تكبير الخط تصغير الخط

بعد أن تراجع الرئيس دونالد ترامب عن مساره بشأن التعريفات الجمركية وأعلن أنه سيسعى إلى إجراء مفاوضات تجارية، كان لديه تفسير بسيط لكيفية اتخاذ القرارات في الأسابيع المقبلة.

"الحدس فوق كل شيء.. فلسفة ترامب في صنع القرار"

قال للصحفيين الأسبوع الماضي: "غريزيًا، أكثر من أي شيء آخر. يكاد يكون من المستحيل استخدام القلم والورقة، إنها في الحقيقة غريزة أكثر من أي شيء آخر".

"سلطة مطلقة.. رئيس يتصرف كحاكم مستبد من القرن التاسع عشر"

كان هذا أحدث مثال على سعي ترامب لإبقاء الجميع في حالة تأهب استعدادًا لخطوته التالية. لم يكتفِ ترامب بتوسيع صلاحيات الرئاسة بإعلان حالات الطوارئ وخرق الأعراف السياسية، بل تحاشى أيضًا الإجراءات التداولية التقليدية لاتخاذ القرارات. والنتيجة هي أن جزءًا أكبر من الحياة في البلاد والعالم أصبح خاضعًا لرغبات الرئيس ومزاجه وشكواه أكثر من أي وقت مضى.

قال تيم نفتالي، المؤرخ والباحث البارز في جامعة كولومبيا: "لدينا زعيم ديمقراطي يبدو أنه يتمتع بسلطة التصرف بغرابة أطوار، كحاكم أوروبي مستبد في القرن التاسع عشر. يعطس فيصاب الجميع بالزكام".

"البيت الأبيض يدافع: 'هو يعرف ما يفعل'"

يرفض البيت الأبيض الانتقادات الموجهة لترامب بتجاوزه سلطته أو ترسيخه لسلطته بشكل غير سليم. ويؤكد مسؤولو الإدارة باستمرار أن الرئيس الجمهوري حقق فوزًا انتخابيًا واضحًا، وأنه يسعى الآن إلى تحقيق الأجندة التي بنى عليها حملته الانتخابية. ومن هذا المنطلق، تُمثل مقاومة إرادته، كما هو الحال عندما تعرقل المحاكم أوامره التنفيذية، التهديد الحقيقي للديمقراطية.

قالت كارولين ليفيت، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، يوم الجمعة، ردًا على أسئلة حول السياسة الاقتصادية: "أثق بالرئيس ترامب. إنه يُدرك ما يفعله".

"الولاية الثانية الأقوى.. 'عندما أقول افعلوا، يفعلون'"

لقد تراكمت لدى الرئاسة نفوذٌ لسنوات، حتى قبل ترشح ترامب بوقت طويل، وليس من المستغرب أن تتجه الإدارات في اتجاهاتٍ مختلفة بناءً على الأولويات السياسية. لكن ولاية ترامب الجديدة كانت مختلفةً في الأشهر الأولى، ويبدو أنه يُدرك ذلك.

قال ترامب مؤخرًا بدهشة: "الولاية الثانية أقوى بكثير. عندما أقول لهم افعلوا، يفعلون".

"تجارة.. فنون.. مياه.. قرارات رئاسية بلمسة حدسية"

ورغم أن التجارة الدولية تقدم المثال الأوسع على ميل ترامب إلى التصرف بشكل أحادي الجانب منذ عودته إلى منصبه في يناير، فإن النهج نفسه كان واضحا في أماكن أخرى.

عيّن نفسه رئيسًا لمركز جون إف كينيدي للفنون الأدائية، ليُجري إصلاحًا شاملًا لبرامج المؤسسة الثقافية الرائدة في واشنطن. وأصدر أمرًا بتطهير شبكة متاحف مؤسسة سميثسونيان من "الأيديولوجيات غير السليمة". وعاقب مكاتب المحاماة المرتبطة بخصومه. ووجّه وزارة العدل للتحقيق مع مسؤولين سابقين عارضوه خلال ولايته الأولى.

عندما قرر ترامب إلغاء اللوائح المتعلقة بكفاءة استخدام المياه في المنازل ــ فهو يريد تدفق المزيد من المياه في الحمامات ــ قال أمره التنفيذي إن فترة التعليق العام العادية "غير ضرورية لأنني أمرت بإلغاء الأمر".

وقال نفتالي "إن ما يحصل عليه الرئيس في النهاية هو ما يريده، وهو جذب انتباه الجميع طوال الوقت".

"غرينلاند على رادار ترامب.. ونائب الرئيس: 'لا نستطيع تجاهل رغباته'"

تتجاوز طموحات ترامب حدود الولايات المتحدة، مثل هدفه ضم غرينلاند. زار نائب الرئيس جيه دي فانس الجزيرة الشهر الماضي للحديث عن موقعها الاستراتيجي في القطب الشمالي، حيث تسعى روسيا والصين إلى توسيع نفوذهما، وأيضًا عن أهميتها بالنسبة لترامب نفسه.

وقال فانس "لا يمكننا أن نتجاهل رغبات الرئيس".

"ثروته تتقلب بالمزاج.. حتى في المحكمة!"

قضى ترامب عقودًا وهو يحاول تحويل دوافعه إلى واقع، سواءً في ناطحات السحاب في مانهاتن أو الكازينوهات في أتلانتيك سيتي، نيوجيرسي. وقد رفع دعوى قضائية ضد صحفي زعم أنه قلل من قيمة ثروته الصافية. وخلال إفادته، قال ترامب: "إنها تتقلب مع الأسواق والمواقف والمشاعر، حتى مع مشاعري".

بدا محامي الصحفي في حيرة من أمره. "قلتَ إن صافي ثروتك يرتفع وينخفض بناءً على مشاعرك؟"

أجاب ترامب بنعم. «أعتقد أن هذا هو موقفي العام آنذاك، وهو أن هذا السؤال قد يُطرح».

"تحذير من مستشار سابق: 'من يرمي النرد قد يواجه عيون الثعبان'
"
اتبع نهجًا مشابهًا في البيت الأبيض خلال ولايته الأولى. ففي حديثه عن الاقتصاد مع صحيفة واشنطن بوست، قال ترامب: "أحيانًا يُخبرني حدسي بأكثر مما يُخبرني به عقل أي شخص آخر".

وقال ليون بانيتا، الذي كان رئيسا لهيئة موظفي البيت الأبيض في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون وخدم لاحقا في أدوار الأمن القومي للرئيس الديمقراطي باراك أوباما، إن هناك عادة عملية أكثر ترويعا للقضايا الحرجة.

قال بانيتا: "إذا تجاهلتَ كل ذلك واعتمدتَ على حدسك، فأنتَ تُجازف بكل قرار، لأنك لم تُعِرْ نفسكَ لتفهم جميع تبعاته".

وأضاف "عندما ترمي النرد، فإنه في بعض الأحيان ستظهر عيون الثعبان".

وبما أن ترامب لا يملك عملية واضحة لاتخاذ القرارات، قال بانيتا "هذا يعني أن الجميع يجب أن يخضعوا له لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي ستتمكن بها من تحقيق أي تأثير".

"90 صفقة في 90 يومًا.. وعود تجارية أم ضبابية؟"

يبدو أن ترامب يستمتع بهذا الجانب من الجدل الدائر حول الرسوم الجمركية. ففي عشاءٍ للحزب الجمهوري الأسبوع الماضي، قال إن القادة الأجانب "يُغازلونه" لإقناعه بالتخلي عن أجندته التجارية.

بدأت الملحمة في الثاني من أبريل عندما أعلن ترامب أن العجز التجاري ــ عندما تشتري الولايات المتحدة المزيد من المنتجات من بعض البلدان أكثر مما تبيعه ــ يمثل حالة طوارئ وطنية، مما مكنه من فرض الرسوم الجمركية دون موافقة الكونجرس.

"السوق يهتز.. والرئيس يتراجع.. ثم يعود!"

انهار سوق الأسهم، ثم بدأ سوق السندات بالتراجع. يوم الأربعاء، تراجع ترامب عن خططه.

ورغم الإبقاء على الضرائب المرتفعة على الواردات من الصين، فقد تم تعليق العديد من التعريفات الجمركية المستهدفة الأخرى لمدة 90 يوما للسماح بالوقت اللازم للمفاوضات مع الدول الفردية.

وقال ليفيت، السكرتير الصحفي، "يجب على الأميركيين أن يثقوا في هذه العملية".

أعرب سكوت لينسيكوم، نائب رئيس قسم الاقتصاد العام في معهد كاتو المحافظ، عن قلقه من أن مسار التجارة الدولية أصبح معتمداً على "أهواء رجل واحد في المكتب البيضاوي".

قال لينسيكوم إن الجدول الزمني الذي وضعه البيت الأبيض للتوصل إلى اتفاقيات تجارية "غير موثوق" نظرًا لتعقيد القضايا. وأضاف أن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو أن الاتفاقيات الناتجة لن تكون سوى "مجرد هراء سطحي"، وأن ترامب "سيُعلن انتصارًا عظيمًا، وتستقر الأمور".

وقال بيتر نافارو، مستشار ترامب التجاري، في مقابلة مع شبكة فوكس للأعمال، إن "جزءا كاملا من البيت الأبيض يعمل ليل نهار" على المفاوضات.

قال: "سنُبرم 90 صفقة خلال 90 يومًا. هذا مُمكن".