-
℃ 11 تركيا
-
22 مارس 2025
دلاوي نصر الدين يكتب: فَـــرِّقْ تَسُــدْ
دلاوي نصر الدين يكتب: فَـــرِّقْ تَسُــدْ
-
21 مارس 2025, 11:48:00 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
دلاوي نصر الدين يكتب: فَـــرِّقْ تَسُــدْ
مصطلح ( فَرّقْ تَسُدْ ): هو مصطلح سياسيّ، و عسكريّ و اقتصاديّ لاتينيّ الأصل: Divide et Impera.و هو استراتيجيّة تستهدف زرع الخلاف بين عناصر التّكتل الواحد، لإضعافه ثمّ استخدام قوّته للتّأثير عليه.و قد يَعني،بصورة أخرى، تَشْتيت قوّة الخَصم،أو العدوّ، و تقسيمه إلى كُتَل و أقسام مُبعثرة، و غير متّحدة ليَسهُل التّعامل مع كلّ كتلة، أو قسم على حِدة، و شلّ حركته و القضاء عليه أو تَحْييده.و قد يُقصد بهذا المصطلح،أيضًا، تفريق القوّة التي لم تَتّحِد بعدُ، و تمزيقها و مَنعها من التّكتل و الاتّحاد.
و سياسة ( فَرّقْ تَسُدْ ) قديمة قدم الإنسان.و قد تلجأ إليها حكومات الاستبداد لإحكام سيطرتها على الشّعوب.و يتبنّى هذه السّياسة،أيضًا، المستبدّون،في كلّ زمان و مكان، و كلّ الذين على شاكلتهم ممّن يَحتكرون السّلطة و المال، كما يلجأ إليها الاستعمار، و قوى الشّر المختلفة للقضاء على كلّ مقاومة تُحْبط مشروعهم، أو إزالة كلّ خطر يهدّد وُجودهم.
إنّ سياسة ( فرّق تسُد ) سلاح قديم مضمون النّتائج،في بعض الأحيان.و هو،أيضًا، سلاح فتّاك يستثمر كلَّ شيء، و لا يمتنع عن الاستثمار في أيّ شيء، و هو سلاح قليل الكُلْفة و الجُهد، مقارنةً بأسلحة أخرى و وسائل و جهود.
و تعتمد سياسة ( فرّق تَسُد ) للقضاء على الخصم، أو القوّة المنافسة، على مجموعة من الوسائل و الآليات: منها صناعة الأحداث، و توجيهها و التّأثير فيها بالاعتماد على الحرب النّفسية، و نشر الشّوائع و الأكاذيب و الأوهام، و تعميم الكراهية و الشّكوك بإشعال فَتيل الطّائفية و الجهويّة، و تضخيم الخلافات الدّينية و العرقيّة، و تذكية الصّراع الإيديولوجيّ، و تأجيج الصّراعات حول قضايا اللّغة و الهويّة و الانتماء.
و قد تلجأ سياسة ( فرّق تَسُدْ ) إلى توسيع دائرتها، و بَسط نفوذها متوسّلةً بوسائل أخرى كصناعة الولاءات، و شراء الذِّمم و التّأييد الصّامت، أو كسب الولاء النّاطق عن طريق مَنح المناصب و الألقاب و العناوين، و توزيع الأموال و الغنائم و الامتيازات، على شخصيّات داخل القُوَى المُراد هَدمُها و تَفْتيتُها، أو خارج هذه القُوَى منعًا لتكتّلها، إذا كانت تمثّل مصدر قلق أو تهديد.
و حينئذ تصبح هذه الشّخصيّات « المحظوظة »، أو هذه الشّخصيّات « المُنتقاة » إحدى أدوات سياسة ( فرّقْ تَسُدْ ) ، فتتولَّى مُهمّات التّرغيب و التّرهيب، و الاتّهام و التّشويه،و الحرب النّفسية، و الكذب المُمَنهج، و زرع الشّكوك، و توسيع هوّة الخلافات داخل البيئات المستهدفة، المراد إضعافها و شلّ حركتها، أو تحييدها و القضاء عليها.
و السّؤال الذي يتعيّن في هذا المقام هو: هل تنجح سياسة ( فرّقْ تَسُدْ ) دائمًا ؟.
إنّ هذا الأمر و الجواب عليه، يتوقّف على مجموعة عوامل: و في مقدّمتها مستويات الوعي لدى الجهة المقابلة، المُراد تفريقُها و تمزيقُ وحدتها، و مَدى فَهْمها لما يُراد لها، و مَدى شعورها بخطورة الوضع، و استيعابها لطبيعة التّهديد الدّاهم الذي يستهدف كيانها و وجودها.
و قد لا تستطيع سياسة ( فرّقْ تَسُدْ )،مثلاً، أنْ تحقّق أهدافها إذا كانت القوّة المُستهدفة تتوفّر على شخصيّات ذات سلطة معنويّة كبرى، تحظى بالاحترام الكبير، و التّأييد الواسع، و تملك الوعي الكافي، و الرّأي الحصيف، و القدرة الظّاهرة على التّصدي لهذه السّياسة بذكاء، و إبطال مفعولها المدمّر.و أوّل مظاهر هذا الوعي،و أوّل علامات هذه القدرة، هو مُسارعتُها للتّقارب و الاندماج، و تحقيقها للتّوحد و التّكتل بأيِّ شكل من الأشكال،مقاومةً لهذه السّياسة و فاضحةً لها، للتّخفيف من عواقبها النّفسية، و تجاوز آثارها الواقعيّة الآنية، أو عقابيلها المستقبليّة.








