- ℃ 11 تركيا
- 23 ديسمبر 2024
حسين صالح السبعاوي يكتب: حركة حماس قوة المفاوض وثبات المجاهد
حسين صالح السبعاوي يكتب: حركة حماس قوة المفاوض وثبات المجاهد
- 7 أبريل 2024, 9:33:26 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
حسين صالح السبعاوي
دخلت معركة طوفان الأقصى شهرها السادس ولم يستطع العدو الصهيوني تحقيق أي هدف ستراتيجي من الأهداف التي اعلن عنها نتنياهو وهي :
إنهاء حركة حماس في غزة وعموم فلسطين.
وإطلاق سراح الأسرى بالقوة.
إلا أن نتنياهو استطاع أن يثبت للعالم أجمع بأنه رجل إرهابي ارتكب مئات المجازر ضد المدنيين حيث تجاوز عدد الضحايا إلى أكثر من ٣٢ ألف ضحية أغلبهم من النساء والأطفال، إضافة لتدمير البنية التحتية من خلال قصف المباني السكنية والمستشفيات والمدارس والمساجد ومراكز الإيواء والإغاثة للنازحين.
فكلما أوجعته القسام في الميدان عاد نتنياهو وأركان حربه بقصف المدنيين وقتل المزيد من النساء والأطفال، ورغم كل ما لحق في غزة من دمار إلا أنها ما زالت صامدة ومحتسبة هي ورجال المقاومة فيها ويعيشون حالة متماسكة وكأنهم عائلة واحدة رغم كل المآسي التي مرت بهم، ورغم كل محولات أمريكا ودول التطبيع لخرق هذا التماسك بينهما ، بينما نجد الحاضنة الشعبية لحكومة نتنياهو في تراجع سواء في الداخل الإسرائيلي أو في الخارج مثل أوروبا وأمريكا، إضافة لهجرت أكثر من ٨٥٠ ألف مستوطن يهودي إلى الخارج لعدم الاطمئنان على مستقبلهم، أما ذوي الأسرى فكل يوم يخرجون في تظاهرات ويقطعون الطرق الرئيسية ويهددون بالتصعيد هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد الخلافات على قدم وساق بين أعضاء حكومة نتنياهو وحتى داخل مجلس الحرب المصغر. بينما على العكس تجد وحدة القيادة في المقاومة منسجمة سواء في التصريحات الإعلامية من خلال المكتب السياسي، أو من خلال بيانات الناطق العسكري للقسام، وهذا يعني أن حالة الإنسجام بين الجناح العسكري والجناح السياسي في أعلى مستوى بينهما وكأنها حالة عضوية وهذا هو التكامل بعينه، بينما نجد الخلاف داخل حكومة نتنياهو في تصاعد وهذا الذي رأيناه في مجلس الحرب بين رئيس الوزراء نتنياهو وبين يوآف غالانت وزير الدفاع حتى طفحت الخلافات بينهما ووصلت إلى وسائل الإعلام.
معركة المفاوضات: واجهت حماس عدة تحديات أثناء المفاوضات مع العدو الصهيوني منها الداخلية وهي تنظر إلى أبناء شعبها وهم يعانون من التهجير وتضورون جوعاً بسبب الحصار الذي يفرضه عليهم العدو ودول الطوق وخاصة من جهة معبر رفح من الجانب المصري، إضافة إلى حجم الدمار الذي حلّ بغزة.
أما التحدي الثاني هو الضغط الأمريكي والدولي ودول التطبيع بل عموم الأنظمة العربية كل هؤلاء يضغطون على حماس من أجل القبول بشروطهم المجحفة، لكن استطاعت حماس أن تدير هذه المعركة بكفاءة جيدة واستطاعت أن تثبت للعالم بأنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني من خلال عدم تفريطها بدماء الشهداء وحجم الدمار الذي لحق بغزة، ولم تعطي للعدو الصهيوني أي فرصة لتحقيق النصر، فمثلما فشل العدو بتحقيق أهدافه العسكرية في الميدان كذلك فشل في تحقيق أي نصر سياسي من خلال المفاوضات وهذا ما أكد عليه رئيس حركة حماس السيد إسماعيل هنية عندما قال ما لم يأخذه العدو في الميدان لن يستطيع أن يأخذه في السياسة.
ومن الجدير بالذكر أن الهدنة الأولى التي جرت في يوم ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٣ أثبتت حماس للعالم أجمع حسن تعاملها مع الأسرى على خلاف ما كان يروجه العدو الصهيوني بأن حماس ما هي إلا حركة إرهابية تقتل النساء والأطفال ومن خلال المفاوضات أثبتت حماس عكس ذلك تماما، بل أثبتت إجرام العدو الصهيوني إتجاه الأسرى والمعتقلين، وهذا يثبت ما ذكرناه عن حالة التكامل بين الجناح العسكري والجناح السياسي في الحركة، على خلاف ما يبثه العدو وإعلام المطبعين.
لقد أثبتت حماس للعالم بأن فيها رجال دولة من طراز خاص لا يمكن أن يستجيبوا للضغط ولا للاغراء وقد تجردوا عن جميع مصالحهم أمام مصلحة شعبهم وقضيتهم على خلاف "سلطة أوسلو" التي في كل يوم تتنازل عن حق الشعب الفلسطيني مقابل مصالحهم الشخصية، وقد أضاعوا بهذا الإسلوب جهد سنين من المقاومة ضد العدو وخاصة حركة فتح التي كانت تتزعم المقاومة في فلسطين لكنها وللأسف ذهبت هباءً منثورا بسبب ضيق الأفق وتقديم المصالح الشخصية على المصلحة العامة وبسبب الاستجابة للضغط العربي والدولي، أما حماس فهي على العكس تماما.
اما عن قول أنصاف المثقفين والمطبعين بأن غزة قد دمرت وأن قيادة المقاومة لم تضع بالحسبان هذا الرد الإسرائيلي عندما أقدمت يوم ٧ أكتوبر على اجتياح مناطق غلاف غزة وتدمير الفرقة الإسرائيلية المسؤولة عن حماية المستوطنين، وأخذ ما تبقى منهم أسرى.
أقول رداً على هؤلاء إن العدو الصهيوني لم يترك لغزة أي خيار آخر ولم يترك لهم أي فرصة للعيش بسلام، في كل يوم كان هناك انتهاكات للأقصى وقتل واعتقال للأبرياء فما كان من المقاومة إلا أن تباغت العدو وتضربه في عمق داره بحيث كسرت شوكته ودمرت هيبته أمام شعبه وأمام العالم أجمع، وهذا لم يحدث مع إسرائيل منذ تأسيسها عام ١٩٤٨ إلى هذه اللحظة رغم دخوله أربع حروب مع دول الطوق الذي كان يخرج منها منتصرا ثم يفرض شروطه عليهم.
لكن هل غزة هي المدينة الوحيدة التي يدمرها الإحتلال؟
ألم تدمر مدينة "ستالين غراد" الروسية عن بكرة أبيها عندما أراد هتلر احتلالها في الحرب العالمية الثانية، ألا يعتبر الروس اليوم بأن مدينة ستالين غراد هي رمز الصمود والمقاومة؟! بل أغلب المحللين العسكريين في تلك الفترة اعتبروا صمود مدينة ستالين غراد كان سبباً في نهاية هتلر ونهاية الحرب العالمية باعتبار أن هزيمة الجيش الألماني فيها مؤشراً على نهاية التفوق الألماني في الحرب، ثم هل يجرؤ هؤلاء بأن يصفون ستالين غراد اليوم بأنها كانت مخطئة في مواجهة هتلر أم على العكس تجدهم يمجدونها، لو كانت غزة مدينة أوروبية أو أمريكية وهي تقاتل المحتل بهذه الشراسة وبهذا والصمود لكان مجّدها هؤلاء وأمثالهم، وكان الإعلام الغربي والعالمي كله يحتفي بها، لكن أن تكون غزة مدينة فلسطينية عربية وإسلامية فالأمر مختلف وهذه الأصوات النشاز عادةً ما تكون مهمتها شيطنة غزة ومقاومتها الباسلة، في حين لم ينطق أحدهم بكلمة واحدة ضد الصهاينة وحكوماتهم الإرهابية.
مهما يكن فإن القسام أوجعت الكيان المحتل ولقنته درساً يوم ٧ أكتوبر لن ولم ينساه أبدأ.
المقاومة ليست نزهة ، المقاومة فيها التضحيات الجسام سواء في الأرواح أو في البنى التحتية، وتحتاج إلى جهد عظيم وصبر طويل حتى تنال حقوقها المسلوبة وها هو اليوم وبعد قرابة نصف عام من الحرب العالم يناقش إسرائيل بدون نتنياهو، ويتعامل مع حماس كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.