في مثل هذا اليوم انهمر

دمع الأمهات في بحر البقر

كان أبي يكتب شعرًا

وكانت أمي تتألّم

وكانت القطط تتمسح في أقدام البشر

وجدّتي لا تتكلّم على حصيرة الموت

والورد يضحك في الحديقة بلا صوت

خلف زجاج الشرفة

وخلف زجاج نظارتي

وكنت أبحث عن صورتي والمرآة تخفيها

في مثل هذا اليوم

كانت زوجتي طفلةً تلعب مع أخيها

وكان أجدادنا أحفادًا

وأحفادنا أجدادًا

في مثل هذا اليوم اختنق في الخمسينيات الأمل

ودخل أبي المعتقل

وأشرق الجرح واندمل

وخرج أبي من المعتقل

و وُلِدتُ

و تزوّجتُ

و أنجبتُ

و متُّ

و زارني من زارني

و زرتُ من زرتُه

في مثل هذا اليوم ارتطم رأس "سليمان خاطر" بالأرض

وانفجر جسد "عبد المنعم رياض"

واستشهد "إبراهيم الرفاعي"

ومات "سعد الساعي" في الأسكندرية بعد أن فتح النافذة لنسيم البحر ونادى فردّت عليه زهورٌ وردية نوّرت على شجرة في مدينة الطلبة بإمبابة

وفي ربيعٍ آخر

تزوّجَ من تزوّج

وهاجرَ من هاجر

و كُسِرت قلوبْ

و اقتُرِفت ذنوبْ

ونزل الشمال إلى الجنوب

واحتُلّت شعوب وتحررت ...

وقامت الحرب

وقرَرَتْ إمرأةٌ ترك زوجها وسافرت من الشرق للغربْ

ونظرت أخرى لوجهها بعد أن انتبهت لجمالها حين أخبرها صديقها بذلك

وجلست ثالثةٌ تبكي على مقهى في الزمالك

ورابعة ٌ .. تجوب المدن المصرية حيث تكون الثورة

وخامسةٌ

وسادسةٌ

وسابعٌ

وثامنْ

لم يروا بعضهم

لكنّ اللقاءَ المتزامن مع اندلاع زهور الرمّان سيكون – إن شاء الله – بعد عامين من الآن

في مثل هذا اليوم

في مثل هذا اليوم سوف يولد تاريخٌ يشتهي مستقبلَه ويبدأ حبٌ لا ينتهي ويعيش بين الغضب والولَه

وفي مثل هذا اليوم ابتدأ الزمان

وتعلّم

وأُنزٍلَ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : 

"عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" 

وأُنزلَتْ

"ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُون" 

وفي مثل هذا اليوم

وُلدت ممالكٌ وانتهت

واختلفت أيامٌ وتشابهت

وظل النور هو العيون

والورد هو العبير

وقال شكسبير :

أكونُ أو لا أكونْ

وقالت جدتي :

 كان ياما كان

كانت القطة تمسح وجهها في أقدام البشر

وكانت الخيول تتكلّم

والإنسانية تتألّم

وكان أبوك يكتب شعرًا

عن اكتمال القمر

وعن دمعٍ انهمر

في بحر البقرْ

ثم قالت لي قبل أن تموت

أو قبل أن تنام

أنَّ الزمان واحد

وأن كل الأيام

جاءت وعاشت ولن تنتهي

وكأنها أحلام

رأيناها

في مثل هذا اليوم.