عبدالجبار سلمان يكتب: “الدوافع الاستراتيجية وراء تجنب إسرائيل استهداف قيادات الحوثيين: هل يخدم استنزاف الخليج مصالحها الإقليمية؟

profile
عبدالجبار سلمان كاتب صحفي
  • clock 18 أكتوبر 2024, 8:36:26 ص
  • تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
Slide 01

إن عدم استهداف الضربات الإسرائيلية للقيادات الحوثية، مقارنة بالاستهداف المباشر والمستمر لقيادات “حزب الله” اللبناني، يمكن تفسيره من عدة جوانب مرتبطة بالجغرافيا السياسية والمصالح الاستراتيجية لإسرائيل في المنطقة. لفهم الأبعاد الاستراتيجية وراء تجنب إسرائيل استهداف قيادات الحوثيين، هناك مجموعة من العوامل المعقدة التي تؤثر على القرار الإسرائيلي في هذا السياق. ومنها ..


1. التهديد المباشر وغير المباشر: إسرائيل تستهدف قيادات “حزب الله” لأن هذا التنظيم يشكل تهديداً مباشراً على حدودها الشمالية. “حزب الله” يمتلك قدرات عسكرية كبيرة تشمل الصواريخ والأسلحة المتقدمة التي يمكن أن تضرب العمق الإسرائيلي بسهولة. إضافةً إلى ذلك، هناك تاريخ من الحروب والمواجهات المباشرة بين “حزب الله” وإسرائيل، بما في ذلك حرب 2006 التي كانت مدمرة لكلا الطرفين. لذلك، ترى إسرائيل في استهداف قيادات “حزب الله” وسيلة لتقليص هذا التهديد المباشر. أما الحوثيون، فهم يعملون ضمن ساحة جغرافية أبعد عن إسرائيل، وقدراتهم العسكرية موجهة نحو السعودية والإمارات بالدرجة الأولى، مما يجعلهم تهديداً غير مباشر على المصالح الإسرائيلية. حتى وإن كانت مليشيا الحوثي مدعومة من إيران، إلا أن إسرائيل ترى أن استهدافهم ليس أولوية ملحة طالما أنهم ليسوا في موقع جغرافي قريب أو في مرحلة تهديد جدي ومباشر لإسرائيل.


2. استنزاف الخصوم الإقليميين: إسرائيل تدرك أن الحرب المستمرة بين الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية تستنزف قدرات السعودية والإمارات. الحرب في اليمن كلفت التحالف مليارات الدولارات. إذاً، من المنظور الإسرائيلي، استمرار هذه الحرب يؤدي إلى إضعاف منافس إقليمي قوي (السعودية)، مما يعزز التفوق الاستراتيجي لإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، التركيز السعودي والإماراتي على اليمن يقلل من قدراتهم السياسية والعسكرية على التركيز في مناطق أخرى، بما فيها المنافسة الإقليمية مع إسرائيل أو دعم قضايا قد تتعارض مع المصالح الإسرائيلية. بعبارة أخرى، إسرائيل قد ترى أن إطالة أمد الحرب في اليمن، حتى لو بشكل غير مباشر، يمكن أن يكون مفيداً لها من خلال استنزاف موارد الخصوم الإقليميين الرئيسيين.


3. المصالح الإسرائيلية الخليجية:إسرائيل تسعى منذ سنوات إلى بناء علاقات استراتيجية مع دول الخليج. هذا التحالف غير الرسمي بدأ يظهر علناً بعد توقيع “اتفاقيات أبراهام” مع الإمارات والبحرين، وهناك مؤشرات على تقارب في المواقف مع دول الخليج الأخرى. رغم أن بعضهم لم ينظم إلى هذه الاتفاقيات رسمياً، إلا أن هناك تعاوناً أمنياً وسياسياً غير معلن بين الجانبين، خصوصاً في مواجهة إيران. في هذا السياق، تتجنب إسرائيل الدخول في صراع مباشر مع الحوثيين، حتى لا تؤثر على التحالفات أو التحسينات المحتملة في العلاقات مع دول الخليج. استهداف الحوثيين قد يؤدي إلى توتر في العلاقات الناشئة بين إسرائيل والخليج. إسرائيل بحاجة إلى تعزيز هذا التقارب لتحقيق توازن استراتيجي ضد إيران، لذلك قد تكون تفضل موقف المراقبة بدلاً من التدخل.


4. الصراع مع إيران: إسرائيل ترى أن الحوثيين يمثلون جزءاً من النفوذ الإيراني في المنطقة، ولكنهم ليسوا القوة الأساسية في هذا المحور. بالنسبة لإسرائيل، الأولوية هي مواجهة “الحرس الثوري الإيراني” و”حزب الله” لأنهم يشكلون رأس الحربة في استراتيجية إيران لتهديد إسرائيل بشكل مباشر. في سوريا، تستهدف إسرائيل بشكل متكرر قوات إيرانية وقيادات من “حزب الله” لدورها في نقل الأسلحة المتطورة ودعم التمركز العسكري على الحدود الإسرائيلية. هذا يعكس أولوية إسرائيل في استهداف الجماعات التي تهددها مباشرة، بينما تترك قضايا مثل الحوثيين لدول أخرى مثل دول الخليج التي تعتبرهم التهديد الرئيسي لها. إسرائيل تستخدم مواردها بشكل مدروس لضمان أن تكون الضربات العسكرية ذات تأثير مباشر على أمنها.


5. التكتيكات الدبلوماسية والضغط الدولي: إسرائيل تدرك أن أي تدخل مباشر في اليمن قد يعقد علاقاتها مع الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي. إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اتخذت موقفاً واضحاً يدعو إلى إنهاء الحرب في اليمن ومحاولة حل النزاع عبر التفاوض. تدخُّل إسرائيل العسكري قد يثير غضب واشنطن ويعقد حساباتها الدبلوماسية مع الخليج ومع إيران. أيضاً، استهداف الحوثيين قد يُفسَّر على أنه انحياز إسرائيلي مباشر إلى أحد أطراف النزاع في اليمن (التحالف)، وهو ما قد يؤدي إلى انتقادات من جهات دولية وحقوقية. لذا، إسرائيل تفضل الابتعاد عن هذه الحرب، خاصةً أنها لا تؤثر على مصالحها المباشرة بشكل كبير.


مؤخراً استهدفت إسرائيل مواقع عسكرية ومدنية في اليمن وتحديدًا في محافظة الحديدة ومنطقة تهامة عموماً رداً على قيام الحوثيين بشن هجمات عسكرية على إسرائيل. لم يتضرر من هذا الاستهداف اي من القيادات الحوثية السياسية والمدنية، ولسوء الحظ كان المتضرر الوحيد من الاستهداف الاسرائيلي هو المواطن اليمني حيث أثر الاستهداف على حياة المواطن وازداد الوضع المعيشي صعوبةً. ان استراتيجية إسرائيل تجاه تجنب استهداف قيادات الحوثيين تعكس حسابات معقدة ترتبط بالمصالح الإقليمية والدولية. من منظور إسرائيلي، الأولوية هي مواجهة التهديدات المباشرة القادمة من إيران و”حزب الله”، بينما قد تخدم الحرب المستمرة في اليمن مصلحتها بشكل غير مباشر من خلال استنزاف دول الخليج وإضعاف موقفهم الإقليمي. في الوقت نفسه، تسعى إسرائيل للحفاظ على علاقاتها مع دول الخليج وعدم تعكير صفو التحالفات الناشئة. لذلك، تفضل إسرائيل موقف المراقب في اليمن، مع التركيز على مسارح أخرى أكثر تأثيراً على أمنها القومي.


هام : هذا المقال يعبر فقط عن رأي الكاتب ولا يعبر عن رأي فريق التحرير
التعليقات (0)