- ℃ 11 تركيا
- 3 فبراير 2025
الشيخ خالد سعد يكتب:السياسة السعودية لماذا أيدت الشرع وحاربت مرسي ـ إدارة المصالح والخوف من الدور المصري
الشيخ خالد سعد يكتب:السياسة السعودية لماذا أيدت الشرع وحاربت مرسي ـ إدارة المصالح والخوف من الدور المصري
- 3 فبراير 2025, 12:08:39 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
بين المبادئ والمصالح في السياسة السعودية
في ظل التحولات الكبرى التي شهدها المشرق العربي، برزت المملكة العربية السعودية كفاعل رئيسي في إعادة رسم موازين القوى، حيث تبنّت مواقف متناقضة تجاه الحركات السياسية المختلفة. ففي سوريا، رحّبت المملكة بالرئيس أحمد الشرع كقائد للمرحلة الجديدة بعد سقوط النظام السابق، بينما كان موقفها شديد العداء تجاه الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، رغم كونه أول رئيس منتخب ديمقراطيًا في مصر.
هذه التباينات تطرح تساؤلات جوهرية: هل تحركات السعودية تستند إلى أيديولوجيا معينة، أم أن الدافع الحقيقي وراءها هو المصالح الأمنية والاستراتيجية؟ ولماذا كان موقفها من مصر أكثر عدائية من موقفها تجاه أي تجربة أخرى؟ وهل يعود ذلك إلى مخاوف سعودية من استعادة مصر لدورها التاريخي والريادي في العالم الإسلامي؟
---
السعودية وسوريا.. دعم القوى الجديدة لمواجهة إيران
لطالما كانت سوريا ساحةً للصراع الإقليمي بين القوى الكبرى، حيث سعت السعودية إلى تقليص النفوذ الإيراني، باعتبار أن استمرار السيطرة الإيرانية على دمشق يُشكل تهديدًا للأمن القومي الخليجي. لذلك، عندما برز أحمد الشرع كقائد لسوريا الجديدة، سارعت السعودية إلى دعمه، ليس من منطلق أيديولوجي، وإنما من باب الصراع الجيوسياسي مع إيران، التي ترى فيها العدو الأول في المنطقة.
هذا التحرك يأتي ضمن استراتيجية سعودية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية في المشرق، بحيث لا تكون هناك قوة إقليمية قادرة على تهديد أمن الخليج أو التأثير على قراراته. ومن هنا، لم يكن دعم الشرع مجرد موقف عابر، بل كان جزءًا من خطة متكاملة لإقصاء النفوذ الإيراني وإعادة سوريا إلى الفلك العربي، تحت إشراف دول الخليج.
---
الموقف من مصر.. الخوف من عودة القاهرة إلى قيادة العالم الإسلامي
على العكس من موقفها في سوريا، أظهرت السعودية عداءً واضحًا تجاه الرئيس محمد مرسي وحكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ولم تدّخر جهدًا في دعم القوى التي أسقطته. لكن لماذا كان هذا الموقف شديد العداء مقارنة بمواقفها الأخرى؟
السبب الرئيسي يكمن في أن السعودية ترى في مصر التهديد الأكبر لمكانتها القيادية في العالم الإسلامي. فرغم ثراء المملكة، إلا أنها تدرك أن نفوذها قائم بالأساس على قدرتها المالية وعلى ترويج نفسها كحامية للدين الإسلامي، وليس على تفوق علمي أو تاريخي أو حضاري. وإذا استعاد الأزهر دوره التاريخي كمرجعية دينية عالمية، وإذا نهضت الجامعات والمراكز الفكرية المصرية، فإن هذه الهيمنة السعودية ستتلاشى تدريجيًا.
1. مصر.. القيادة التاريخية للعالم الإسلامي
لطالما كانت مصر هي القلب النابض للعالم الإسلامي، فهي التي خرّجت العلماء والمفكرين والقادة، وهي التي صدّرت العلم والفقه إلى كل أنحاء العالم الإسلامي. لم تكن مكة والمدينة عبر التاريخ مركزًا علميًا مستقلًا، بل كانت مصر والشام والعراق هي التي تزود الحرمين بالعلماء والفقهاء.
إذا استعادت مصر دورها الريادي في مجال الفقه والشريعة، فإن الدور السعودي كحامية للإسلام سيكون موضع تساؤل، خاصة أن السعودية لم تشتهر عبر التاريخ بإنتاجها العلمي، بل اعتمدت على المال السياسي والنفوذ الاقتصادي في تثبيت نفوذها الديني.
2. الخوف من تكرار "النموذج التركي" في مصر
التجربة التركية كانت كابوسًا حقيقيًا للقيادة السعودية، حيث استطاعت تركيا الجمع بين الهوية الإسلامية والتفوق الاقتصادي والصناعي، ما جعلها نموذجًا ملهمًا لكثير من الشعوب الإسلامية. إذا سارت مصر في الطريق نفسه، فإنها قد تصبح القوة الإسلامية الأولى في العالم، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للسعودية.
السعودية تخشى أن تتحول مصر إلى مركز عالمي للعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد، فتفقد المملكة أهم أدواتها في الهيمنة على القرار الإسلامي. فإذا أصبحت القاهرة قوة صناعية كبرى، وأصبحت جامعاتها مرجعًا فكريًا وعلميًا، فإنها ستقود العالم الإسلامي كما كانت في السابق، وحينها لن يعود هناك مجال للنفوذ السعودي القائم على المال والنفوذ السياسي.
3. رأس المال السعودي.. أداة الهيمنة على القرار الإسلامي
يعتمد النفوذ السعودي على التحكم المالي، حيث تستخدم أموال النفط في التأثير على الدول الإسلامية، من خلال تقديم المساعدات المشروطة أو دعم الأنظمة الحليفة. لكن إذا نهضت مصر وأصبحت قوة اقتصادية مستقلة، فإن الكثير من الدول الإسلامية ستتجه إلى القاهرة بدلًا من الرياض، وستتراجع الهيمنة السعودية تدريجيًا.
ولهذا، كان من مصلحة السعودية إبقاء مصر ضعيفة ومنهكة اقتصاديًا، حتى لا تستطيع النهوض واستعادة موقعها التاريخي. وكان دعمها لإسقاط مرسي جزءًا من هذه الاستراتيجية، لأن وجود حكم قوي في مصر سيعني نهاية حقبة النفوذ السعودي المطلق في العالم الإسلامي.
---
البراغماتية السعودية.. المصالح قبل الأيديولوجيا
عند تحليل السياسات السعودية في المشرق، يتضح أنها لا تقوم على اعتبارات أيديولوجية أو دينية، بل على حسابات المصالح والهيمنة. ففي الوقت الذي تدعم فيه الحركات الإسلامية في اليمن والسودان عندما تخدم مصالحها، تقاتلها في مصر والكويت إذا شكلت تهديدًا لنفوذها.
دعمت المملكة إسقاط مرسي رغم أنه رئيس مسلم منتخب، بينما دعمت أحمد الشرع رغم أنه جاء إلى السلطة عبر العمل العسكري.
حاربت التيارات الإسلامية في مصر، بينما استغلتها في أماكن أخرى لتقويض نفوذ خصومها.
تحالفت مع تركيا عندما كانت تحتاجها في ملفات معينة، لكنها سعت إلى إضعافها لاحقًا عندما شعرت أنها أصبحت تهديدًا لها.
كل هذه السياسات تكشف أن الاعتبار الأول للسعودية هو حماية نفوذها وهيمنتها على القرار الإسلامي، وليس الدفاع عن أي مشروع ديني أو سياسي بعينه.
الخاتمة مصر.. التهديد الحقيقي للنموذج السعودي
ما يمكن استخلاصه من تحليل الموقف السعودي هو أن العداء السعودي تجاه مصر لم يكن فقط خوفًا من الإخوان المسلمين، بل كان خوفًا من عودة مصر كقوة إقليمية قادرة على قيادة العالم الإسلامي.
مصر ليست مجرد دولة عربية أخرى، بل هي صاحبة التاريخ الأعرق في القيادة العلمية والدينية والسياسية. وإذا استعادت مكانتها، فإن الدور السعودي سينحسر، لأن رأس المال لا يستطيع الصمود أمام القوة العلمية والفكرية.
ولهذا، فإن الصراع الحقيقي ليس بين السعودية والتيارات الإسلامية، بل بين السعودية وأي مشروع يعيد لمصر دورها الطبيعي كقائدة للعالم الإسلامي، سواء كان هذا المشروع إسلاميًا أو وطنيًا أو تنمويًا.
لا مكان للضعفاء في السياسة ومن لم تكن له قوة تحميه
السياسة لا تعترف بالضعفاء، ومصر اليوم مطالبة بأن تستعيد مكانتها، لا عبر انتظار الاعتراف الدولي، بل عبر العمل الجاد في بناء قوتها العلمية والاقتصادية. فكما استطاعت تركيا أن تنهض بعد قرن من التراجع، تستطيع مصر أن تفعل الشيء نفسه.
وفي النهاية، لن يستطيع المال أن يشتري النفوذ إلى الأبد، لأن الأمم تُبنى بالعلم والقوة، لا بالثروات الزائلة.