- ℃ 11 تركيا
- 29 نوفمبر 2024
بيسان عدوان تكتب: إنجازات مرّة واتفاقيات مُعلَّقة: قراءة في وقف إطلاق النار في لبنان
بيسان عدوان تكتب: إنجازات مرّة واتفاقيات مُعلَّقة: قراءة في وقف إطلاق النار في لبنان
- 29 نوفمبر 2024, 2:55:50 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
تجسد المقولة "نصف النصر.. هزيمة كاملة" جوهر الصراع الذي يخوضه المقاومين في لبنان وفلسطين. رغم صمود حزب الله ومرونة المقاومة اللبنانية، إلا أن الواقع يشي بتوازنات جديدة تتحول لصالح الاحتلال الإسرائيلي. إسرائيل تسعى في كل خطوة إلى تأمين مستوطنيها وتغيير قواعد الاشتباك لصالحها، في ظل خطاب إعلامي يعيد صياغة الوقائع على أنها انتصارات. في هذا المشهد الملبد بالتحديات، لا يمكن تجاهل حقيقة أن "النصر" لا يتأتى من اتفاقات شكلية، بل من رؤية استراتيجية توحد مشروع المقاومة بعيدًا عن الانقسام الطائفي، وجعله جزءًا من نضال عالمي ضد الاستعمار والإمبريالية.
لبنان: فصل الجنوب عن غزة
في ذروة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، كان هناك محاولات واضحة لفصل الجبهة اللبنانية عن غزة، وتحييد لبنان عن معركة غزة بكل ما أوتيت إسرائيل من قوة. العدوان لم يكن سعيًا لتدمير حزب الله كليًا، بل لفرض واقع جديد يعزل الجنوب اللبناني عن غزة، ويحيد قدرات حزب الله العسكرية إلى شمال الليطاني. وفي هذا السياق، كان الهدف الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل هو عودة مستوطني الشمال الإسرائيلي إلى منازلهم بأمان، دون أن تضطر إلى تقديم أي تنازلات في غزة.
وما حمله اتفاق وقف إطلاق النار من قيود إضافية على المقاومة اللبنانية، هو في جوهره إنجاز لإسرائيل. بعد حرب 2006، حاول حزب الله استعادة قوته عبر خطاب "النصر الإلهي"، ولكن هذا الخطاب لم يعد قادرًا على تحصين المقاومة ضد الواقع الجديد الذي فرضته الترتيبات الدولية. الاتفاق الأخير فرض على لبنان قيودًا إضافية، وجعل أي تحرك مستقبلي أكثر تكلفة سياسيًا وعسكريًا. لبنان لا يزال في مفترق طرق، مع هشاشة متزايدة في ظل الانقسامات الداخلية والضغوط الاقتصادية.
فلسطين: حسابات مختلفة بأدوات مشتركة
على الجبهة الفلسطينية، تختلف الحسابات تمامًا. العدوان الإسرائيلي على غزة كان يستهدف القضاء على القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، وتدمير بنيتها التحتية، بينما في لبنان، كان الهدف تحييد المقاومة دون تغييرات جوهرية في المعادلة السياسية. معركة غزة كانت ولا تزال تهدف إلى تدمير أي قدرة تهديد دائم للعمق الإسرائيلي، وهو ما تجسد في تدمير البنى التحتية وقتل المدنيين. بينما العدوان على لبنان كان يرتكز على عزل الجنوب عن باقي المنطقة، في محاولة لتفكيك وحدة المقاومة بين لبنان وفلسطين.
رغم التدمير الواسع في غزة، الذي أثر على البنية التحتية الفلسطينية بشكل كارثي، فإن الهدف الأساسي لم يكن القضاء على المقاومة بالكامل، بل إضعافها على المدى القصير فقط. لكن التكتيك الإسرائيلي في لبنان كان مختلفًا، فقد كان الهدف واضحًا: حماية شمال إسرائيل من أي تهديد قادم من الجنوب اللبناني، دون التأثير المباشر على المعادلة السياسية في فلسطين.
الترويج السياسي وخطاب النصر المفخخ
الخطاب الإعلامي الذي يصور اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان كنصر يعكس في جوهره أزمة حقيقية في فهم طبيعة الصراع. في لبنان، يسعى حزب الله إلى تعزيز مكانته السياسية والعسكرية عبر تصوير الاتفاق على أنه انتصار، إلا أن هذا الخطاب يغفل الحقيقة الواضحة: لبنان لا يزال هشًا، والانقسامات الطائفية تعمّق الأزمة الداخلية وتضعه في موضع ضعف أمام أي عدوان مستقبلي.
وفي هذا السياق، كان حزب الله قد استفاد من خطاب "النصر الإلهي" بعد حرب 2006، فاستطاع توسيع نفوذه على حساب الدولة اللبنانية. ومع ذلك، ومع تكرار هذا الخطاب اليوم، يبدو أن الأمور تتجه نحو مزيد من التفكك، مما يضع لبنان في موقف بالغ الحساسية. لذلك، فإن الترويج السياسي من جانب حزب الله، رغم ضرورته داخليًا، يحمل مخاطرة كبيرة قد تعود على لبنان بالضرر في المستقبل.
إمكانية الخروج من الدوامة
لكن في الوقت نفسه، العدوان الأخير أتاح فرصة جديدة لطرح مشروع وطني غير طائفي، يسعى لاستعادة سيادة الدولة اللبنانية في مواجهة الطائفية والتقسيم. لبنان بحاجة إلى استغلال موجة التضامن الدولي وإعادة بناء مشروع مقاوم يتجاوز الانقسامات الداخلية.
أما في فلسطين، فإن الربط بين نضال غزة والضفة الغربية وبين حركات التضامن الدولية يعيد بوصلة النضال إلى المسار الصحيح. المقاومة يجب أن تكون جزءًا من مشروع تحرري عالمي ضد الاستعمار، بدلاً من العزل أو التطبيع مع الاحتلال.
في هذا السياق، يتعين على المقاومة في لبنان وفلسطين أن تركز على تجاوز الانقسامات الطائفية والسياسية، والعمل على بناء جبهة موحدة لا تقتصر على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فحسب، بل على مقاومة الإمبريالية ككل. اليوم، نحن أمام فرصة لتوجيه الأنظار نحو مشروع مقاوم يعيد للقضية الفلسطينية مكانتها في العالم، ويُجسد مقاومة حقيقية ضد التسلط الاستعماري.
خلاصة القول فإن مستقبل المقاومة في لبنان وفلسطين لا يكمن في توقيع الاتفاقات أو في انتصار شكلي على المستوى التكتيكي، بل في بناء مشروع مقاوم يعتمد على توحيد القوى الوطنية والإسلامية ضد الاحتلال، مع التأكيد على أن النضال لا يتحقق إلا عندما يتجاوز حدود الطائفية والمصالح الضيقة. التحرير هو الهدف الاستراتيجي، والمستقبل لا يمكن أن يكون إلا ضمن مشروع تحرري عالمي ضد الاستعمار.