- ℃ 11 تركيا
- 22 نوفمبر 2024
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: سورية والتحركات العربية وفق المنظور الأمريكي.
أمجد إسماعيل الآغا يكتب: سورية والتحركات العربية وفق المنظور الأمريكي.
- 14 مايو 2023, 8:59:31 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
في خضم إعادة ترتيب أوراق المنطقة بعناوينها السياسية، وحركات الإنفتاح العربي التي تؤطر المشهد السوري؛ ثمة هواجس أمريكية تتعلق بطبيعة التحركات العربية تُجاه دمشق، فضلاً عن صيغ التعاون الجديدة مع الدولة السورية، لإعادة "تعويم دمشق" مجدداً في الإقليم، لكن ضمن ذلك، لا توجد نوايا أمريكية واضحة للدخول في سجالات مع الأطراف العربية، التي تُهندس عناوين التقارب مع دمشق، الأمر الذي ترجمه المتحدث بأسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، حين قال أن "موقف واشنطن من الدولة السورية لم يتغير، وإن الوقت الآن ليس للتطبيع، وليس مناسباً لتحسين العلاقات مع دمشق".
التصريحات الأمريكية تؤكد وإن بدت متحفظة على إعادة العلاقات العربية السورية، إلا أنها تؤشر الى إحتمالات الوصول الى ما يمكن تسميته بـ "الصدام المكتوم" مع الدول العربية الراعية لعودة سورية إلى موقعها العربي، وهو ما يؤكد أيضاً أن هناك تحفظات أمريكية قد تظهر جلياً خلال الفترة القادمة، والتي قد تؤثر على مسار التحركات العربية تُجاه دمشق.
يُفهم أن التصريحات والتحفظات الأمريكية، بُنيت في الشكل على موقف سياسي لم يتغير حيال النظام السياسي في دمشق، لكن في عمق ومضمون التحفظات الأمريكية، ثمة ما يُمكن إعتباره رسائل صارمة لوقف التقارب العربي مع دمشق، لا سيما أن المشهد الشرق أوسطي الجديد، "ربما" يُنبئ بمعادلات جديدة للتعامل مع دمشق، ووضع الولايات المتحدة في إطار سياسة الأمر الواقع، المُهددة للحسابات الأمريكية في المنطقة، والمرتكزة على ضرورة منع تعويم دمشق إقليمياً، لا سيما أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب، وتتخوف من خطوات مماثلة للتحرك تُجاه الدولة السورية، الأمر الذي يعني وبشكل فعلي، إسقاط ما جرى إقراره من خلال قانون قيصر المفروض أميركياً، وسلسلة التدابير التي تعمل بها السياسة الأميركية في سياق التعامل مع سورية، وشبكة الموضوعات التي تربط الولايات المتحدة وسوريا وتركيا وروسيا.
الولايات المتحدة بإدارتها الحالية، لا تريد الخروج ظاهرياً عما يجري تُجاه سورية، لكن قد تُخفي وبشكل مؤقت موقفها حيال ما يحدث تُجاه السياسات العربية مع دمشق، وربما أن الإدارة الأمريكية الحالية، قد لا تملك بدائل لجهة التعامل مع تلك السياسات، أو فرض عقوبات على ما يجري وسيجري في مسارات العلاقات في الفترة المقبلة، بخاصة مع سرعة الحركة العربية في اتجاه دمشق، والحديث عن ضرورة استئناف سورية دورها في الجامعة العربية، وتغيير الموقف الراهن، وهو ما يؤكد الأولويات المطروحة عربياً، بخاصة أن القمة العربية المقبلة في جدة، ستشهد حضوراً سورياً بارزاً.
التحفظات الأمريكية حيال إعادة التقارب مع دمشق، قد تتم هندستها في سياقات محددة، لكنها لن تذهب إلى جملة من الإجراءات الصارمة تُجاه دول التقارب مع دمشق، وتحديداً مصر والسعودية، وذلك لأسباب يُمكن إيجازها بالآتي:
أولاً - لا تزال الولايات المتحدة تنظر إلى السعودية كـ شريك استراتيجي في المنطقة، فضلاً عن قدرة السعودية على التأثير في سوق الطاقة، الأمر الذي تضعه واشنطن في سياق تحدياتها الإستراتيجية بعيدة المدى، ومن منظور أخر، فإن الولايات المتحدة ستُبقي على العلاقات مع السعودية، ضمن أطر التعاون والحاجة، دليل ذلك، ما ذكرته وكالة الأنباء السعودية، أن ولي العهد محمد بن سلمان، استقبل مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، وتم خلال اللقاء استعراض مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وقبيل الزيارة إلى السعودية، صرح سوليفان، أن الولايات المتحدة تسعى إلى تعزيز العلاقات المتوترة في كثير من الأحيان مع الرياض. وبصرف النظر عما سبق، إلا أن زيارة سوليفان تُعد أرفع زيارة يقوم بها مسؤول في إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، منذ الزيارة الرئاسية إلى جدة في تموز/يوليو 2022، وتأتي في أعقاب اتفاق الرياض وطهران في أذار/مارس الماضي بوساطة الصين.
ثانياً - صحيح أن العلاقات الأمريكية المصرية تشوبها بعض الإشكاليات، إلا أن تفرع وتشابك العلاقات بينهما، يمنح تلك العلاقات حصانة بأطر محددة ومنضبطة، رغم التحفظات الأمريكية حيال مصر، لجهة حقوق الإنسان والتعددية والديمقراطية والإدماج السياسي، لكن بذات التوقيت، فإن الإدارة الأمريكية بحاجة إلى الدور المصري في ملفات محددة، كـ القضية الفلسطينينة، والأمن في قطاع غزة، وكذا الأوضاع في ليبيا، نتيجة لذلك، قد لا تجرؤ الولايات المتحدة في هذا التوقيت، على تطبيق إجراءات عقابية ضد مصر، وبالإضافة الى ما سبق، فإن روسيا وبُعدها التأثيري في منظومة العلاقات الأمريكية المصرية، فإن ذلك يُعزز المخاوف الأمريكية، من تحولات في المواقف والاتجاهات المصرية الراهنة لروسيا في الإقليم بأكمله وليس في سوريا، التي نجحت السياسة الروسية في إعادة تموضع عناصرها ونفوذها العسكري والاستراتيجي المقيم، وهو ما يمثل قلقاً أميركياً
حقيقياً من دور روسي يتعاظم بدعم ومساندة أطراف عربية وازنة، ولهذا لا تريد الولايات المتحدة انفراط عقد محاصرة سوريا، وتطويق مساحات التحرك في الإقليم، بخاصة أن جملة من الملفات لم تُحسم، لا سيما مع وجود الجانب التركي وحساباته الكبرى في شمال شرقي سوريا، وفي المتوسط، التي تدفع بالفعل إلى ضرورة توخي الحذر من أية تحركات من دول مثل مصر تحديداً.
ثالثاً - الإدارة الأمريكية بواقعها الحالي، لديها تقييمات محددة حيال ما يجري في عموم الشرق الاوسط، خاصة تلك التحولات حيال الولايات المتحدة، وهو ما قد يمثل تحدياً للسياسة الأميركية في هذا التوقيت، وقياس درجة تعاملاته مع التطورات الجارية، وهو ما يطرح إشكالية مهمة في قواعد الانضباط والتعامل مع الولايات المتحدة في الإقليم، وهيبة السياسة الأميركية، ومدى تعاملها مع ما سيجري في الفترة المقبلة التي ستنشغل فيها الإدارة الأميركية بالانتخابات الرئاسية.
المقاربة الأمريكية حيال ما يجري في المنطقة عموماً، وسورية على وجه التحديد، ترتكز على إبقاء قضايا السياسات الدولية في أطر محددة، والتركيز في الوقت الحالي، على القضايا الأمريكية الداخلية، وبالتالي فإن واشنطن لا ترغب في الدخول إلى حالة من الكباش مع الرياض والقاهرة، وإن كانت ستكتفي بإدارة المشهد، ونقل الرسائل تخوفاً من انفتاح أكبر على المستوى العربي، وعينها عما يجري من تطورات حقيقية وفاصلة، وليس ارتباطاً بأبعاد إنسانية أو أخلاقية، ووقوع كوارث إنسانية يمكن أن تكون مدخلاً مباشراً لاستئناف العلاقات مع سوريا في هذا التوقيت، أو البناء على ما يجري من تطورات مهمة قد تكون لها الأولوية في الفترة المقبلة، وتحتاج إلى ما هو أبعد من التحفظ أو الاعتراض على ما يجري في الإقليم من تطورات قد تكون مقدمة لوقف، أو على الأقل تقليل الاندفاع نحو النظام الإقليمي والشرق أوسطي، وهو ما تعمل عليه الإدارة الأميركية وإسرائيل، ومن خلال صيغ النقب والمنامة والسلام الأمني والسلام الاقتصادي، بديلاً عن تعثر السلام السياسي.
صفوة ما سبق، ستظل الولايات المتحدة تتحرك تجاه سوريا، وفق معادلة محددة بُنيت على قواعد وأسس ثابتة ومن خلال مقاربات مرتبطة بمنظومة عقوبات مستمرة وفاعلة في إطار فرض الحصار، وتطويق تمدد الدولة السورية، وهو ما ستعمل الدول العربية عليه لـ كسر الحصار من خلال إجراءات وتدابير عاجلة كما بدا من مسارات التحرك الأخيرة، بخاصة أن الرئيس السوري بشار الأسد بدأ في التحرك عربياً، الأمر الذي قد يزعج الإدارة الأميركية، على الرغم من امتلاكها لأوراق ضاغطة في تقييد ومحاصرة التحرك تجاه سوريا في الوقت الراهن.