- ℃ 11 تركيا
- 14 نوفمبر 2024
بيسان عدوان تكتب: مرور عام على طوفان الأقصى.. ولادة جغرافيا المقاومة وإعادة تشكيل الشرق الأوسط"
بيسان عدوان تكتب: مرور عام على طوفان الأقصى.. ولادة جغرافيا المقاومة وإعادة تشكيل الشرق الأوسط"
- 11 أكتوبر 2024, 5:18:26 م
- تم نسخ عنوان المقال إلى الحافظة
"لا يوجد شيء أثمن من الأرض التي تشكل الذاكرة. وحين تُهدد الذاكرة، تصبح المقاومة واجبًا، ويصبح الوطن امتدادًا لكل مكان يخطو فيه الحالمون بحرية" - إدوارد سعيد
بعد عام من عملية "طوفان الأقصى"، نرى المشهد يتبدل وتتحرك رقعة الصراع الإقليمي نحو مرحلة جديدة تتجاوز فلسطين وحدودها لتصبح معركة تعيد تعريف موازين القوى في الشرق الأوسط. هذا التحول يأتي في سياق تاريخي تتنازع فيه القوى الاستعمارية لإعادة تشكيل خرائط النفوذ والسيطرة، لكن هذه المرة بقوى شعبية تتحدى الحدود التي صنعها الاستعمار وتفرض سرديات جديدة من المقاومة.
تحول المقاومة: من الداخل إلى الخارج
"طوفان الأقصى" لم يكن مجرد عملية فدائية محدودة، بل كان عملية تحول شاملة في الفكر الاستراتيجي للمقاومة الفلسطينية. على مدار العقود السابقة، كانت المقاومة محاصرة داخل حدود غزة والضفة، مضطرة للتكيف مع معطيات الحصار والهيمنة الإسرائيلية. لكن مع تطور التحالفات الإقليمية ودعم المحور المقاوم، توسعت المقاومة لتتجاوز الحدود، محولة جبهات الإسناد إلى جبهات مواجهة فعلية.
هذا التحول يعكس انتقال المقاومة من فعل محلي محدود إلى حركة شعبية واسعة تؤسس لخريطة جديدة للنضال، تجمع بين الشعوب المقاوِمة في المنطقة، لتعيد تأكيد الروابط العابرة للحدود التي حاول الاستعمار تفتيتها منذ بداياته. في هذا السياق، يصبح الصراع ليس فقط مع الاحتلال الإسرائيلي، بل مع الهيمنة الغربية والنظم الاستعمارية الجديدة التي تسعى لفرض السيطرة الاقتصادية والسياسية على المنطقة.
تفكيك بنية الاحتلال: الصراع على السردية والمجال
من منظور الدراسات ما بعد الاستعمارية، يدرك الفلسطينيون وحلفاؤهم أن الصراع ليس فقط على الأرض، بل أيضًا على السردية والتاريخ. لقد كانت السرديات الإسرائيلية المدعومة من القوى الغربية تروج لنفسها على أنها ضحية وتستحق أرضًا "موعودة"، لكن "طوفان الأقصى" قلب هذه السردية، وأعاد تذكير العالم بأن المقاومة ليست فعل عنف غير مبرر، بل هي دفاع شرعي عن الحق في الحياة والحرية وتقرير المصير.
التحركات الشعبية الأخيرة والتنسيق بين جبهات المقاومة من لبنان إلى اليمن تؤكد أن الفلسطينيين ينجحون في تحويل الذاكرة الجماعية إلى سلاح. فحين تهدد سرديات الهيمنة المحتلة، يصبح المجال الإعلامي والمعرفي ميدانًا معركة يستعيد فيه الفلسطينيون والعرب أصواتهم، وينسجون سردياتهم التي تعيد تشكيل مفهوم "الضحية" و"المحتل".
إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية: مرحلة ما بعد الاستعمار الجديد
بعد عام على "طوفان الأقصى"، نجد أن الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط تتغير بشكل كبير. لم يعد الصراع محصورًا بين إسرائيل والفلسطينيين فقط؛ بل امتد إلى محور واسع يضم إيران، وحزب الله، وسوريا، واليمن، مما يشير إلى أن المنطقة في طريقها لإعادة تشكيل موازين القوى، بشكل يتحدى الاستعمار الجديد الذي سعت القوى الغربية لتثبيته منذ عقود.
هذه التحالفات الجديدة تعكس رغبة الشعوب في تحطيم الحواجز المصطنعة التي فرضها الاستعمار القديم والجديد. فقوة هذه التحالفات لا تكمن فقط في تسليح المقاومة الفلسطينية، بل في بناء تحالف شعبي وإستراتيجي يعيد تصور الشرق الأوسط ككيان واحد يجمع بين مصالح الشعوب ويرفض الهيمنة الاقتصادية والسياسية. إن توسع المعركة ليشمل جبهات جديدة خارج فلسطين يعكس القدرة على استخدام النفوذ الإقليمي لتحقيق توازن جديد يواجه القمع والتسلط من أنظمة الاحتلال وحلفائها.
استشراف المستقبل: نحو تكوين خريطة جديدة للتحالفات الشعبية
في المرحلة القادمة، ومع استمرار الصراع الإقليمي، يبدو أن المقاومة الشعبية في الشرق الأوسط على وشك إعادة تشكيل خريطة التحالفات السياسية والنضالية. في ظل تصاعد العنف والانتهاكات الإسرائيلية، لن يكون هناك حل سلمي ما لم تتغير موازين القوى على الأرض بشكل جذري. فالأنظمة التي تسعى لفرض الهيمنة عبر أدوات الاستعمار الجديد ستواجه صعوبة متزايدة في تثبيت سيطرتها.
من المتوقع أن تتزايد الفجوات بين القوى الشعبية المقاومة وبين الأنظمة المتحالفة مع القوى الغربية، مما سيؤدي إلى صدامات وتوترات تسعى الشعوب خلالها إلى تحرير إرادتها وفرض سيادتها. إن نجاح المقاومة في تعزيز تحالفاتها مع قوى إقليمية فاعلة يعني أن الجبهات الجديدة ستصبح أكثر تأثيرًا، وأن المعركة ضد الاحتلال لن تكون فقط في فلسطين، بل ستأخذ أبعادًا إقليمية تتحدى الكيانات الاستعمارية القديمة والجديدة.
خريطة جديدة لموازين القوى في الشرق الأوسط
"طوفان الأقصى" ليس مجرد مرحلة عابرة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؛ بل هو بداية لتحول شامل في ديناميكيات الصراع الإقليمي. إن توسع رقعة الحرب الإقليمية وتحول جبهات الإسناد إلى جبهات مواجهة يعيد تشكيل موازين القوى في الشرق الأوسط. ووفقًا لمنهج الدراسات ما بعد الاستعمارية، تصبح هذه المرحلة فرصة للشعوب للتحرر من هيمنة القوى الكبرى وإعادة رسم خريطتها بشكل يتجاوز حدود الاستعمار الجديد. إن التحدي الحقيقي يكمن في استمرار هذه الديناميكيات لتأسيس واقع جديد يعيد للشعوب حقها في الأرض والذاكرة والمصير.