- ℃ 11 تركيا
- 21 نوفمبر 2024
بيسان عدوان تكتب: إبادة غزة جريمة مستمرة
لا تسقط بالتقادم
بيسان عدوان تكتب: إبادة غزة جريمة مستمرة
- 14 نوفمبر 2023, 8:05:31 ص
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
منذ أيام خرج المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بتصريح غاية في الخطورة قائلا "إنه سيحاكم حماس ويحقق معها في اللحظة التي توجد فيها إبادة جماعية مستمرة ونية واضحة جدا للإبادة الجماعية".
في هذا التصريح انحياز واضح يوجب علي كل القانونيين والحقوقيين في العالم أن يسعوا لإقالته بسبب تصريحه الذي لا يعتد به قانونيا، ويقطع به الطريق علي لجوء الفلسطينيين إلى مقاضاة الإسرائيليين بتهمة جرائم الحرب التي ارتكبوها في غزة.
ربما تقودنا العاطفة إلا الكفر بكل المنظومة القانونية، لمعرفتنا جيدا عبر العقود السبع التي مر بها الفلسطينيون منذ النكبة حتى يومنا هذا، أن الفضاء القانوني والمحاسبة الدولية هي هباء منبث، وان الغرب والقوى الدولية تضرب بكل القرارات والقوانين الدولية فيما يخص منطقتنا عرض الحائط، وأنها تلجأ للقوانين الدولية لتكريس هيمنتها واحتلالها وقتلها للشعوب عبر الحروب والاحتلال للمقادراتهم وأرضهم وثرواتهم، بل إنها تستخدم القانون لحماية الرجل الأبيض ذي العيون الزرقاء كما الحال في الحرب علي أوكرانيا، في حقيقة الأمر أنه تستخدم القانون الدولي بما يحقق مصالحها ونفوذها وليس لرجل أبيض أو رجل علي ضفاف شواطئ المتوسط.
لا حرب تدوم طول الوقت، وكل حرب يعقبها تفاوض، ويعقبها طريق طويل علي الفلسطينيين والمتضامنين والداعمين السير به، حتى لا يفلت المجرم بجريمته، لأن الأمر لم يتوقف منذ عام 1948 حتى هذا اليوم، ولن يتوقف، لكن علينا أن نسلك كل الطرق لمحاسبة مجرمي الحرب والذين يحضون على الإبادة الجماعية في حق الفلسطينيين، ليس فقط في محكمة العدل الدولية وأروقة الأمم المتحدة الهشة.
يجب السير إلى ما هو أبعد من ذلك في المسار القانوني، وهو إعادة العمل على اتفاقيات جنيف الأربعة التي عمل الاحتلال ووسيطه غير النزيه الولايات المتحدة الأميريكية طيلة سنوات التسوية التي أبرمت مع الفلسطينيين في التسعينيات، علي تجنبها والابتعاد عنها نهائيا، والعمل فقد علي اتفاقيات أرسلوا باعتبارها مؤسسة للعلاقات الفلسطينية الإسرائيلية ومرجعه قانونية. الأمر الذي أدى إلى التيه الفلسطيني في مسارات التسوية ومسارات التحرر الوطني.
لنعود أدراجنا إلى تلك الاتفاقيات التي تحاسب وتجرم وتعاقب المحتل علي استخدامه المفرط للقوة من جهة، ولا تجرم حركات التحرر الوطني ولا المقاومة بل وتشرعها ضد الاحتلال، لكنها تحمل الاحتلال مسؤولية حماية السكان المدنيين "بل إن الاتفاقية تضع شروطا وتدابير محددة على ما يسمى" بالدفاع عن النفس "التي تحجج به إسرائيل والدول العظمى في مواجهة المقاومة الفلسطينية، بل إنها تحملها مسؤولية تعريض الشعب الفلسطيني للمجازر.
على ما يبدو تلك الاتهامات لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية في غزة ما هي إلا مجرد حالة كلاسيكية لارتكاب مستويات من الجرائم التي يرتكبونها الآن، وتشكل قارب هروب للمسؤولية والمحاسبة لمرتكبي تلك الإبادة.
الأمر ليس وقفا علي الحرب أو الاحتجاجات، ولا يتوقف أن كانت الحركات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي "إسلامية" أو غير ذلك، سواء كانت "مسلحة" أو سلمية، حرصت إسرائيل منذ أن بدأت فكرة علي تصوير الفلسطينيين بالعنف والهمجية والإرهاب والإجرام وبالتالي صوغه لنفسها ضرورة القضاء عليه أو محوه فعليا، بل يمكن القول إن الأيديولوجية الصهيونية منذ اللحظة التي ادعت فيها أن "فلسطين فارغة" وأن "هناك أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض" كرست بشكل فعلي مشروعية جريمتها بمحو إزالة الوجود الفلسطيني.
منذ عقود والفلسطينيون يوصفون ما يحدث في الأراضي المحتلة نظام فصل عنصري، بل أن كل المنظمات الحقوقية الدولية وحتى الإسرائيلية نفسها، حذرتا من السياسات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية لكونها تصل إلى سياسات الأبارتايد ويجب توقفها لأنها تؤدي إلى جرائم مؤكدة، فمن غزة والنقب والقدس والضفة الغربية حتى داخل الأراضي ال48 فالتمييز والاضطهاد والعزل والفصل العنصري والنقل القسري والتجريد من الإنسانية بما في ذلك الحصار الشامل المفروض، وقطع المياه والكهرباء والدواء والإنترنت في غزة قبل الحرب والتي تعد جميعها ضرورية لبقاء الإنسان، فضلا عن التدمير العلني واسع النطاق لغزة وشعبها تحت ستار الدفاع عن النفس، كلها سمات بارزة وشروط مسبقة للإبادة الجماعية.
الحرب على غزة أثارت الجدل ما إذا كان ما تقوم به إسرائيل كدولة احتلال أو لا إبادة جماعية ينطبق عليه القانون الدولي أما لا، ورغم أن حكومات الدول الغربية أو دول العالم الأول التي تساند وتدعم إسرائيل في "الدفاع عن النفس" كما يدعون، فإن الواقع المرير الذي يشهده العالم وعبر عنه بالرفض الكبير للشعوب وللمؤسسات الحقوقية والقانونية حسم أمره باتجاه التدخل الفوري واتخاذ التدابير لوقف تلك الجريمة.
رغم أن العالم لا يعرف غير لغة القوة، ورغم وقوف الدول الغربية مع الجانب الاسرائيلي واضفاء مشروعية علي ما يرتكبه من الابادة الجماعية في غزة، الا ان صمود الشعب الفلسطينية واستبساله في المقاومة من اجل حقه في الحياة، غيرت في المجتمع الدولي بشعوبه ومؤسساته الحقوقية والنقابية والقانونية، ونحن نشهد التغير داخل بعض البرلمانات الاوروبية كبلجيكا والترويج واسبانيا، وهناك انقسامات داخل الحكومات الغربية عبر الاستقالات النواب الاوربيين يجب الاستفادة منها، والرهان علي المجتمع الدولي ومحاسبته لحكومته التي تعتبر شريكة مع اسرائيل في جريمة الابادة الانسانية التي تمارسها بحق الفلسطينيين.
بموجب اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها التي اقرت عام 1950، في المادة 2 تعني الإبادة الجماعية أياً من الأفعال التالية، المرتكبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه: قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
ويعاقب بموجب الاتفاقية في المــادة 3 كل من قام بالأفعال التالية: الإبادة الجماعية، التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية، التحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، محاولة ارتكاب الإبادة الجماعية، الاشتراك في الإبادة الجماعية. كما يعاقبوفقا للمادة 4 منها مرتكبو الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة، سواء كانوا حكاماً دستوريين أو موظفين عامين أو أفراداً. لذا، يجب على الأفراد في إسرائيل وخارجها أن يدركوا أنهم معرضون لخطر الملاحقة القضائية.
تنكر الدول الغربية الجريمة التي ترتكبها إسرائيل، بل بموجب اتفاقية منع الابادة الجماعية تشارك بها، كما أكد مدير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نيويورك، كريغ مخيبر، في رسالة في 28 تشرين الأول/أكتوبر، إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك: "إننا نشهد الإبادة الجماعية تتكشف أمام أعيننا، ولم تتمكن المنظمة التي نخدمها من إيقافها"، واتهم الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الأوروبية بتوفير غطاء سياسي ودبلوماسي للفظائع التي ترتكبها إسرائيل. وكتب مخيبر أنه بعد أن شهد ما حدث في رواندا، والبوسنة، وللمدنيين الروهينغا في ميانمار، فشلت الأمم المتحدة مراراً وتكراراً في وقف الإبادة الجماعي،. وتابع: "أيها المفوض السامي، نحن نفشل مرة أُخرى" في غزة
صحيح أن جميع الاتفاقيات والمعاهدات والقرارات الصادرة عن مختلف هيئات الأمم المتحدة، وخصوصاً مجلس الأمن الدولي، قد تجاهلتها إسرائيل بدعم من حلفائها في الغرب، إلاّ إنه من الضروري استخدام كل ما هو متاح من آليات لملاحقة مرتكبي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وكلها جرائم لا تسقط بمرور الوقت، جنباً إلى جنب مع جميع الأدوات النضالية الأُخرى، وفق الظروف الناشئة، كل في حينه.