- ℃ 11 تركيا
- 24 نوفمبر 2024
نزار بولحية يكتب: كيف تبتعد الجزائر والمغرب عن اليوم الأسود؟
نزار بولحية يكتب: كيف تبتعد الجزائر والمغرب عن اليوم الأسود؟
- 31 مايو 2023, 3:54:05 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بالأمس كان المتشائمون فقط يعتقدون أن ذلك اليوم بات يقترب بسرعة. والآن لم يعد حتى المفرطون في التفاؤل يجدون مبررا مقنعا للزعم بأنه لا يزال بعيدا عنهم. ومع ذلك فهناك من قد يقول بأن ثمة قدرا من المبالغة والغلو وأن الجزائريين والمغاربة ليسوا بحاجة أصلا لمن يخوّفهم أو يحذرهم منه فهم يدركون جيدا ما قد يحمله لهم إنْ حل، لا قدر الله، من مآس ونوائب. ولا أحد قد يشكك في صحة ذلك ولو بدرجة من الدرجات. لكن إنْ لم يوصف اليوم الذي يواجه فيه الأخ أخاه بالأسود والمظلم فما الذي يصح أن يطلق عليه اذن؟ ثم أليس من مصلحتهم أن يتكرر التنبيه حتى يلوح مؤشر ما على أن الأحوال بدأت تتغير نحو الافضل؟ أليس قرع الأجراس بشكل متواصل رغم ما تحدثه من قلق وازعاج أفضل ألف مرة من الركون الى الهدوء الخادع والتقليل من خطر قد تصبح مواجهته عسيرة بعد أن تقع الفأس في الرأس؟ إن عليهم أن يعرفوا بالتأكيد حجم الكارثة التي قد تنتظرهم وتنتظر جيرانهم من ورائهم. غير أن الأهم من ذلك هو أن يعملوا من الآن على منع حدوثها. وما تؤكده معظم الدراسات التي تنشرها مراكز البحوث لا في البلدين فحسب، بل حتى في بعض الدول الغربية أيضا هو أن فرص الوصول اليها باتت عالية جدا خصوصا في أعقاب فشل أكثر من مسعى للوساطة والصلح بين الجارتين المغاربيتين وهو ما يجعل من سيناريوهات الصدام العسكري بينهما تطفو على السطح وتبدو أكثر ترجيحا من باقي السيناريوهات الأخرى.
لماذا لم تخرج حتى الآن ولو مظاهرة واحدة في الجزائر أو في الرباط للمطالبة بفتح الحدود أو إعادة العلاقات أو حتى إظهار الرفض لتواصل القطيعة بين الجارتين؟
وفي هذا السياق لم يكن غريبا بالمرة أن يذكر تقرير صدر قبل أيام عن «مدرسة الحرب الاقتصادية» في الرباط أن «المغرب والجزائر يوجدان في مأزق جيوسياسي ودبلوماسي ذي عواقب وخيمة على اقتصادات البلدين واستقرار منطقة المغرب العربي… وأنه وأخذا في الاعتبار للعلاقات المتوترة بينهما وللعوامل المهددة للاستقرار في كلا الجانبين وكذلك للتنافس بين البلدين على مركز القوة الاقليمية فإن اندلاع حرب تقليدية هو اليوم أحد أكثر السيناريوهات كارثية». فمنذ عدة شهور صار مثل ذلك الحديث يتردد بقوة لا داخل الأوساط الأكاديمية والإعلامية فقط، بل حتى الشعبية. لكن السؤال الذي لا تقدم أغلب الدراسات، التي تصدر بين الحين والآخر حول مستقبل العلاقة بين الجارتين المغاربيتين، جوابا شافيا وضافيا عنه هو ما الذي ينبغي اليوم على كل القوى والأطراف والهيئات المدنية داخل البلدين فعله لمنع وقوع تلك الكارثة؟ ربما سيقول البعض إن تلك المهمة ملقاة بشكل حصري على عاتق السياسيين وإنهم وحدهم مسؤولون عن نتائج وتبعات أفعالهم لأن دور النخب الأكاديمية والإعلامية يقتصر فقط على تشخيص الأوضاع والتحذير في أقصى الأحوال من العواقب الوخيمة لتفاقمها واستفحالها. لكن إنْ لم تجد تقاريرهم وتحذيراتهم آذانا صاغية من أصحاب القرار في البلدين، ثم إنْ لم تكن مرفقة في الأصل بمقترحات عملية وواقعية للخروج من المأزق الحالي، ولم تبذل تلك النخب كل ما في طاقتها وجهدها من أجل الدفع نحو سد الباب نهائيا أمام فرضية المواجهة فهل سيكون مستقبل الجزائريين والمغاربة ومن ورائهم باقي شعوب الشمال الافريقي رهين كبسة زر طائشة أو طلقة رصاص عشوائية تخرج من هذا الجانب أو من ذاك وتحكم عليهم بالسقوط في دوامة الاقتتال مجددا وعلى نحو قد يكون أقسى وأشد مما جرى مطلع الستينيات؟ إن أخطر ما يمكن أن يحصل أمام حالة الالتباس والغموض التي تطغى على المشهد الإقليمي المقبل هو أن تستقيل الشعوب والنخب وتأخذ مسافة من الأحداث ولا تعتبر نفسها معنية بما يجري من حولها أو مطالبة بالقيام بأي دور لمنع حرب لن يكسب فيها أي طرف من أطرافها بقدر ما أن الخسارة فيها ستكون عامة وشاملة. والوقوف هنا موقف المتفرج قد لا يكون خيارا آمنا أو سليما لأنه لا أحد سيكون بمنأى عن تبعات ما قد يحصل.
ومع أن الأمر لا يتعلق أبدا بعقد مقارنة قد تبدو في هذا الوضع بالذات في غير سياقها أو محلها لكن لننظر فقط الى ردة الفعل الشعبية في الجزائر والمغرب بعد كل عدوان إسرائيلي. إن ما يحدث دائما هو أن الجزائريين والمغاربة يخرجون وبغض النظر عن الموقف الرسمي لحكوماتهم للتعبير وبشتى الطرق عن وقوفهم مع الفلسطينيين. وهذا شيء محمود ومشرّف. لكن السؤال هنا هو لماذا لم تخرج حتى الآن ولو مظاهرة واحدة في الجزائر أو في الرباط للمطالبة بفتح الحدود أو إعادة العلاقات أو حتى إظهار الرفض لتواصل القطيعة بين الجارتين؟ وقد يقول قائل إن فلسطين تبقى «القضية الأم» كما قال عنها الرئيس الجزائري. لكن ألا يتقاطع طريق نصرتها مع الحاجة أيضا الى رص الصفوف وتمتين الروابط بين الدول العربية بدلا من الإيغال في فصلها وقطعها عن بعضها البعض؟ أليس من الغريب حقا أن تدافع الشعوب المغاربية كلها عن الفلسطينيين وتنسى أو تتناسى الدفاع عن وجودها نفسه؟ فأي جزائري يرضى اليوم أو يقبل بالأذى الذي قد يلحق بالمغاربة جراء القطيعة المستمرة بين البلدين؟ وأي مغربي قد يرضى أو يقبل بالمثل بأي إساءة قد تلحق بالجزائريين نتيجة مواقف أو قرارات أخذتها حكومتهم؟ لا أحد بالطبع. غير أن المشاعر الطبيعية والعفوية تظل في واد والتصرفات وردود الأفعال تظل في آخر. وهذا ما يعكس حالة من الانفصام داخل الشخصية المغاربية التي تحمل الشيء ونقيضه في وقت واحد.
ولعل هناك من سيعتبر أن تلك الشعوب مغلوبة على أمرها وأنها بلا حول ولا قوة وهي حتى وإنْ انكرت أو رفضت أي صدام أو مواجهة مقبلة بين الجارتين فإنها لا تملك الأدوات والوسائل اللازمة لفرض إرادتها. وهذا ما يطرح من جديد دور النخب الفكرية والإعلامية التي تتحمل ومن دون شك قسطا وافرا من المسؤولية عن تلك الحالة. فأين توارى المثقفون ورجال الفكر والفن والائمة والدعاة والصحافيون ولماذا يكتفون إما بملازمة الصمت أو يقومون، وعلى العكس من ذلك، بركوب الموجة والانخراط بقوة وحماس بالغ في مسار الشحن والتحريض على تعميق القطيعة وترسيخها وحتى النفخ في جذوة المواجهة المباشرة بين البلدين؟
لقد كان تصريح الرئيس الجزائري، الى قناة الجزيرة في مارس/ آذار الماضي والذي قال فيه إن العلاقات مع المغرب وصلت الى نقطة اللاعودة، صادما ومؤلما. لكن ما ضاعف من حجم الصدمة والألم هو أن لا وسيلة إعلامية حاولت طمأنة الشعبين والتأكيد على أن ذلك لن يعني وبأي حال أن المواجهة باتت حتمية. وهذا ما يدل على أن هناك قوى تعمل ومن دون كلل على تسريع الوصول الى ذلك اليوم الأسود. غير أن إبعاده يبقى ورغم كل العراقيل ليس بالمستبعد ولا بالمستحيل.