- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
اسماعيل جمعه الريماوي يكتب: ذكرى اغتيال غسان كنفاني.. كيف لقلم أن يقاوم بعد الموت؟!
اسماعيل جمعه الريماوي يكتب: ذكرى اغتيال غسان كنفاني.. كيف لقلم أن يقاوم بعد الموت؟!
- 8 يوليو 2024, 11:35:27 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
يُسجل التاريخ في صفحاته هذه الأيام الذكرى المؤلمة لاستشهاد الكاتب والصحفي الفلسطيني البارز، غسان كنفاني. تلك الذكرى التي تعود إلى الثامن من يوليو/تموز عام 1972، حيث اغتيل في تفجير مروع لسيارته في بيروت، وكانت برفقته ابنة شقيقته، لميس، التي شاركته مصيره الأليم في ذلك اليوم الدامي.
كانت نكبة 1948 بمثابة زلزال ضرب أعماق الوجود العربي، مزق الصلة بين الحاضر والماضي والمستقبل، وأطلق رحلة الوعي العربي في متاهات القلق والخطر وعدم اليقين. وفي ظل هذا التيه الوجودي، برزت الحاجة الملحة لشخصية تتصدى لإنقاذ هذا الوعي من أتون النسيان والهزيمة. ومن هنا، جاء غسان كنفاني بقلمه الحاد وكلماته البليغة كمنقذ ومقاوم بالقلم، ليعيد تشكيل الذاكرة العربية ويحيي الكفاح لإعادة بناء الماضي ومقاومة التحديات الراهنة وتشييد المستقبل.
لم يكن كنفاني مجرد روائي أو صحفي، بل كان مقاومًا ومناضلًا سياسيًا كرّس حياته من أجل القضية الفلسطينية، التي باتت تمثل قضية كل عربي وكل حر في هذا العالم. وعلى الرغم من دوره كناطق رسمي وعضو في المكتب السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لم يغرق غسان في بحر السياسة فقط، بل كان قلمه سلاحًا فعّالاً يخترق الأذهان ويحرك الوجدان، وكانت مجلة "الهدف" التي أسسها منبرًا لتعبير الفلسطينيين عن آمالهم وأحلامهم.
استمد كنفاني الوحي لكتاباته من ألم الحياة اليومية للفلسطينيين، واستطاع أن ينقل صورة الحياة تحت الاحتلال بكل تفاصيلها القاسية. لم يكن ينظر إلى الكتابة كمهنة فحسب، بل كرسالة ودعوة للعمل والتغيير، وكان يؤمن بأن القلم يمكن أن يكون أقوى من الرصاص. من خلال الرواية والمقال والقصة القصيرة، استطاع أن يشعل شرارة الوعي والمقاومة في قلوب القراء والمثقفين، ليحول الكتابة إلى فعل مقاوم ومؤثر يساهم في تغيير الواقع.
في كتاباته، نجح كنفاني في إيقاظ "عاطفة المقاومة" في الوعي العربي، نابعة من رحم التيه واليأس. يعبر عن هذا بقوة في (أرض البرتقال الحزين) حيث يكتب: "لا تمت قبل أن تكون نداً.. لا تمت".
لم تكن كتابات غسان كنفاني مجرد نصوص تحمل العاطفة والصدق فحسب، بل كانت أعماله مليئة بالدقة الفنية والقوة الإيمانية بالحق، وقد صُممت لتثير وتؤجج عواطف المقاومة في وعي الشعوب العربية وغيرها. لم تقتصر كلماته على أن تكون شعارات مرفوعة في المظاهرات أو مطبوعة على القمصان؛ بل غرس في وجدان الأجيال فكرة راسخة مفادها أن استرداد الحقوق من قبضة الاستعمار لا يتأتى إلا بالتصدي للمحتل، وليس بالتسامح أو الاسترضاء. وهكذا، كوّن كنفاني حيزًا ثقافيًا ثوريًا يُعد تاريخيًا، حتى وإن ظل هذا الحيز على هامش الساحة الرئيسية مؤقتًا، منتظرًا لحظة الفرصة المواتية ليعيد توجيه بوصلة العدالة في العالم.
بكلمات صريحة ومواجهات مباشرة بين شخصيات رواياته استطاع غسان كنفاني أن يصور كيف تحول الإنسان الفلسطيني الذي كان يمتلك وطناً إلى حالة يستغلها رجال السياسة، إذ يتداخل الأدب مع السياسة عند غسان كنفاني، حتى إن بشير أبو منّة، مدير مركز الدراسات الاستعمارية وما بعد الاستعمارية في جامعة "كنت" البريطانية، يعتبر في كتابه "الرواية الفلسطينية من سنة 1948 حتى الحاضر" أن الأدب عند كنفاني سبق السياسة وأدى إليها أيضاً. ويقول أبو منّة، إن مساهمة كنفاني الأدبية في واقع التشرد والحرمان الفلسطيني دفعته إلى العمل السياسي.
لقد سار غسان كنفاني بكل عزم على درب مقاومة الاستعمار، واستخدم موهبته الأدبية ليقلب المسافات بين اللغة والواقع. عبر أعماله الأدبية، تحوّل الأدب من مجرد تسلية إلى عمل مقاوم يملك القدرة على تغيير حياة القراء، داعيًا إياهم لعدم الاستسلام للواقع المرير. ومن هذه النقطة، نفهم أهمية وكيفية صناعة "عاطفة المقاومة" التي تبرز الرغبة في التغيير الجذري، التغيير الذي يُحدثه القلم والكلمة، وكيف أن هذه العاطفة تتجسد في رغبة المجتمعات في تحقيق التحول الشامل.
على الرغم من عدم حمله للسلاح، كان قلم غسان كنفاني كالرصاص على الاحتلال، لذلك كان على غسان كنفاني أن يواجه مصير الاغتيال الذي وقّعت عليه بنفسها رئيسة وزراء الاحتلال الإسرائيلية غولدا مائير.