- ℃ 11 تركيا
- 25 نوفمبر 2024
هيفاء زنكنة تكتب: مأساة اللاجئين في أفريقيا والغرب… كيف بتنا نكره أنفسنا؟
هيفاء زنكنة تكتب: مأساة اللاجئين في أفريقيا والغرب… كيف بتنا نكره أنفسنا؟
- 18 أبريل 2023, 3:46:26 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
طالما تعرض طالبو اللجوء، في مختلف أنحاء العالم، إلى حملات تشويه وكراهية واتهامات، مصدرها غالبا، التدهور الاقتصادي المتمثل بإزدياد نسبة البطالة وغلاء الاسعار وعدم توفير الخدمات الاساسية لعموم الشعب في بلد اللجوء مما يدفع السلطات إلى تشجيع القاء اللوم على اللاجئين لتغطية فشلها السياسي والاقتصادي، والترويج لذلك من خلال تبني حملات إعلامية شعبوية تستند إلى دغدغة المشاعر والعواطف ضد « الآخر».
ولا تقتصر هذه الحملات على الدول الغربية خاصة تجاه اللاجئين من الدول العربية وآسيا وأفريقيا، أي ما يطلق عليه تسمية العالم الثالث، بل غزت، خلافا لكل التوقعات وإفتراض مشاعر الوحدة والتضامن والهوية المشتركة، ذات الدول التي اعتاد الغرب على رؤية أبنائها كطالبي لجوء لا يستحقون تطبيق قوانين اللجوء الدولي والإنساني عليهم. وتشكل جنوب أفريقيا وتونس مثالا، يحمل الكثير من المفارقة الموجعة، لبلدين يعانيان من هجرة أبنائهما إلى البلدان الغربية ويعيشان، في الوقت نفسه، حاليا أكثر من أي وقت مضى، أجواء معاداة للاجئين من بلدان افريقية أخرى. كما تشكل بريطانيا وأمريكا مثالا لدول غربية تعمل على تشريع أنواع القوانين للحد من وصول اللاجئين إليها. فما الذي خلق حالة الاتفاق بين طرفي العالم اللذين تميزا، عبر التاريخ المعاصر، بعدم الاتفاق؟ بين حكومات الدول المُستَعمِرة والدول المُستَعمرة؟ ماهي أسباب الاتفاق حول عدم الترحيب باللاجئين بالمقارنة مع أسباب الترحيب بهم. وهل هم فعلا سبب ازدياد البطالة وإشاعة عدم الاستقرار جراء التدهور الاقتصادي؟
تشير سياسات الدول تجاه اللاجئين، المختلفة والمتماثلة، إلى أن ما يصوغها هو مدى القدرة على استخدام قضية اللاجئين كبيدق في ساحة السياسة الداخلية والخارجية. تقدم لنا ألمانيا، مثلا، نموذجا مغايرا لأوروبا في الموقف من اللاجئين، حيث رحبت بهم لا لأسباب إنسانية أو تطبيقا للقوانين الدولية بل لأسباب سياسية ( كما هو موقفها تجاه اللاجئين الأوكرانيين) واقتصادية، كما كان قرارها، في عام 2015، لاستقبال مليون لاجئ من جميع أنحاء العالم. وهو قرار مبني على خلاف ما يُشاع في معظم الدول الأوروبية أن طالبي اللجوء يلحقون الضرر بالاقتصاد إذا سمحوا بدخول الكثير منهم، لأنهم سيعتمدون على الدولة ماديا، كما سيشكلون عبئا اقتصاديا كبيرا على المواطنين من دافعي الضرائب وإذا ما عملوا فإنهم ولتقاضيهم أجورا قليلة سينافسون المواطنين في سوق العمل. جاء قرار الحكومة الألمانية المغاير في استقبال أعداد قياسية من اللاجئين، لأنها أرادت إنقاذ البلد من انهيار اقتصادي مؤكد. إذ تؤكد تقارير التنمية أن عدد السكان في سن العمل سينكمش بمقدار 6 ملايين شخص بحلول عام 2030 حيث أن عدد الوفيات يتجاوز المواليد، مما يجعل من الصعب الحفاظ على نمو الاقتصاد. فبات الحل السحري لحل واحدة من أكبر مشكلات ألمانيا للمستقبل الاقتصادي، أي نقص المهارات، هو قبول اللاجئين وتدريبهم وتشغيلهم بسرعة.
إن اللاجئين، خلافا لحملات التشويه المتعمدة ضدهم، لا يعملون على محو الثقافة القائمة، بل يوسّعونها. أما الخسارة الحقيقية، إذا أردنا الحديث عن الخسائر، فهي التي تصيب بلدان المنشأ بسبب هجرة الأدمغة وفقدان الشباب
هكذا تلافت ألمانيا من خلال منح اللاجئين حق العمل والصحة والتعليم، وتسريع اندماجهم في القوى العاملة، لتزيد من سرعة قدرتهم على أن يصبحوا أعضاء منتجين في المجتمع، الوقوع في مطب ممارسات الحكومة البريطانية العنصرية، المتبدية بأوضح صورها، في الترحيب باللاجئين الأوكرانيين ومعاملتها غير الإنسانية لبقية اللاجئين. فمن تأخيرها النظر بطلباتهم لعدة سنوات ومنعهم من العمل، إلى الاحتجاز في مراكز، كما في « مركز بروك» قرب مطار غاتويك، قرب لندن. وهو في الحقيقة سجن يُعامل فيه طالب اللجوء بشكل أسوأ من السجون الرسمية، وتصفه تقارير المنظمات الحقوقية بأنه مكان « يدفع اللاجئ الى الجنون». كما تعمل الحكومة البريطانية، الآن، على إتخاذ الخطوات لتطبيق قرارها بترحيل اللاجئين إلى رواندا بدلا من منحهم حق اللجوء ببريطانيا. وسبب التأخر بتطبيق القرار، حتى الآن، هو وجود منظمات تعمل بجد ومثابرة وبإنسانية عالية دفاعا عن حق اللاجئين في الحياة الكريمة في البلد الذي وصلوا إليه بعد رحلة جازفوا خلالها بحياتهم.
تُفنّد هذه المنظمات الحقوقية العابرة للدول، محاججة البلدان الرافضة للاجئين، خاصة الأفارقة منهم، ومن بينها مع الأسف الشديد، بلدانا كانت، حتى وقت قريب، تعاني من التمييز والعنصرية كما هو الحال في جنوب أفريقيا، أو دول تعتز بهويتها الافريقية إلى جانب العربية، كما في تونس. حيث يتفق معظم اقتصاديي الهجرة على أن اللاجئين ليسوا عالة على المجتمع، بل أن وجود المزيد منهم ضمن القوى العاملة لا يضر بالسكان الأصليين، لأنهم يمتلكون مهارات مختلفة ويتنافسون على أنواع مختلفة من الوظائف. ويدل راصد نوعية الأعمال التي يمارسها اللاجئون في أمريكا أنهم يمثلون نسبة أعلى من السكان الأصليين في ريادة الاعمال وإنشاء المشاريع الصغيرة وبالتالي خلق فرص عمل جديدة للجميع، حيث يخلقون حوالي 1.5 مليون وظيفة كل عام. وبإمكانهم لعب دور أساسي في تعزيز التجارة والاستثمار بين بلدهم الجديد وبلدهم الأول.
في خضم حملات التشوية والتحريض ضد اللاجئين وتحويلهم إلى شماعة لكل السياسات الحكومية الفاشلة، من الضروري التذكير بأن الجوانب الإيجابية لقبول اللاجئين لا تقتصر على تحسين الاقتصاد بل وتمتد إلى التقارب الثقافي من خلال استيعاب المهاجرين للثقافات السائدة في الأماكن التي يهاجرون إليها، وإلى حد ما، تبني البلد المُضيف لجوانب معينة من ثقافة اللاجئين، فيُصبح مجتمعا متعدد الأعراق، بتنوع ثقافي أكبر في الأفكار والخبرات والعادات والطعام والرياضة والموسيقى. إن اللاجئين، خلافا لحملات التشويه المتعمدة ضدهم، لا يعملون على محو الثقافة القائمة، بل يوسّعونها. أما الخسارة الحقيقية، إذا أردنا الحديث عن الخسائر، فهي التي تصيب بلدان المنشأ بسبب هجرة الأدمغة وفقدان الشباب، وهو ما تتعمد بعض البلدان الأفريقية والعربية تغطيته بالتهجم على المهاجرين من ذات القارة والمحيط الثقافي، بدلا من التعاون على إيجاد الحلول السريعة للخسارتين: خسارة العقول والشباب المهاجرين إلى خارج البلد وخسارة منع اللجوء إلى داخل البلد.