مصطفى إبراهيم يكتب: فتح الحبشة – شهر رمضان سنة 935 هجرية

profile
مصطفي إبراهيم رئيس التحرير التنفيذي لموقع 180 تحقيقات ورئيس تحرير موقع 180ترك
  • clock 23 أبريل 2022, 11:41:47 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

في شهر رمضان سنة خمس وثلاثين وتسعمائة من الهجرة، بدأَت المعركة  بين جيش المسلمين في الحبشة بقيادة أحمد الكبير  وأعدائهم من القراصنة الاحباش الذين تحالفوا مع القراصنة الأاقباط ولتنفيذ مخطط سرقة جسد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وأبلَى المسلمون بلاء حسنًا، وصمدوا في وجه النصارى رغم قوَّتهم وكثرة عددهم، وأنزل الله النَّصْر عليهم، فانهزم النصارى هزيمة قاسية، وقُتِل أكثرهم وانفتح الطريق إلى عاصمتهم "أكوم"، فاستولى المسلمون عليها وقضَوْا على بقية دولتهم.

والقائئد العظيم أحمد الكبير هو  الفاتح الكبير الإمام أحمد بن إبراهيم الغازي المشهور بلغة الحبشة بالجران أي الأشول 912 – 950 هـ 1506 – 1543م، وأصح ما ورد عن نشأته وأصله أنه ولد ونشأ في”هوبت” بين جلديسا ومدينة هرر، وكان خادمًا لجراد أبون أحد أمراء عدال المشهور بعدله، فما لبث أن أصبح جنديًا مخلصًا وفارسًا مغوارًا ، غيورًا على دينه وحريصًا على صلاح أمر المسلمين، مطلعًا على الوضع المتدهور لمملكة عدال داخليًا، وأقلقه انتشار الفساد وضياع الأمر وسوء حال الحكام، بدأ الإمام أحمد عمله الجهادي برد هجوم البطريق فانوئيل من أهل دوَّارو على بلاد المسلمين في بلاد هوبت مسقط رأسه، وحث المسلمين جميعًا على الجهاد والغزو في سبيل الله، وكان التجاوب سريعًا والانتصارات متتالية على قوات الإمبراطور لبنادنجل، وقد عاد إلى الإسلام عدد كبير ممن أرغمهم الإمبراطور على اعتناق النصرانية، كما انضمت إليه وتوحدت مع جيشه حركات السلطنات والممالك الإسلامية المتشتتة، في عام 1529م كانت المعركة الحاسمة بين الإمام والملك لبنادنجل في مكان يسمى شمبرا كورى بين دوكم وموجو الآن، انهزم فيها جيش النصارى وفر الإمبراطور لبنادنجل، ولم يملك حتى الدفاع وأصبح طريدًا حتى مات 1541م.

  الانتصارات العسكرية للإمام أحمد مكنته من السيطرة على ثلاثة أرباع أرض الحبشة، وكان هذا إيذانًا لزوال الملك النصراني وضربًا لمصالح وآمال البرتغال التي جاءت إلى المشرق لحماية النصارى، مما جعلها تعمل على الانتقام من الإمام أحمد وإعادة ملك النصارى في أبيسينيا، حيث وصلت الحملة العسكرية التي تحركت من ميناء مصوع الذى كان تحت سيطرة البرتغال في ذلك الوقت، ودارت المعارك بين جيش الإمام والبرتغال في عدة مواقع قتل في إحداها كرستوفر دغاما أخو الرحالة المعروف بفاسكو دجاما، صارت المعركة الأخيرة بعد تعزيز قوات البرتغال وحصول الضعف الاستراتيجي من جانب الإمام، استشهد فيها الإمام أحمد، وتفرقت جيوشه، واستطاع كل من قواده المعروفين “الأمير نور مجاهد، ووزير عباس، وزوجة الإمام العودة إلى هرر بمن بقى من الجيش.

كان عهد الإمام مع قصره متميزًا بالسيطرة التامة على أنحاء الحبشة تحت راية الإسلام، فلم يتيسر لأي ملك قبله أن يوطد حكمه بلا منازع لمدة 25 عامًا، فقد دان لحكم الإمام جميع المواطنين ما عدا الأسرة المالكة التي استغاثت بالبرتغال، انتهت بهذا الفتح الإمارات والسلطنات الإسلامية التي تعرف بممالك الطراز، حيث انضمت كلها إلى جيش الإمام وصارت دولة واحدة تحت إمام واحد، وبقيت هرر الحصن المنيع للمسلمين فيما بعد، ومركزًا حضاريًا يشع منه نور الإسلام وهداه غير آبه بالهزائم والانتصارات الحربية.

وعمومًا ضعف النفوذ السياسي لمسلمي منطقة الحبشة عامة في ظل الهيمنة المسيحية المسنودة من القوى الدولية بالرغم من استمرار المقاومة وتعدد أشكالها ولكن دون ظهير وسند سياسي بعد سقوط الدولة العثمانية التي ظلت ظهيرًا للمسلمين في مواجهة الحملات الخارجية ولكن بالرغم من كل التحديات الداخلية والخارجية فقد تمسك المسلمون بدينهم وهويتهم والمستقبل أمامهم يحمل الكثير من البشريات مع تنامي الوعي الديني والسياسي والقدرة على فهم الواقع الداخلي والتحديات الخارجية والتعامل معها بحكمة ورشد.

وسبق ذلك أنه في عام (84) للهجرة شكل القراصنة الأحباش خطرًا على الدولة الإسلامية وأرض الحرمين فجرد لهم عبدالملك بن مروان جيشًا وأقام أول إمارة في جزيرة دهلك بالقرب من ميناء مصوع الإرتري الحالي وكان ذلك بداية فعلية لفتح الحبشة عسكريًا وإن كان الغرض من ذلك بسط الأمن ومنع التهديد للأراضي المقدسة.

 

 ثم كانت مرحلة تالية وهي عقد معاهدة مع مملكة البجة وكانت تشمل بعضًا من أرض الحبشة ثم في مرحلة رابعة قامت ممالك الطراز الإسلامي وهي سبعة إمارات إسلامية على الساحل الممتد غرب البحر الأحمر وتمدد جزء منها في قلب الهضبة الحبشية ومنها مملكة شوا التي أقامها المخزوميون واستمرت عدة قرون ثم تراجع الزحف الإسلامي بسبب الغزو البرتغالي المساند للوجود المسيحي في الحبشة والقرن الإفريقي وتم مواجهة هذا الغزو عن طريق المسلمين في القرن الأفريقي وبدعم من الخلافة العثمانية   بقيادة أحمد الكبير ، وسيطر المسلمون على أغلب الأقاليم في الحبشة ومع الاستعمار الحديث وغياب دولة الخلافة تراجع نفوذ المسلمين في المنطقة سياسيًا ودعويًا.

التعليقات (0)