-
℃ 11 تركيا
-
1 أبريل 2025
إسلام الغمري يكتب: رمضان مدرسة التقوى وميدان العطاء.. وغزة جرح الأمة النازف
إسلام الغمري يكتب: رمضان مدرسة التقوى وميدان العطاء.. وغزة جرح الأمة النازف
-
28 مارس 2025, 9:38:21 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
غزة جرح الأمة النازف
مع اقتراب شهر رمضان المبارك من نهايته، وقد تبقى يوم واحد فقط (حتى 28 مارس 2025، الموافق 28 رمضان 1446 هـ)، نقف على أعتاب وداع أيامٍ عظيمة، حملت لنا دروسًا إيمانيةً عميقةً. لم يكن الصيام مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل كان تدريبًا على التقوى والالتزام، كما قال الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” (البقرة: 183).
ومع نهاية هذا الشهر المبارك، يفرض علينا رمضان سؤالًا جوهريًا: هل غيّر فينا شيئًا؟ هل خرجنا منه بقلوبٍ أنقى ونفوسٍ أكثر قربًا من الله؟ وهل وعينا درس العطاء الذي تعلمناه في الصيام؟
رمضان.. مدرسة لا تنتهي دروسها
رمضان ليس مجرد موسم عابر، بل هو مدرسةٌ تمتد دروسها لما بعد الشهر الكريم. نتعلم فيه الصبر والانضباط، حين نمنع أنفسنا عن الطعام والشراب ساعاتٍ طويلة، فنكتسب القدرة على ضبط النفس أمام الشهوات والمحرمات. وكما نمتنع عن المباحات في نهار رمضان، فإن هذا الامتناع يجب أن ينعكس على حياتنا كلها، فنرتقي عن الحرام ونلتزم بحسن الخلق.
كما يعلمنا رمضان قيمة النعم التي تحيط بنا، فنشعر بلذة الطعام بعد الجوع، والماء بعد العطش، ونذكر أن هناك من لا يجد لقمة يسد بها رمقه، ولا شربة ماء تطفئ ظمأه. وهذه المشاعر ينبغي ألا تنتهي مع انتهاء رمضان، بل تدفعنا إلى أن نكون أكثر عطاءً ورحمةً، وأن نجعل الخير منهج حياة.
زكاة الفطر.. حقٌ لإخواننا في غزة
ومن أهم دروس العطاء في رمضان، تأتي زكاة الفطر، التي فرضها الله طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وقوتًا للمحتاجين يوم العيد. قال النبي ﷺ:
“أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم” (رواه البيهقي).
وإذا كان الفقراء والمساكين هم المستحقون لهذه الزكاة، فمن أحق بها اليوم من أهلنا في غزة، الذين يحاصرهم الجوع والعدوان، فيعيشون أيامهم بين القصف والجوع والمرض، بينما يودّع بعضهم بعضًا تحت الأنقاض؟
إن توجيه زكاة الفطر إلى أهل غزة ليس مجرد إحسان، بل هو واجب شرعي وإنساني وأخلاقي، وهو أقل ما يمكن أن نقدمه لهم في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها. وكم من أرواح يمكن أن تنقذها هذه الزكاة، وكم من أطفالٍ سيجدون بها ما يسد رمقهم في يوم العيد؟
غزة.. الجرح النازف في جسد الأمة
وبينما نعيش في أمنٍ ورخاء، ونلتقي بأحبائنا حول موائد الإفطار، هناك في غزة أمهاتٌ تبكي أبناءها الشهداء، وأطفالٌ يتضورون جوعًا، ورجالٌ يبحثون عن كسرة خبز تسد جوع أسرهم. إن جوعهم ليس صيامًا اختيارياً ينتهي بأذان المغرب، بل هو محنة مستمرة، يفرضها عليهم الحصار والعدوان.
وهنا، يصبح رمضان امتحانًا حقيقيًا لمدى وعينا بمسؤوليتنا كمسلمين. فإن كان الصيام يعلمنا التقوى، فأين تقوانا إن لم نشعر بجرح الأمة، وننصر المستضعفين بكل ما نستطيع؟
إن نصرة غزة تبدأ بالدعاء، لكنها لا تتوقف عنده، بل تمتد إلى الدعم المالي، وإيصال زكاة الفطر إليهم، ونشر معاناتهم، والعمل على كسر الحصار الظالم المفروض عليهم.
وداع رمضان.. بداية عهد جديد
وفي آخر أيام رمضان، فلنسأل أنفسنا: هل تأثرنا حقًا بدروس هذا الشهر؟ هل خرجنا منه بقلوبٍ أكثر رحمة، ونفوسٍ أكثر عطاءً؟
إن وداع رمضان لا يعني وداع التقوى والعطاء، بل هو بدايةٌ لمرحلةٍ جديدة من العمل الصالح. فلنحمل معنا روح رمضان، ولنحول مشاعر الإيمان إلى أفعالٍ ملموسةٍ، ولنبدأ هذا التغيير بنصرة إخواننا في غزة، فليس هناك وقتٌ للتأجيل، ولا عذرٌ للصمت.
نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يفرّج عن أهل غزة، وأن يجعل رمضان شاهدًا لنا لا علينا.









