي قام بها قطز فهي إصداره لعفو عام وشامل عن المماليك البحرية الذين فروا إلى الشام بعد مقتل زعيمهم فارس الدين أقطاي، كانت هذه الخطوة أبرز قرار سياسي اتخذه قطز، فقوات المماليك المعزية لا تكفي لحرب التتار، وكانت المماليك البحرية قوة عظيمة وقوية جداً ولها خبرة واسعة في الحروب، فإضافة قوة المماليك البحرية إلى المماليك المعزية ستنشيء جيشاً قوياً قادراً على محاربة التتار، وكان من نتائج هذه الخطوة عودة القائد الظاهر بيبرس إلى مصر وانضمامه إلى قطز، وبهذا توحدت قوى المماليك تحت لواء جيش واحد قائده سيف الدين قطز.

وأرسل هولاكو رسله لمصر يطلب الاستسلام،فكان الرد من قطز بقتل هؤلاء الرسل ،والاستعداد للمعركة ،اقتصادياً بأن باع قطز كل مايملك تطبيقاً لفتوى الشيخ العز بن عبد السلام،ثم تبعه  به كل الأمراء،لتوضع الحصيلة لخدمة تجهيز الجيش ، وبعدها تم فرض ضريبة دينار واحد على كل فرد صغيراً أو كبيراً وأجرة شهر من إيجار الممتلكات،سواء كانت أوراضي أو بيوت .

وبعدها اجتمع قطز مع مجلسه العسكري لبحث أفضل طريقة لحرب التتار، وعبَّر عن عزمه الخروج بجيش مصر لملاقاة التتار في فلسطين بدلاً من أن ينتظرهم في مصر، اعترض أغلب القادة على رأي قطز وفضلوا أن ينتظر قطز التتار حتى يصلوا مصر ليدافع عنها، لأن مصر مملكته أما فلسطين فهي مملكة غيره، وبعد نقاش طويل دار في المجلس العسكري، أُقرت خطة سيف الدين قطز لعدة عوامل وهي: أن أمن مصر القومي يبدأ من حدودها الشرقية وليس من داخل البلد نفسه، ومن الأفضل عسكرياً أن ينقل سيف الدين قطز المعركة إلى ميدان خصمه لأن هذا سيؤثر نفسياً على نفوس التتار، ومن الأفضل عسكرياً كذلك أن يمتلك المسلمين عنصر المفاجأة فيختاروا هم ميعاد المعركة ومكانها، عندها بدأ العز بن عبد السلام ومن معه من علماء الأمة بصعود منابر المساجد والحث على الجهاد، وترغيب الناس بالجنة وتزهيدهم في الدنيا، وتعظيم أجر الشهادة في سبيل الله، واستمر إعداد الجيش وتجهيزه وجمع المتطوعين وتدريب المجاهدين مدة خمسة أشهر، من شهر ربيع الأول عام  658 هـ الموافق فبراير 1260م إلى نهاية شهر رجب (يوليو) من السنة ذاتها .

 وكان لمعركة عين جالوت الأثر العظيم في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى والمتصارعة في منطقة الشام، فقد تسببت خسارة المغول في المعركة في تحجيم قوتهم والقضاء على أسطورتهم التي أرهبت القاصي والداني.

وما إن انتهى قطز من تجهيز الجيش حتى سار به من منطقة الصالحية شرق مصر حتى وصل إلى سهل عين جالوت الذي يقع تقريبًا بين مدينة بيسان شمالًا، ومدينة نابلس جنوبًا في فلسطين، وفيها تواجه الجيشان الإسلامي والمغولي، ووضع قطز خطة خادعة أغرت كتبغا قائد التتار بالهجوم ليفاجأ بقوات أخرى من جيش المسلمين تحيط به من كل جانب،وكانت الغلبة في بداية المعركة للتار، وحينها خلع قطز خوذته وصاح واسإسلاماه اللهم انصر عبدك قطز على التتار، فثارت حماسة الجيش،وانقضوا كالأسلود الغاضبة على جيش التتار ، واحتدم القتال في سهل عين جالوت، و   صوّب أحد التتار سهمه نحو قطز، فأخطأه وأصاب فرسه وقتل الفرس، واستمر القتال وقطز في أرض المعركة يقاتل، وبدأت الكفة تميل لصالح المسلمين، وارتد الضغط على التتار، وتقدم أحد  أمراء المماليك واسمه جمال الدين آقوش الشمسي واخترق صفوف التتار حتى وصل لكتبغا، ودار بينها قتال فتمكن آقوش من كتبغا وقتله، وبقتله قتلت العزيمة عند جيش التتار، وأصبحوا يقاتلون ليفتحوا لأنفسهم طريقاً في المدخل الشمالي لسهل عين جالوت ليتمكنوا من الهرب، واستطاعوا فتح ثغرة في المدخل الشمالي، وخرجت أعداد كبيرة منهم باتجاه الشمال، وخرج المسلمون في طلبهم، حتى وصل التتار الفارّون إلى مدينة بيسان، وعندما وصل إليهم المسلمون، لم يجد التتار أمامهم إلا أن يعيدوا تنظيم صفوفهم ويصطفوا من جديد، ودارت بين الطرفين معركة كبيرة قرب بيسان، وقاتل التتار فيها قتالاً شديداً، وبدؤا يضغطون على المسلمين، ودارت الدائرة لهم، عندها كرر قطز ما فعله في عين جالوت وأخذ يصيح بالجند «واإسلاماه... واإسلاماه... واإسلاماه» ثلاثاً، كانت هذه الكلمات دفعة معنوية لجنود جيش المسلمين، وأقبل الجند على القتال وارتفعت راية الإسلام وهوت راية التتار، وبدأ جنود التتار في التساقط، وكانت نتيجة المعركة أن أُبيد جيش التتار بأكمله، ولم يبقَ على قيد الحياة من الجيش أحد. .

 وكان لمعركة عين جالوت الأثر العظيم في تغيير موازين القوة بين القوى العظمى والمتصارعة في منطقة الشام، فقد تسببت خسارة المغول في المعركة في تحجيم قوتهم والقضاء على أسطورتهم التي أرهبت القاصي والداني.

 


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)